الناقد حين يتصدي لعدد كبير من القصص القصيرة لمؤلف يتصور أنه سوف يستخلص ببساطة أسلوبه, تيمات الحكي والحس الدرامي وما يؤرقه كي ما يكتب عنه الواقع أن لكل كاتب خواص و مواقف يفصح عنها ويدافع أدوات تصقلها ثقافة ومستوي إطلاع وظروف فريدة تجعله يتأثر بالمواقف الحياتية المعاشة لا شك تدفعه نحو أكوان من الخيال في حدائق الكلمات وأشجار العلامات وفاكهة الأفكار, والأسلوب السردي عالم له مفاتيح, مفاتن ومباهج وتطورات محمد علي القاص مطالب أن يكون حين يكتب إنتاجه الفكري والعاطفي ويخلق دراما متعته الاحترافية كأديب. غير أن ذلك الدكتور المتخصص في علم نفس الرياضيين{ مهنته} فالآليات الإقناعية متقابلة وأحيانا متعارضة حتي لو كان واقع الحياة فارضا موضوعاته ومؤثرا علي طريقه تناول النماذج البشرية فجوهر العملية الإبداعية تدور رحاها بين مهام الأديب ومكانه كعنصر فاعل في المجتمع بدأ بجيله ومن يشاطره لحظات العمر. إن الناقد يتصور وقد يكون محقا في تصوراته ولكنها دائما نصف حقيقة; وقد شبع هذا, اللاوعي الخاص به ككاتب وقاص متميز بتلك القدرات علي رسم النماذج البشرية والعيار الدقيق الذي يضعه في السرد والحوادث وتبادل الحوار حتي يتبين لك مكنونات الشخصية بل وقدراتها علي الفعل مثال ذلك( خزانة مهرج و الأسكندر يبكي) ثم هو يلجأ إلي دلالات ورموز من حياتنا مثل تلك القصة التي نشرت له في الأهرام المسائي( أمل) يوم3 أغسطس2014. وكانت سببا في لفت الأنظار بإبداعاته الفكرية والقصصية لما يمثله من جيل الشباب/ الكهول( عناق بطاقة تعريف) يمتلك محمد علي عبد العزيز اداركا قويا باللغة والمنهج واستخدام الأدوات الفنية وحبكة الصياغة للجمل الطويلة والقصيرة علي السواء بما يخدم فكرة القص لديه, وليس من الضروري عنده أن تكون الفكرة براقة أو عجائبية مثل نهج عدد من كتاب جيله( الذين يتفننون في حشر تلك البهارات في كل طبخة قصة) بل المهم عنده أن بمنطق القصة ويعطيها القدرة علي وزن ذاتها امام فكر ووجدان القارئ وهو بذلك( بمنطق الخيال), ويعطيك سعادة القراءة والإعجاب بقصته باذلا مجهودا في السرد فلا يكرهك علي إتمام ما بدأت بل يجتذبك إلي ترديد مقاطعها خذ مثال ذلك( الأسكندر يبكي) اذكر أن الدموع طفرت من عيني, وأنا أتابع قراءتها وحتي مع رنة الألم تلك المأساوية أحببت ذلك وتفاعلت معها. علي كل حال هناك شكل ثوري في( قصة: يوميات حبل غسيل) وهو اسم المجموعة والتي بلا شك اختيار موفق كعنوان للمجموعة, لفكرة القصة التي مع بساطتها هناك أصالتها ومنهجها الذي يبرهن علي مرونة محمد علي الكاتب وتطوراته من القص التقليدي إلي استحداث الشكل الفني الملائم لطابع تجاربه القصصية ولن أطيل في هذه العجالة النقدية خشية إفساد المتعة وتفويتها علي القارئ. ومن حسن الحظ أن الأمثلة الدالة علي الحدث الدرامي الرئيسي في أدب القصة عند الكاتب عميق وواضح يلوح كما الطائر الطليق الذي يسرع مخافة فوات الفرصة وضياع الطريق وقد يستحسن هذا المقياس أو لا لكنه يصنع إيقاعا لا نغمطه حقه من الاستحسان النقدي الفني, طالما أن البنيان وشكله العام خالي من سذاجات وحسرات, فما علينا أن قرأ أحدهم فسهت عليه كلمة فحسب أن النهاية جاءت سريعة يارجل ارجع إلي النص ستجد أن الحل في جمله وكلمة قالها المؤلف يغازل بها ذكاءك وانتباهك ولسوف تكتشف ماذا يعني كاتب لبق يحسن استخدام عبارات الكلام, إن ذلك ميزة من يملك أدوات الكتابة الجيدة( عليه العوض, قلب بين جدران),{ الشرنقة والفيس المرعب} ثم هو يخدم الغموض والجو السيكولوجي في عالم الكاتب تلك المرحلة النفسية الغرضية والتي من أهم موضوعاتها الغرائز حيث يحقق الإفراد إغراضهم بانتهاج سلوك معين تتضح في ذهن الكائن الانساني, إدراك الشيء المثير, النشاط الانفعالي ومن خلال قصه كالفيس المرعب; الشرنقة نحن علي موعد مع أثنين من الغرائز أولها غريزة بيولوجية حيوية تأتي في تضاعيف القص والثانية غريزة الهرب من كل شئ تقريبا وهو لشخص عجز عن مواجهه أولاده فاختار الابتعاد عنهم إلي الشارع وتغريب نفسه بين الناس, وقد يفتح هذا عدة تساؤلات; مما يخاف الهارب المصير ربما الصدمة ربما انه بالقصة بهذه يفتح بابا واسعا للتأويلات; فكرة الملك لير لشكسبير لكن الكاتب رواها بتمكن وعناية في صفحتين ملمسا علي قضيته الاجتماعية في العصر الحديث المادي جاعلا عصب الحياة( المال) محركا وليس الحكم ولا السلطة; الذكاء هنا في أنك استحالة ألا تنسبها لعصرنا الحديث وما تراه والذكاء أيضا أنه نشرها وكتبها قبل أن يأتي احد الصحفيين في جريدة قومية لينشر من واقع الحياة والناس لقطة لرجل مسن يتقن الانجليزية يقف يستجدي المارة والسيارات. وشتان بين حرفية الكاتب الدكتور محمد علي الأديب الأريب, وبين الصحفي الذي ينشر في عجالة خبرا مدعما بصورة متعجبا من الظاهرة ليس متأملا ولا مركزا علي الجوانب الاجتماعية ولا ناقدا لشكل المجتمع في القرن الحادي والعشرين وها أنت عزيزي القارئ تخدم معرفتك وتنميها في موضوع يفتح لعالمك أفقا له قيمته المعرفية والأدبية في علم النفس تلك التي يلزمنا فهم شئ من إبعادها وقد يصنع الكاتب من ذلك الفكر موضوعات, يتناولها في بساطة ومهارة تحسب له وتضعه في مكان متقدم من كتاب القصة الموهوبين بالفطرة قبل العلم.