ثريا عبد البديع إحدي المبدعات المتميزات في مجال الكتابة للطفل، نشرت أكثر من خمسين كتاباً من أكثر من دار من دور النشر في أكثر من سلسلة من سلاسل إبداعاتها مثل: (حكايات صبيان وبنات، وأجمل حكايات الحيوان وأنا كبرت) لمن هم علي مشارف المراهقة. أما آخر مجموعاتها فهي تحت عنوان "أجمل حكايات الميدان" استوحتها من ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 بعد أن عايشت أحداث ميدان التحرير بالقاهرة محور تجمع من أشعلوا ثالث الثورات الكبري في مصر في العصر الحديث بعد ثورتي 1919، 1952 مستخدمين التسمية الشائعة بغض النظر عن الخلاف حول مدي دقتها طبقاً لرؤية من يؤرخ لكل منها. وإذا كانت ثورة 1919 إلهاماً لفنون الغناء (سيد درويش) والنحت (مختار) والرواية (عودة الروح لتوفيق الحكيم) والقصة القصيرة (شحاتة وعيسي عبيد، والمدرسة الحديثة: أحمد خيري سعيد...). وإذا كانت حركة الجيش عام 1952 حافزا للتطور القصصي والروائي (المرحلة الروائية الثالثة لنجيب محفوظ التي بدأها بأولاد حارتنا فاللص والكلاب والسمان والخريف) والاتجاه التعبيري في القصة القصيرة التي بدت إرهاصاتها في مجموعتي القصصية الأولي "العشاق الخمسة" 1954، ثم إدوار الخراط في مجموعته الأولي أيضاً عام 1959 "حيطان عالية"، وفتحي غانم "سور حديد مدبب" وبدر الديب حرف "ال ح" وصولا إلي قصص محمد حافظ رجب في الستينات من القرن الماضي . فإن ثورة 25 يناير 2011 لم تبرز بعد معالم ما أوحت به للمبدعين في مختلف الأشكال الإبداعية، وإن كانت هناك محاولات علي استحياء في الشعر والزجل وربما القصة القصيرة. لكن كاتبة قصص الأطفال ثريا عبد البديع أبدعت مجموعة قصصية بعنوان "أجمل حكايات الميدان" منها ما أتيح لي الاطلاع عليه وهي: غزل البنات، هنا شمس فرحانة، الأميرة حرية، العم دستور، أهم بنت في الميدان، لماذا يا جمل وأين جدتي. خبرة إبداعية وواضح في القصص أثر الخبرة الإبداعية في مجال الكتابة للطفل من حيث اختيار الموضوع القصصي، ثم تقديمه بأسلوب له سماته الخاصة في مجال الكتابة للطفل يقترب من قدراته علي التلقي، ويدرك ما يعبّر عنه وما يوجه إليه من ناحية ويجذبه إليه من ناحية أخري، يتخلل ذلك توجيهه عن طريق انتقاء الشخصيات وعلاقاتهم ببعضهم البعض، بل باختيار أسمائهم بحيث يصبح "الكل في واحد" بغض النظر عن الاختلافات في الجنس أو العقيدة أو الطبقة الاجتماعية.. إلخ، وذلك عن طريق الحدث وليس عن طريق الخطابة والوعظ، مما يقدم عنصراً جاذباً للطفل ليقرأ بل ويتفاعل مع ما يقرأ مشاركاً في صياغة شخصيته كعنصر إيجابي في مجتمعه. فهو فن هادف يتفق وإحدي خصائص الكتابة القصصية للطفل مما يميزه عما ىُكتب من قصص وروايات لعالم الكبار والذي لا شأن له بهذا العنصر الذي يميز أدب الكتابة القصصية للطفل، ودلالة نضجه ونجاحه. وواضح أن مبدعتنا اتخذت ميدان التحرير بالقاهرة عام 2011 لتقدم لنا من خلاله رؤية أبطال قصصها للصغار، وتفاعلهم مع عالم الكبار: آباؤهم، جداتهم، ثوار الميدان، الباعة والمخربون ... تلك هي ميزة قصص هذه المجموعة، فهي تتكامل معاً لتقدم لقارئها في النهاية بانوراما ثورة التحرير من خلال عالم الصغار: أولادا وإناثاً، مسلمين ومسيحيين، في أكثر من مرحلة من مراحل الطفولة، يتحقق ذلك من خلال أسلوب واضح بسيط. كما يتحقق في القصة عنصر من أهم عناصر هذا النوع من القصص - حيث الأطفال أبطالها وهم قراؤها - حيث تثير ألفاظها وعباراتها الصور البصرية والأشياء الملموسة المتحركة مقتربين من مستوي إدراك الطفل بتجسيم المجردات، مثل "الدستور" في قصة "العم دستور" التي تنتهي باتفاق ما رآه الطفل عبد الله في حلمه مع المجلد الكبير الذي أهداه "العم دستور" لصديقه بشوي . كذلك الأمر مع "حرية" حيث يتطلع الأطفال إلي رسمها في قصة "هنا شمس فرحانة"، فتخبرهم الجدة أن الحرية هي الفرح، وأن نرسم كل هذه الرسوم ونحن فرحانون فتظهر الأشياء فرحانة مثلنا . وتلحّ فكرة الحرية علي مبدعتنا ثريا وتحرص علي تجسيم هذا المعني المجرد وتقريبه إلي إدراك الصغار، فتقدّمه "دراميا" في قصة أخري بعنوان منحتها فيه لقبا له سحره في العالم القصصي للطفل وهو "الأميرة حرية" التي تتجسد في الفتاة القوية الجميلة التي حبسها الحاكم الظالم في الكهف المهجور، وصمم الثوار أن يخلصوها من سجنها حتي انتصروا وخلصوا الفتاة الشجاعة. وتنتهي قصتنا وبطلتها الطفلة يارا تشاهد علي السحاب الأميرة الجميلة "حرية" تبتسم وترسل لها قبلات وأزهارا . أما قصة "أهم بنت في الميدان" فهي قصة تطوير الميدان لبطلتها، فزينة كان - لصغر سنّها - صوتها ضئيلا وجسمها صغيراً وسط الكبار، مما حفزها إلي رغبتها في عمل شيء تحكيه للأصحاب والأقارب، فطلبت من أبيها أن يحملها لتهتف بالحرية، "سمعها كل مَن حولها، ورددوها وراءها" وتُختتم القصة بهذا التطور المهم في حياة طفلتنا "زينة". فمشاركتها في الثورة أضاف إلي عمرها، وطوّرها من مرحلة الطفولة إلي مرحلة تالية بحيث "لم يعرفها أصحابها في الروضة، وأنها غداً ستمشّط شعرها، وتحمل حقيبتها بنفسها، وتلّون رسومها، وترتب سريرها". وهكذا حدث تبادل ثوري بين الجماعة وأفرادها بدءا من أطفالها، بحيث أنها لعبت دورا في المشاركة في تنميتهم من خلال مشاركتهم في تفجيرها. ومن "غزل البنات" غزلت لنا ثريا عبد البديع قصة جميلة ذات مغزي مزدوج للطفل: ألا يأكل حلوي قبل النوم دون أن تشرح ثريا لقارئها الصغير السبب وراء ذلك. أما المغزي الآخر فقد اتضح عندما اكتشفت الطفلة نوران - بطلة القصة - في الصباح أن حلوي غزل البنات الكبيرة تحولت إلي كرة صغيرة، وفسرت الجدة لصغيرتها - ولنا - أن الشعيرات الهشة التي انتفخت بالهواء ما لبثت أن عادت إلي حجمها الطبيعي، تماما مثل الإنسان المغرور: يبدو شجاعاً لكن بعد حين تظهر حقيقته. هكذا تقدم ثريا عبد البديع درسيها: الصحي والأخلاقي لقارئها الصغير عن طريقي: اهتماماته، وعالمه الحسي . أما قصة "أين جدتي" فهي تعتمد علي ما يعرف في القصة القصيرة بعنصر "التوتر" إذ يظن بطلنا الطفل عبد الرحمن أن وراء غياب جدته ثلاثة أيام في ميدان التحرير إصابتها بمكروه طبقاً لما شاهده في التليفزيون من مناظر مرعبة "أشرار ركبوا جمالاً وأحصنة وجاءوا لضرب الثوار" لكنه عندما دخل الميدان مع والده رآها تقوم بدورها الطبيعي: إسعاف المصابين ومنهم صديقه ميلاد. وعرف أن أباه يتردد علي الميدان يومياً دون أن يخبر ابنه، لماذا ؟ حتي أن عبد الرحمن يحلم عندما يكبر أن يكرر العمل الإيجابي الذي تقوم به الجدة من ناحية، ولن يخبر أبناءه مثلما فعل أبوه معه، ويتساءل القارئ ما الدافع إلي هذا التصرف السلبي !! . توفيق وقد وُفقت الكاتبة في اختيار عناوين قصصها، وتوظيف أسماء وأبطال قصصها، كما تتسم القصص بالجمل الحوارية بين عالمي الصغار والكبار وصولاً إلي ما تهدف إليه القصة من إبلاغ رسالتها الإيجابية إلي قارئها، مثال ذلك في قصة "لماذا يا جمل" حيث حكم الأطفال من خلال ما فوجئوا به في الميدان من جمال وأحصنة يحمل ركّابها الأخشاب ويضربون الثوار بأنها حيوانات شريرة، لكن الجدة تشرح لهم أن الجمال لا تفرق بين الطيب والخبيث بل تطيع راكبها، وهذا هو الفرق بين الحيوان والإنسان الذي يجب أن يفكر قبل أن يتصرف . وواضح أن لغة القصص تقترب من المستوي اللغوي أو المحصول اللغوي لأطفالنا، حيث تتميز بالبساطة واستخدام بعض الألفاظ في السرد التي تقترب من عاميتنا المصرية مثل: شمس فرحانة، فرحان، عملوا حلقة: و"زينة" في قصة "أهم بنت في الميدان" تقول: أفهم كل شيء وعارفة إن الناس الطيبين انتصروا، قالوا إنها بنت شجاعة وقوية ولما تكبر ستكون أميرة أو وزيرة، جاءت إلي رأسها أفكار. وفي قصة "أين جدتي" نقرأ: قالوا إنها بنت شجاعة وقوية ولما تكبر ستكون أميرة أو وزيره. فالهدف مزدوج بهذا التطعيم اللغوي: تقديم بُعد من أبعاد الطفولة عن طريق استخدام ألفاظ المستوي اللغوي لهذه المرحلة، وتطعيم الأسلوب مما يقربه من مستوي إدراك قارئه الصغير. فاللغة هنا تتواضع - إذا صح التعبير - لتعود إلي مرحلة من مراحل طفولتها فيلتحم الأسلوب بالموضوع . لقد أثبتت القاصة ثريا عبد البديع بمجموعتها القصصية الجديدة للأطفال، أن قصة الطفل - مثل الشعر وربما القصة القصيرة - يمكن أن تتفاعل مع الأحداث الآنية، وليست كالرواية التي تتطلب وقتا حتي يستوعب الروائي تطور الأحداث في الزمن الأطول وليس ما يحدث آنيا مما يمكن أن تلتقطه عين الشاعر أو كاتب قصة الأطفال . تحيتنا لذلك الاستلهام الموفق لهذا الحدث التاريخي - ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 - في أكثر من عمل أدبي لصغارنا تؤرخ له كاتبتنا إبداعياً لتحقيق أكثر من هدف: الاحتفاظ بالذاكرة التاريخية - إبداعا - لثورة 25 يناير 2011 لأجيال أطفالنا المعاصرة والمقبلة، وتقديم الجانب الإيجابي لهذه الثورة مما يساعد في تنشئة مواطنين يعملون علي تطوير مصر إلي ما هو أفضل.