كثيرا ما يقوم بعض كتاب السيناريو باستعارة افكار أفلامهم من الأحداث العامة في المجتمع وذلك من خلال الأخبار المنشورة في الصحف أو برامج التوك شو وصفحات الحوادث علي وجه التحديد ربما تعد الأكثر شهرة في عالم الاقتباس لدي كتاب ومؤلفي الدراما. إن الخبر المنشور في تلك الصفحات من المؤكد أنه يحمل بين طياته قصة انسانية تصلح لأن تكون مادة خصبة لموضوع فيلم, غير أن الخبر أو القضية لا تصنع بالضرورة فيلما جيدا أو متميزا. فيلم678 هو واحد من تلك الأفلام التي ارتكزت علي ظاهرة شديدة الأهمية والخطورة وهي ظاهرة التحرش الجنسي في مصر ويبدو ان كاتب السيناريو محمد دياب وهو يقوم بأول تجربة إخراجية له سعي لأن يقدم للمشاهد المصري والعربي تلك القضية التي بدأت في التصاعد في السنوات العشر الماضية بشكل ملاحظ غير ان السنتين الماضيتين انتقلت تلك القضية من مجرد مقالات في الصحف ودردشات بين المواطنين إلي مراكز الدراسات الاجتماعية والمرأة وتحديدا من الممكن أن نكتشف ان ذروة الاهتمام بتلك الظاهرة تفجرت بعد ان قامت فتاة تدعي نهي رشدي بمقاضاة سائق سيارة نقل قام بالتحرش بها في الشارع ونجحت نهي في ان تحصل علي حكم قضائي يقضي بحبس الشاب لمدة ثلاث سنوات في أول قضية تحرش في القضاء المصري. مما لا شك فيه أن مناقشة المشاكل الاجتماعية في مصر لها بريقها وجاذبيتها, غير أن مناقشة عمل فني شئ لا يجب أن يخفي علي الذهن إننا أمام شاب له عدة تجارب في مجال كتابة السيناريو منذ ثلاث سنوات وهو محمد دياب فهو الذي قام بتأليف فيلم الجزيرة للمخرج شريف عرفة عام2007 وهو مأخوذ من قصة تاجر المخدرات الشهير في عام2004 عزت حنفي في قرية النخيلة بمحافظة أسيوط وهي القضية التي كانت مانشتات للصحف طيلة عام2004 وبشكل أقل في العامين التاليين حتي إعدامه في2006 دياب أراد في تجاربه الأخري ان يسلك طريقا اكثر سهولة من الناحية المهنية في الكتابة وهو استعارة بعض من الأفلام الأجنبية وتمصيرها قدر المستطاع مثل فيلم أحلام حقيقية من إخراج محمد جمعة, والذي ظهر مثل العديد من افلام الصف الثاني أو الثالث من أفلام الإثارة والرعب في هوليوود والتي في العادة ما ترتكز علي تقنيات التصوير والمؤثرات وتبتعد عن الدقة في البناء الدرامي والحبكة. البناء في سيناريو فيلم678 استند علي ذات التقنية التي استخدمت في العديد من الأفلام الأمريكية في السابق مثل فيلم ماجنوليا والذي حصل به بول كريستيان اندرسون علي الدب الذهبي في مهرجان برلين عام2000 ايضا فيلم ترافيك للمخرج ستيفن سودربرج والذي حصد عدد من جوائز الأوسكار في عام2000 منها أحسن إخراج ومونتاج وأحسن ممثل مساعد وأحسن سيناريو. وهذه الطريقة هي الانتقال بين العديد من الخطوط الدرامية وإرجاء ربط هذه الخطوط إلي ما يقترب من نهاية الفيلم كما في مجنوليا أو إلي منتصف الفيلم كما في ترافيك. استطاع دياب أن يقتبس تلك التقنية في السرد من الأفلام الأمريكية الشهيرة تلك غير ان بنية السرد ارتبكت في العديد من المشاهد التالية عندما قرر ان تترابط تلك الخطوط من خلال مشهد واحد, وهو مشهد نزول فايزة( بشري) من الاتوبيس في وقت كان فيه الطبيب شريف( أحمد الفيشاوي) بسيارته امام الأتوبيس هذا المشهد يكون هو عنصر التقاء العديد من تلك الخطوط الدرامية في طريقة للربط تتشابه تماما مع بعض من افلام الحركة الأمريكية مثل فيلمVantageDoint الذي أخرجه بيت ترافيس في عام2007 وكان الفيلم تدور خطوطه الدرامية المتنوعة لتتقاطع عند مشهد واحد هو المشهد المحوري في الفيلم وهو محاولة اغتيال الرئيس الامريكي في اسبانيا, وهذا المشهد بلا شك اختيار موفق من السيناريست الأمريكي غير ان مشهد التقاء الخطوط في فيلم678 لم يكن له أي أهمية درامية علي الاطلاق. بلا شك تقنية البناء في السيناريو هي تقنية لم تعد مبتكرة في السينما المصرية فقد سبقتها العديد من التجارب المتنوعة مثل فيلمي كباريه والفرح للسيناريست أحمد عبدالله والمخرج سامح عبدالعزيز ايضا سنجد ذات التقنية في فيلم واحد صفر للسيناريست مريم نعوم والمخرجة كاملة ابو ذكري وأيضا في فليم هليوبوليس للمخرج أحمد عبدالله. خطوط الفيلم الدرامية ترتكز علي ثلاث فتيات يتعرضن للتحرش الجنسي الأولي هي فايزة التي تعمل في الشهر العقاري ومتزوجة من عادل( باسم سمرة) وهو يعمل في وظيفتين صباحا ومساء ولديهما طفلان, فايزة تتعرض للتحرش الجنسي في الاتوبيس بشكل شبه يومي تقريبا ويسعي السيناريو لأن يؤكد أن تلك الحالة هي التي تنفرها من زوجها أما الفتاة الثانية فهي صبا( نيللي كريم) وهي متزوجة من الدكتور شريف( أحمد الفيشاوي). تواجه صبا التحرش أثناء احدي مباريات كأس الأمم الافريقية الأمر الذي اصاب زوجها بالنفور منها بعد ذلك بشكل كبير وكأنها هي المذنبة تقاوم صبا ما حدث لها بأن تقوم بعمل ندوات لتوعية النساء من التحرش الجنسي أما الفتاة الثالثة فكانت قصتها منقولة نقلا من قصة نهي رشدي الشهيرة بتفاصيل عملية التحرش والاستهتار الذي قام به رجل الشرطة في تسجيل المحضر, وهي تفاصيل ذكرتها نهي في أحاديثها الصحفية وربما يكون مشهد التحرش في الفيلم هو الشئ الوحيد الذي قام دياب باتقانه من الناحية الاخراجية. يغير السيناريست في هذا الخط الدرامي من اسم نهي ليصبح نيللي رشدي مبقيا علي اللقب ليؤكد واقعية الخط الدرامي خاصة أنه يستعير تفصيلة ان تلك هي أول قضية للتحرش في المحاكم المصرية. لكن السؤال لماذا لم يستعر السيناريست حياة نهي بتفاصيلها بدلا من أن يغفلها بعلاقتها يخطيبها وهوايتهما معا فالهواية هيStandupComedy وللأسف بدت تلك الهواية التي يمارسها الخطيبان من أسخف التفاصيل في الفيلم ككل فالمواقف التي كانوا يقولونها للجمهور علي المسرح لم تكن مضحكة علي الأطلاق. يحدث تحول عنيف في الفيلم من مجرد انه فيلم اجتماعي يناقش ظاهرة إلي أن يصبح فيلما بوليسيا يقترب في بعض مشاهده من مسلسلاتCSl الشهيرة عندما كان يسعي رجل المباحث عصام( ماجد الكدواني) لكشف غموض اصابة رجلين في اتوبيسين لهيئة النقل العام ويبدو ان الاقتراب من السينما البوليسية كان رغبة في حد ذاته لدي كاتب السيناريو والمخرج إذ ان تلك المشاهد كان الأكثر ضعفا من ناحية المنطق والحبكة. ففي مشهد ليلي نجد ضابط الشرطة عصام ومساعده يذهبان لمعاينة أتوبيسات هيئة النقل العام ونحن نعلم أن الهيئة تمتلك مئات السيارات. عصام ينظر داخلها ليكتشف نقطة الدماء التي علي الأرض بعد يوم كامل من حدوث الجريمة وسير عشرات الأشخاص فوق هذه النقطة وما قيمة تلك التفصيلة غير المنطقية في عملية التحقيق. ليس هذا فقط بل بعد عدة أيام يكتشف محقق الشرطة أن مرتكبة الجرائم محجبة لأنه وجد دبوسا ملقي في حارة مكان حدوث أول مواجهة والسؤال الذي يتبادر للذهن كيف وجد الدبوس في طريق غير ممهد بعد الجريمة بعدة أيام؟ ثم ما الذي يفيد إذا علم المحقق أن مرتكبة الجريمة محجبة؟ إن ما يقرب من90% من النساء في الأماكن الشعبية في مصر محجبات. هل مجرد معرفة أنها محجبة يقرب دائرة الاشتباه. ضعف الدراما في الفيلم لم يكن الشيء الوحيد إذ أن التمثيل علي جانب آخر كان عنصرا شارك في ضعف الفيلم بشكل كبير, والمتأمل في الفيلم لا يستطيع أن يستثني أحدا من المشاركين في العمل من كثرة الصراخ وبشكل أكبر البطلات الثلاث بشري ونيللي كريم وناهد السباعي. ومما لاشك فيه التعبير بالصراخ في مشاهد الفيلم ليس مشكلة الممثلين علي وجه الخصوص بل أنها تعد في الأساس مشكلة المخرج الذي لا يستطيع أن يقوم انفعالات الممثل وهو العين الخارجية للأداء. إن احدي وظائف المخرج الأساسية هي توجيه الممثل في أدائه. ويبقي هناك سؤال وهو ما الذي يدفع المخرج بأن يتجاوز عن أداء الممثلين بهذا الشكل؟ إما أن يكون تركيز المخرج لقلة خبرته علي أدوات الأخراج المتنوعة وبالتالي يغفل الأداة الأهم وهي توجيه الممثل, وهذه جريمة في حق المخرج. أو أنه يتصور أن الصراخ هو قمة الانفعال في المشهد وبالتالي يكون جرم دياب في الحالة أكبر, فالانفعال بخصوص قضية شديدة الأهمية مثل التحرش الجنسي لايبرر الصراخ في العديد من المشاهد, ومن الممكن التعبير عن حالات الانفعال الشديد بالعديد من الوسائل الفنية بعيدا عن الطريقة الركيكة في الانفعال. إن الفيلم يبدو من عنوانه ولم أعرف حتي الآن لماذا اختار صانع الفليم رقم الاتوبيس678 وما أهمية هذا الرقم ليكون اسم الفيلم إلا إذا كان بهدف أن يوضح أن هناك تصاعدا في الرقم ليصل إلي ماذا؟ عشرة أو ربما نحو الانفجار. إن عنوان الفيلم مرتبك تماما كما هو الفيلم ذاته يريد أن يقول شيئا للجمهور ولكنه يفتقد الدقة في ذكر هذا الشيء. إن الفيلم هو كتلة متكاملة تصبح فيها الفكرة مجرد طابق واحد في بناء ضخم. لاشك أن البناء لايستقيم بدون هذا الطابق, ولكنه أيضا لايتوقف علي طابق واحد. ولا يبدو بالنسبة لي أن فيلم678 قد خرج عن كونه إرادة عميقة من صانعه محمد دياب لأن يقدم شيئا مفيدا, غير أن الفيلم أصبح في النهاية مجرد شيء ولم يتحول إلي أن يصبح عملا سينمائيا متكاملا نستطيع أن نتوقف عند كل صغيرة وكبيرة فيه بالتأمل والتفكير, إننا أمام مجرد هتاف ضد التحرش وليس أمام عمل فني علي الاطلاق. ويبدو أن هذه النوعية من الأفلام كثيرا ما تجد بعضا من النقاد السينمائيين الراغبين في الكتابة عن القضية بشكل أكبر من رغبتهم في الكتابة عن قيمة العمل الفنية. إنهم في الواقع لا يعبأون كثيرا بالطوابق الأخري التي يتكون منها العمل السينمائي ككل.