لم يشفع لها تاريخها النضالي الطويل, ومواقفها البطولية السابقة والمتمثلة في معارضتها الصريحة لنظام الحكم الديكتاتوري العسكري لبلادها, تلك التي كلفتها حريتها وأخضعتها للاعتقال والتعذيب علي يديه قبل اعتلائها سدة الحكم في البرازيل, من المساءلة القانونية أمام ممثلي الشعب. ديلما روسيف, أو المرأة الحديدية, التي عرفت بحزمها وقوة إرادتها وطاقتها غير المحدودة علي المقاومة, كأول امرأة تتولي رئاسة البرازيل خلفا لمرشدها وأستاذها العامل النقابي المحبوب لولا داسيلفا, تواجه الآن موقفا لم يخطر علي بالها ولا علي بال أكثر المتشائمين من مؤيديها أو معارضيها, يكاد يعصف بمستقبلها السياسي, أو بالأحري يضع له نهاية غير سعيدة, حيث تعد العدة لإقالتها من منصبها وتنحيتهاعن الحكم. فرغم التظاهرات المؤيدة لها في العاصمة الفيدرالية برازيليا إضافة ل15 ولاية أخري, استأنف مجلس الشيوخ البرازيلي أمس إجراءات إقالتها تلك التي قد تنتهي بتنحيتها عن سلطتها مؤقتا اعتبارا من اليوم في أعقاب أحداث وتقلبات سياسية وفوضي مؤسسية, بسبب اتهامات بالتلاعب بالمال العام. ويؤكد المراقبون أن نتيجة التصويت علي إقالة الرئيسة اليسارية ديلما روسيف تكاد تكون محسومة مقدما, حيث أعلن نحو50 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ البرازيلي البالغ عددهم81 عضوا, عزمهم علي تأييد بدء إجراءات الإقالة, وذلك قبيل ساعات من الجلسة العامة للتصويت والتي لا تشترط إلا تحقيق غالبية بسيطة. روسيف التي نفت أي نية للتنحي68 عاما والتي كان الكثيرون يشبهونها بالزعيمة الألمانية أنجيلا ميركل بسبب صلابتها وقوة شخصيتها, تبدو وكأنها خسرت شعبيتها أو جانبا كبيرا منها علي أقل تقدير, علي خلفية الاتهامات الموجهة لها, إلا أنها تدافع عن نفسها بقولها إنها ضحية انقلاب برلماني لا يستند إلي أسس قانونية, إلا أن محاميها لم يفقدوا الأمل بعد في معركة البقاء, ويسعون لإلغاء إجراءات إقالتها عبر اللجوء إلي المحكمة الاتحادية العليا, التي تقدموا لها بطلب الإلغاء بالفعل. إلا أن سيناريوهات ما بعد الإقالة مطروحة وبقوة, ومن المعروف أنه بعد التصويت علي إقالتها, ستنحي تلقائيا عن السلطة في فترة أقصاها180 يوما, حتي يصدر الحكم النهائي من جانب مجلس الشيوخ البرازيلي, وفي هذه الحالة سيتولي حليفها السابق ونائبها ميشال تامر75 عاما الرئاسة بالوكالة بحلول نهاية الأسبوع. تجدر الإشارة إلي أن تامر, يعمل من الآن في الكواليس علي تأليف حكومة انتقالية. ويتوقع أن يقدم حكومة انتعاش اقتصادي تنتظرها الأسواق بفارغ الصبر, إلا أنها تحمل برنامج تدابير لا تحظي بشعبية, كاقتطاعات من الميزانية, وإصلاح نظام التقاعد وقانون العمل. وخلال جلسة اليوم, يحق لكل عضو بمجلس الشيوخ التحدث لمدة15 دقيقة, ويرجح البعض استمرار الجلسة لنحو عشرين ساعة وأن يتم التصويت علي إقالة روسيف ليلا, إلا أن رئيس مجلس الشيوخ رينان كاليروس, أعرب عن أمله في إنهاء الجلسة اليوم. وكان كاليروس قرر بشكل مفاجئ أمس الأول تجاهل رئيس مجلس النواب بالوكالة فالدير مارينياو الذي وصفه بغير المناسب, الذي ألغي بشكل مفاجئ الجلسة التي صوت فيها النواب في17 أبريل علي بدء إجراءات إقالة روسيف. وكان مارينياو المعروف بتصريحاته المتهورة أعلن أن تصويت مجلس النواب بحضور كامل الأعضاء يعتبر بمثابة حكم مسبق علي الرئيسة من اليسار ويضر بالحملة للدفاع عنها. وأثار قراره بلبلة في العاصمة برازيليا طيلة ساعات عدة كما شكل مفاجأة لروسيف نفسها. وفي صباح اليوم التالي, أعلن مارينياو تراجعه عن القرار الذي اتخذه أمس الأول الإثنين, من دون أي توضيحات. مبادرة مارينياو أطلقت العنان لكتاب الافتتاحيات. فعنونت صحيفة فوليا دي سان باولو إن الأمر كان مفاجأة غريبة, فيما اعتبرت أو جلوبو أن القرار عمل غير مسئول. وكتبت صحيفة إستادو دي سان باولو أنه لم يكن ينقص إلا هذا. السلطات البرازيلية تتوقع حدوث اشتباكات بين مؤيدي ومعارضي روسيف, لهذا وضعت حاجزا حديديا أمام مبني مجلس الشيوخ لفصل المتظاهرين المؤيدين لها والمناهضين لمساءلتها, علي غرار ما فعلته لدي تصويت النواب الذي مر دون حوادث. وتتهم المعارضة روسيف بتزوير الحسابات العامة للدولة في2014, السنة التي أعيد فيها انتخابها, وفي2015 للتخفيف من حجم الأزمة الاقتصادية التي يغرق فيها هذا البلد العملاق الناشئ في أمريكا الجنوبية. وتؤكد الرئيسة البرازيلية أنها لم ترتكب أي جريمة إدارية, وتقول إن هذه الحيل كانت تستخدم مع أسلافها. وتدين روسيف ما تصفه بانقلاب برلماني لا يستند إلي أسس قانونية, وتنفي أي نية للتنحي. ويؤيد نحو60 في المئة من البرازيليين تنحي روسيف, وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة. لكن عددا كبيرا منهم أيضا يريدون تنحي ميشال تامر الذي لا يتمتع بشعبية كبيرة والذي بالكاد حصل علي1 إلي2% من نوايا التصويت في حال إجراء انتخابات رئاسية, ويأملون في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وبعيدا عن الاتهامات الموجهة لروسيف, يري بعض المحللين أن الرئيسة البرازيلية ربما تسدد ثمن أسوأ أزمة مالية تمر بها البلاد منذ عقود والتي تتمثل في الكساد التجاري لسابع أكبر اقتصاد في العالم, مع تزايد الديون, والعجز في ميزانية الدولة والبطالة, والأزمة السياسية الكبيرة التي فجرتها فضائح فساد كبري في بتروبراس الشركة النفطية العملاقة العامة, وهي كلها مجتمعة كفيلة بطمس أي تاريخ نضالي لأي زعيم, مهما بلغت شعبيته.