الصحافة فكرة, وفي دنيا الصحافة تولد الأفكار ويموت منها الكثير, ولايبقي إلا القليل الذي يكتب له الخلود, ويتذكره الناس مهما مرالزمن,وبقدر ما تجد الفكرة من يرعاها بقدر ما يحفظها الزمن في سجلات الخلود,وخلال تجربتي الصحفية في الإصدار الأول من الأهرام المسائي عشت لحظات مخاض وميلاد مجموعة من الأفكار, كنت شاهدا علي رعايتها وهي تحبو وتكبر وتثمر. وما كان لهذه الأفكار أن تري النور وتصبح كائنات حية إلا بتوفير البيئة الحاضنة المشجعة التي وفرها قائد كتيبة الأهرام المسائي ومقاتلها الأول مرسي عطا الله الذي أمن ووثق بصلابة وشجاعة جنوده, الذين عملوا في سنوات الأهرام المسائي الأولي بروح قتالية عالية, كانت الفكرة تولد ويتم التخطيط لها, كما يتم وضع الخطط القتالية للمعارك العسكرية, ولا أبالغ, فقد كنا بالفعل نخوض معركة, كان شعارها إما نكون أولانكون, وقد حدد قائد القوات الهدف لجنوده, وهو الاستحواذ علي عقل ووجدان القراء, وتسديد هدف مباشر في مرمي الصحافة المسائية. وفي تحقيقنا للهدف وتحويل الأفكار إلي واقع حقيقي استخدمنا كل الأسلحة المتاحة والمتوفرة لدينا متحركين علي أساس استراتيجية ثابتة, وتكتيك متحرك ومتنوع, حسب طبيعة أرض المعركة, والتي كانت بطول وعرض الوطن من الإسكندرية حتي أسوان وعكس ما يحدث في المعارك العسكرية, حيث كان القادة يضعون الخطط, ويقوم الجنود بالتنفيذ, كان يشارك في التخطيط والتنفيذ كل جنود وأركان المسائي حتي من انضم منهم حديثا, وأحيانا كنا نستعين بمن أحيلوا إلي التقاعد, لأن الهدف لم يكن سهلا, وكانت استراتيجيتنا هي تجنيد كل الطاقات لتحقيق النصر في معركة الصحافة المسائية. ومن الأفكارالتي سجلت هدفا مباغتا وسريعا, فكرة كشكول الأهرام المسائي.. نعم كانت الصحف تقدم للقاريء معلومات سريعة في شتي المجالات, ولكنها لم تكن بشكل يومي وثابت, مثلما فعلنا,كان كشكول الأهرام المسائي, وجبة معلوماتية دسمة, سهلة الهضم, يشرف علي إعدادها طهاة مهرة, كان القارئ يجد فيها كل المعلومات التي تتناول موضوعا ما من جوانبه المختلفة, سواء كان الموضوع حول شخصية تصنع الأحداث, أو بلد شهد كارثة, أو معركة غيرت وجه التاريخ, أو مباراة أسعدت الجماهير. كان الهدف من فكرة كشكول الأهرام المسائي ليس مجرد تزويد القارئ بمعلومات, ولكن كان هناك هدف أبعد وهو خلق أجيال من الصحفيين المثقفين, الذين يتعلمون البحث عن المعلومة الصادقة من مصادرها الأصلية, وصياغتها بأسلوب صحفي بسيط سلس, لتصل إلي القارئ بسهولة. وتحرير هذا الباب الذي كان ينشر علي مساحة ثلث صفحة من صفحات الجريدة, كانت مسئولية الجميع, وكان كل محرر مطالب بتحرير الكشكول في يوم من أيام الأسبوع,وكنا نتعامل مع هذا الباب تعاملنا مع مانشيت الجريدة, وكانت تحكمنا جميعا في تحريره روح المعركة والتحدي والطريف أن معركة كشكول الأهرام المسائي لم تكن معركة المحررين الشباب فقط, ولكن شارك في تحقيق الانتصار فيها, صحفي شيخ جاوز السبعين من العمر, ولكنه كان في حيوية الشاب, وهو الصحفي الكبير والقدير محمد المندي محمد الذي كان قد خاصم الصحافة بعد أن أحيل إلي المعاش بعد عمر صحفي مديد في جريدة المساء بدار التحرير. ومن ثمار كشكول الأهرام المسائي إضافة إلي صقل ثقافة مجموعة المحررين, التي تولت أعداده في وقت لم يكن فيه الإنترنت قد عرفته مصر وغيرها من البلاد العربية, أنه أسهم في تقديم مجموعة من الفنانين التشكيلين المهمين,الذين كانوا يرسمون مواده, ومنهم د. ناصر الجيلاني, الذي أصبح أستاذا في الفنون الجميلة, ثم مذيعا لامعا في تليفزيون أبو ظبي, والفنان محمد لطفي, والفنان ياسر عيد.