الارهاب الآن يضرب أنحاء العالم. عبارة مريحة للضمير الجمعي في بلادنا, تبرر الصمت علي سفك دمائنا قياسا لما يسفك من دماء الآخرين. لو ظل نمط تفكيرنا هكذا لن تقوم لنا قائمة, فالواقع يؤشر إلي أنه أسهل للغير في حال اليأس طرد كل من يهدد أمنه وأفكاره ومبادئه خارج حدود الوطن, ففي نهاية الأمر الغريب غريب مهما حمل من جنسيات. أما نحن فسوف تتغمدنا حينها آيات الحسرة والندم بسبب ما لدينا بالفعل من نماذج إرهابية عقلا وفعلا إضافة للعائدين نتيجة طردهم وعودتهم لبلادهم الأم, لأننا نبشركم أن كل من سيتم طرده ينتمي إلي بلادنا ومنطقتنا. ألم يحن الوقت كي نتحمل المسئولية ونعترف أننا من شوهنا الاسلام وافترينا عليه؟ وأمامنا إندونيسيا وماليزيا خير شاهد علي التدين والعمل الجاد لتقدم البلاد في آن واحد. إن ما نحن فيه اليوم ما هو إلا محصلة لمزايدة كل من الدولة والمجموعات الاسلامية علي الآخر باسم الدين. فلا الدولة كان من مصلحتها قيادة ثورة تنويرية في العقول لأن العقل الذي يميز ويفند من الصعب استئناسه. فصار من مصلحة الطرفين ترك الأمور كما هي عليه, حتي تقلص الدور الثقافي والفكري الذي كانت ترعاه الدولة لنظام التعليم وتقهقر الثقافة والفن والفكر وعدم قدرة علي المواجهة مع الماضي بكل ما يحمله من تراث مما جعلنا متخلفين تماما فيما يخص الاصلاح الديني, وصارت عقيدتنا الوحيدة المدانة في نظر الآخرين. وحينما نتساءل: لماذا نحن أبناء الديانة الوحيدة التي تتناحر فيما بينها فرقا ومذاهب وتتسيدها لغة التكفير والكراهية فسوف نجد الاجابة عبر ممارسات الدولة التي تفننت في فرض الوصاية من خلال المؤسسات الدينية التي صارت هي الأخري لا هم لها سوي تدجين المواطن ومحاصرة الأفكار ومقاومة الاختلاف, وعدم الاكتفاء بالتبصير وترك أمر المخلوق للخالق, بل وجدت هذه المؤسسات نفسها مع الوقت قوة يحتاجها النظام فتحول دورها إلي مؤسسات رقابية بدلا من تنويرية. وأنا ألوم أنفسنا لأننا كنا المنارة والمثال الذي يحتذي به في الفهم السليم لجوهر الدين. ما نحاول أن نسوقه هنا أن الأمر ليس عفويا نتيجة تراخي الدولة, فها هي نظم التعليم نفسها شاهدة بعدم تركيزها إلا علي تدريس الفتوحات الاسلامية باعتبارها جهادا والسبب الأوحد لقوة الدولة الاسلامية, مع التجاهل التام والمتعمد لعدم ذكر أن هذه الدولة لم تحمل أي سبل للتقدم والتناغم مع شتي مناحي الحياة, فتقلصت وزالت كما زالت حضارات غربية كبري, لكنها تسوق لنا أشياء عجيبة حيث تربط زوال القوة بضغف الخلفاء وانشغالهم بملذات الحياة. وبصرف النظر عن كل هذا لماذا تقتصر دراسة التاريخ لدينا علي المعارك والحروب لأية دولة في العالم وعلي الحقب الاستعمارية, مما يرسخ فكرة قوة الدولة في الحروب بقدرتها علي البقاء وأيضا يحض علي كراهيتها بسبب تاريخها وأطماعها الاستعمارية, هنا لا يمكننا تصور حدوث هذا عن جهل أو دون قصد, لأن الجميع حتي من يدعي العمل علي تطوير المناهج يتجاهل تماما التركيز علي جوانب قوة الدول الاخري العلمية والفكرية وكيف تطورت حتي وصلت إلي ما هي عليه اليوم. النتيجة أن علاقاتنا بكل ما حولنا قد صارت منقوصة ومغلوطة ومشوهة, وأن تركيبتنا النفسية مهتزة إلي حد الاقتناع بأن داعش راغبة في رفعة الاسلام والمسلمين, وعلينا جميعا أن نترحم علي أنفسنا لو لم نبدأ منذ اللحظة بمواجهة قوية في مناهجنا وتراثنا وعلاقتنا بعقيدتنا التي يجب صيانتها وعدم التشويش عليها ممن يدعون بأنهم أولي الامر في المؤسسات الدينية.