مع مطلع يناير الماضي دبت الحركة والنشاط في القري والبلدان التي تقع في زمامها مصانع لقصب السكر مثل قري ونجوع مراكز أبو قرقاص وجرجا ونجع حمادي ودشنا وقوص وأرمنت وأدفو وكوم امبو, إنه العرس الزراعي والاقتصادي لهذه الأنحاء في محافظات المحروسة التي يعتبر قصب السكر زراعتها الرئيسية وركيزتها الاقتصادية ومنذ الصباح الباكر وفي عز لفحة البرد القارس يتوافد علي مزارع القصب الآلاف من المواطنين الذين يقومون بكسر القصب وتنظيفه وشحنه ليصل المحصول إلي المصانع فتتلقفه ماكينات العصير الضخمة وتخيل تكنولوجيا الصناعة إلي السكر بأنواعه المختلفة سكر مكنة سكر ناعم أو سكر أقماع, إضافة إلي صناعات أخري تكاملية من مصاصة القصب التي تصنع منها الأخشاب ومن سوائل أخري ناتجة من العصير تصنع العطور والكولونيا وغير ذلك من الصناعات التي أساسها زعزوعة القصب وعيدانه وسبحان الخالق فيما خلق. أكتب هذه السطور وهدفها تبيان الجهد والعرق الذي يلاقيه زراع هذا المحصول الرئيسي والذي يعتبر سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها مثلها مثل القمح, وغير ذلك من المحاصيل الزراعية, معاناة مزارعي القصب تبدأ من ساعة غرسه في الحقول حيث إن عملية الغرس تحتاج إلي جهد كبير, وإضافة إلي أن السلالات الحالية من القصب عفا عليها الزمن فهي سلالات يمتد عمرها إلي أكثر من نصف قرن أي أنها سلالات شاخت وانتهي عمرها الافتراضي, والمطلوب سلالات بكر جديدة تعطي محصولا أوفر وحتي الآن وحقول التجارب في وزارة الزراعة أوفي حقول شركة السكر لم تستطع أن تنتج سلالات جديدة عفية قوية تؤتي أكلها محصولا جيدا. إضافة إلي ذلك هناك معاناة رعاية المحصول منذ النشأة وحتي موعد الحصاد. فهو يحتاج إلي كميات كبيرة من السماد الكيماوي كما يحتاج إلي جهد في عمليات العزيق وتخليص التربة من العشب. كذلك كمية المياه التي يسقي بها المحصول إذ لابد من سقيه عشرين مرة أو أكثر علي مدي الشهور الطويلة التي تمضي حتي ينضج المحصول ناهيكم عن التعب والمشقة في جني المحصول, وهو الشق الأوفر تعبا والأكثر جهدا. فمن عملية الكسر إلي عملية التنظيف إلي عملية الشحن هناك عرق يبذل ومشقة ما بعدها من مشقة, إن تكلفة جني المحصول هي أكبر تكلفة يعاني منها المزارعون, أجرة النفر يوميا خمسون جنيها, ولا تزيد ساعات عمله علي أربع أو خمس ساعات في اليوم تبدأ في الساعة السابعة, ومع سماع العامل لمؤذن الظهر يرفع الأذان يترك ما في يده ويتجه بعيدا خارج الغيط إضافة إلي ذلك تأتي معاناة نقل المحصول علي ظهور الجمال إلي خط السكة الحديد ليوضع في العربات أو في اللواري, وجانب من المحصول تحمله السفن النيلية, وهي أيضا تكلفة باهظة ينوء بحملها المزارعون ثم تأتي المعاناة بعد ذلك في عملية وزن القصب في المصنع, ويتعجب المزارعون من أن العربة تكون محملة بالقصب بكثافة كبيرة, ومع ذلك يأتي الوزن مخيبا للآمال, وهي مشكلة لا تزال بلا حل يدور الحديث عنها وفيها كل عام ولا تجد من يستطيع القضاء عليها ويريح المزارعين بشكل قاطع, ومع ذلك وبالرغم من كل هذه المشاكل إلا أن الناس في قري وريف زراعة القصب لا يستطيعون الفكاك من هذا المحصول الذي أصبح ملازما لهم في حياتهم ولا يستطيعون البعد عنه فمنهم يعشقونه بل ويتندرون علي المزارعين الذين لا يزرعونه, المعاناة الأصعب التي يرزح تحتها مزارعو القصب هو ما يتمثل في ما يلاقونه من عنت عندما لا يصرفون مستحقاتهم من شركة السكر في التو واللحظة, لقد عاني المزارعون في الموسم الماضي من عدم صرف مستحقاتهم التي ظلوا شهورا طويلة بعد توريد المحصول لشركة السكر دون أن يحصلوا عليها, وهم الآن ويلهبون ظهور نوابهم صباحا ومساء ومطالبينهم بعدم السكون إذا لم تصرف المستحقات عقب التوريد مباشرة. إننا نستحث المسئولين خاصة السيد وزير التموين أن يبادروا بعدم تأخير صرف المقابل المادي للمحصول بعد توريده للمصنع حتي لا تتكرر مأساة العام الماضي, وحتي لا ينصرف المزارعون عن زراعة هذا المحصول المرهق والمتعب إضافة إلي سؤال يحيرهم, وهو إلي متي سيظل سعر طن القصب متدنيا رغم التكلفة الباهظة للمحصول.