امتلأت الساحة بالتنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تتخذ من الدين ستارا لها وترفعه شعارا في وجه كل من يعارضها, وتنوعت الأجندات التي تمثلها هذه التنظيمات وكلها تهدف إلي إحداث انقسامات وتوترات وإثارة الفتن في المنطقة علي المستويات العرقية والدينية والثقافية. جيش الإسلام الفلسطيني هو أحدث ما عرف من هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة الذي ثبت بالأدلة القاطعة تورطه في حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وهو ما أعلنه اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية أمس, خلال احتفالات عيد الشرطة. حول هذا التنظيم الإرهابي دار حوارنا مع الدكتور محمد مجاهد الزيات نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط لمعرفة المزيد من التفاصيل عن أهدافه ومصادر تمويله ومن يقف وراءه وما يمثله من خطورة علي الأمن المصري. ** ماذا يعني نفي تنظيم( جيش الإسلام الفلسطيني) تورطه في جريمة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية التي راح ضحيتها23 قتيلا وأكثر من100 جريح.. رغم تأكيد وزير الداخلية حبيب العادلي القبض علي7 عناصر تابعة للتنظيم( مصريين وفلسطينيين وبريطاني من أصل مصري وبلجيكي من أصل تونسي وفرنسية من أصل ألباني) واعترافهم بالضلوع في ارتكاب الجريمة؟! * من الطبيعي أن يحاول نفي التهمة عن نفسه حتي لا تتعرض عناصره للتضييق الأمني ولكن قبل ذلك يجب أولا أن نلقي الضوء علي التنظيم( جيش الإسلام الفلسطيني) الذي هو أحد التنظيمات الإرهابية ذات التوجه السلفي في غزة, وعلي البيئة التي تتحرك فيها هذه التنظيمات, حيث وجدت في قطاع عزة بيئة ملائمة للنشاط قبل استيلاء حماس علي السلطة, وظهرت مجموعات صغيرة ربما لا ترقي لمستوي التنظيمات تحاول الالتصاق بالقاعدة. وكانت التقارير الأمنية تفيد بانتقال عناصر هذه المجموعات من مجموعة لأخري بما يعني عدم وجود ولاء لمجموعة بعينها دون أخري منها( قاعدة الجهاد في فلسطين) و(جيش الأمة) و(جند الله) و(جند أنصار الله) ثم جاء في النهاية( جيش الإسلام الفلسطيني) والذي كان أول ظهور له في2007 في يونيو2006 بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عملية( الوهم المتبدد), ويتزعم التنظيم مختار دغمش وعائلته ذوو الاتجاه السلفي المتطرف, وزعم التنظيم أنه له دور في أسر شاليط. بدأ( جيش الإسلام) نشاطه بالتعاون مع حماس وكانت هناك حالة رضا متبادل, ثم وقعت خلافات بينهما عندما ظهر الخلاف بين أجندة كل منهما, ف جيش الإسلام يسعي علي حد زعمه لتطبيق شرع الله في أرضه بالأساليب القاسية وعلي مستوي عالمي وليس علي المستوي المحلي فقط, ويؤكد ذلك شعار الحركة الذي يشتمل علي خريطة للكرة الأرضية وسيف ومصحف وليس من بين عناصره خريطة لفلسطين أو ما يشير لقطرية رسالته, فهو يعتبر نفسه حركة عالمية لمواجهة الكفر في العالم. يضيف الدكتور محمد مجاهد أن صداما وقع بين( جيش الإسلام الفلسطيني) و( حماس) بعدما بعثت الأولي رسالة تعزية في أبوعمر البغدادي الذي كان يطلق عليه( أمير المؤمنين في بغداد) والمنتمي لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين, بما يوحي بوجود روابط بين القاعدة في العراق وجيش الإسلام في غزة. ** يزعم المتحدث باسم تنظيم( جيش الإسلام الفلسطيني) أنهم لا علاقة لهم بالخارج, وأنهم أهل الرباط بالداخل رغم تعارض ذلك مع رمزهم الذي أشرت إليه.. فأين هو الداخل من تفجيرات شرم الشيخ وميدان المشهد الحسيني بالقاهرة وأخيرا من تفجيرات الإسكندرية والتي تشير أصابع الاتهام إلي تورطهم فيها جميعا؟! * قد لا يكون تنظيم( جيش الإسلام الفلسطيني) علي علاقة مباشرة بتنظيم القاعدة حيث أن تنظيم القاعدة لم يعد له وجود حقيقي مؤثر يمسك من خلاله بأطراف تنظيمات مستقلة مثله, إلا أن مثل هذه التنظيمات( ومنها جيش الإسلام) تعلن ولاءها للقاعدة للإفادة من الدعم المادي الذي يأتي من المتبرعين المتعاطفين مع القاعدة, ولانضمام أفراد ينتمون بولائهم لأسامة بن لادن. غير أن إدعاءهم بعدم وجود علاقة لهم بالخارج يبقي مجرد ادعاء لأن تصريحات المتحدثين باسم( جيش الإسلام) المتواترة في وسائل الإعلام ومراجعة أقوال مسئوليهم تؤكد أن الخارج هو الأساس والداخل مجرد أمر ثانوي, فحديثهم عن تنظيم( دولة العراق الإسلامية), وزيادة نشاطه بعد توقيع حماس للهدنة في2008, وعدم تعرضه لإسرائيل بأي عملية تفجير يؤكد انصرافه للخارج دون الداخل. ** كيف يمكن لتنظيم( جيش الإسلام الفلسطيني) أن يقوم بتفجيرات خطيرة مثل تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وزعيمه( ممتاز دغمش) 33 عاما رهن الاعتقال في غزة.. وتنظيمه الذي بلغ تعداده في وقت الذروة أكثر من2000 عنصر لم يبق منهم سوي بضع عشرات أو مئات علي أكثر تقدير؟! * د. مجاهد: خطورة هذا التنظيم ليست في زعيمه أو قائده ممتاز دغمش الذي هو رهن الاعتقال, ولكن الخطورة تكمن في العناصر التي انضمت إليه وكانت تعمل في الخارج, فتنظيم التوحيد والجهاد الذي كان يتزعمه أبومصعب الزرقاوي, وكان يمارس اعماله في العراق( رغم أصوله الأردنية) بدأ في باكستان خلال الحرب ضد الروس لتحرير أفغانستان وهو يعتمد علي عناصر فلسطينية, وامتداده في العراق في2005 أيضا يعتمد علي عناصر فلسطينية.. بعض هذه العناصر انضمت للتنظيم. وفي تصوري: والكلام مازال للدكتور محمد مجاهد نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط.. أن تنظيم( جيش الإسلام) لم يعد تحت سيطرة دغمش, ولكنه تحت سيطرة عناصر تابعة للقاعدة عائدة من باكستانوأفغانستان والعراق تسعي وتخطط وتنفذ عمليات ضرب أهداف تثير ضجة إعلامية كبيرة مثل تفجير كنائس العراق وكنيسة القديسين بالإسكندرية, وأيضا تنفيذ تفجيرات في المزارات المقدسة( لإثارة النعرات المذهبية) بين السنة والشيعة, رغم أن عشائر عراقية كاملة تضم شيعة وسنة تعايشت علي مدي عقود دون أي احتكاك. وقد ترافقت عودة الحركة الجهادية في غزة بقوة مع عودة عناصر من العراق, كما أن إسرائيل لعبت دورا في تعويم التنظيمات الدينية في القطاع لتجعلها أداة في مواجهة فتح لإضعافها وتقليل شوكة المفاوض الفلسطيني في مباحثات السلام, وجاءت حماس لتزيد من قوة التنظيمات المتطرفة ومنها جيش الإسلام. ** ما هو الدور الذي لعبه( دغمش) في تقديركم قبل اعتقاله علي يد حماس في غزة؟! * ممتاز دغمش بدأ حياته العملية عنصرا من عناصر جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية, ثم عمل فترة مع حماس, ثم انتقل بين عدد من التنظيمات الجهادية, وهو يمارس نشاطا أشبه بأنشطة المافيا الإرهابية, كما أن تنظيمات تكفيرية أخري استخدمته, التحق بألوية صلاح الدين, وتعاون مع حماس في فترة من الفترات حتي وقع الصدام بينهما عندما قتلت حماس11 من أقاربه في إطار الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس, وأصبح يمارس الإرهاب في إطار اعمال المقاومة. وما يؤكد ضلوع تنظيمه في استهداف كنيسة القديسين بالإسكندرية أن بيانا صدر عن تنظيم( جيش الإسلام الفلسطيني) منذ أكثر من سنة ونصف يدعو إلي ضرب الكنائس في غزة, وهو ما يدفعني إلي الإشارة والكلام لنائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط إلي حديث اللواء حبيب العادلي حول ضرورة ضبط الأنفاق السرية واتخاذ أقصي الإجراءات الأمنية حرصا علي الأمن القومي, وذلك بعد أن ثبت أن هذه الانفاق استخدمت كممر للعناصر الإرهابية وروجت لتداول قطع السلاح المهربة. ** الزي المعروف الذي ترتديه عناصر( جيش الإسلام الفلسطيني) هو الجلباب الباكستاني والطاقية السوداء, وتميزهم بلحاهم الطويلة.. إلام يشير هذا, وعلي أي فكر يدل؟! * هو يشير إلي فكر يريد أن ينتمي إلي القاعدة حتي لو كان تنظيم القاعدة نفسه غير موجود, وهذا هو الزي والمظهر الطبيعي للمجاهدين في تنظيم القاعدة الذي يتمثله أعضاء جيش الإسلام, ناهينا عن العمليات التي نفذها, فتنظيم جيش الإسلام اختطف صحفيا بالإذاعة البريطانيةBBC يدعي ألآن جونسون, وطالب للإفراج عنه بإطلاق سراح أبو محمد المقدسي من السجون الأردنية وهو يعد الأب الروحي لأبو مصعب الزرقاوي, كما طالب بإطلاق سراح( أبوقتادة) المرشد الروحي لمسلمي أوروبا من السجون البريطانية. ** من مباديء التنظيم تطبيق شرع الله ولو بالقوة.. أين هذا الشرع في استهداف مؤمنين آمنين علي انفسهم في كنيستهم ويوم عيدهم؟! * لا تقتصر معاداة( جيش الإسلام الفلسطيني) وغيره من التنظيمات المتطرفة علي معاداة الدين المسيحي, ولكن روافد تنظيمات القاعدة المنتشرة في العراق واليمن وغزة وغيرها من البلدان تحاول إثارة الفتن والتوترات بين المذاهب الإسلامية( السنة والشيعة) وبين المسلمين والأقباط, لكي تحدث دويا إعلاميا كبيرا لعملياتها, وليس بعيدا تورط تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في تدمير فندقين بالأردن. كما أن من أهداف تنظيم( جيش الإسلام الفلسطيني) ضرب مقاهي الانترنت وأسواق الكاسيت والاعتداء علي المتبرجات لعدم التزام كل هؤلاء بصحيح الدين, وهو يتخذ من أسامة بن لادن زعيما روحيا له, وهو من هذا المنطلق يعد شظية من شظايا تنظيم القاعدة وليس جزءا أصيلا فيها. وأتوقع من حماس أن تنفي مسئولية جيش الإسلام الفلسطيني عن ارتكاب حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية حتي لا يضار العابرون من وإلي قطاع غزة عبر المعابر المصرية من تشديد إجراءات الأمن علي المعابر وكشف المزيد من الأنفاق السرية التي ثبتت خطورتها الشديدة علي الأمن القومي المصري, لأنها بمثابة منافذ لتهريب الأسلحة والإرهابيين وأيضا هروب بعض العناصر المتطرفة من خلالها إلي القطاع. ** وهل يخطط هذا التنظيم وينفذ عملياته من منطلق قوته؟. * أن تنظيما بهذا الضعف( جيش الإسلام الفلسطيني) يشكل خطورة علي الأمن القومي المصري وتحديا لأجهزة الأمن.. لا من منطلق قوته وقدرته علي ارتكاب العمليات الإرهابية, بل من منطلق كونه يمارس ما يمكن أن نسميه إرهابا عشوائيا, لا يوجد تنظيم هيكلي يضم خلايا ومجموعات مترابطة, ولكنه يوظف عناصر خارجية لمهام محددة وتنتهي, مثل العائدين من العراق أو باكستان أو أفغانستان.. بتعبير آخر يقوم بدور مقاول عمليات إرهابية وهو ما يمثل تحديا كبيرا لأجهزة الأمن.