خلال السنوات الأربع الماضية شهدت العلاقات المصرية- الأمريكية العديد من المتغيرات التي تأثرت بها الاتجاهات المحددة للعلاقات التي كانت توصف لعقود طويلة ب الإستراتيجية, وتميزت تلك الفترة بمشاهد الصعود والهبوط دون الوصول إلي مرحلة الصدام أو الخلافات العميقة, لاسيما فيما يتعلق بالملفات الخاصة بالوضع في الشرق الأوسط, لأن لكل من مصر والولاياتالمتحدة مصالح لدي الطرف الآخر, والقدرة علي التأثير المباشر في قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي. الدوائر السياسية في أمريكا, منشغلة في الوقت الحالي بالدعوة لإعادة ترسيخ العلاقات الإستراتيجية مع مصر خاصة مع قرب إجراء الحوار الاستراتيجي بين البلدين الذي سيسهم في إعادة العلاقات الي مسارها الصحيح. وإذا كان مثل هذا الحوار هدفه الخروج من حالة التوتر الراهن في العلاقات المصرية الأمريكية, إلا أن الأهم هو بناء أساس مبدئي للحوار, يضم بالتفصيل جميع جوانب العلاقة عبر السنوات الماضية, وما شملته من إيجابيات, وما شابها من سلبيات, وطرح رؤية كل طرف لمستقبلها. الحوار الاستراتيجي بين مصر والولاياتالمتحدة ليس مسألة جديدة, حيث بدأ في عام1998 في واشنطن, وكان يمثل مصر وزير خارجيتها عمرو موسي, ويمثل الولاياتالمتحدة وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت, واتفق الجانبان علي أن يتحول الحوار إلي عمل مؤسسي مستمر, تتابع فيه جلسات للحوار بين المسئولين في البلدين, وكان التصور الذي طرح من الجلسة الأولي في واشنطن, أن تكون العلاقة أوسع مدي من حدود العلاقة الثنائية, بحيث تتناول تعاونا أشمل, يمتد إلي المنطقة العربية, وإفريقيا, والعالم الإسلامي, في القضايا التي تمثل مصالح مشتركة للطرفين علي السواء, وأن يتم تحديد نقاط الخلاف السياسية, حتي لا تؤثر في نقاط الاتفاق, باعتبار أن لكل منهما ظروفها, وانتماءاتها, وعلاقاتها, ومصالحها. الدراسة الصادرة مؤخرا عن مركز التقدم الأمريكي والتي تتحدث عن مرتكزات جديدة في العلاقات المصرية الأمريكية حددت ثلاثة محاور أساسية يجب البناء عليها فيما يتعلق باستشراف مستقبل العلاقات الإستراتيجية بين البلدين, أولها: التحديث الشامل لقطاع الأمن لمواجهة التحديات الجديدة, وفي هذا الشأن تري ضرورة مراجعة برنامج الدعم العسكري الأمريكي لمصر من خلال تزويدها بأنظمة تسليح جديدة قادرة علي مواجهة الجماعات الإرهابية التي تستخدم أسلحة متطورة, بالإضافة إلي مدها بنظم استخبارات ومراقبة واستطلاع قوية, وأنظمة مراقبة الحدود. المحور الثاني يتعلق بتوسيع وتنظيم الدعم الدولي متعدد الأطراف للإصلاح الاقتصادي في مصر, وهذا يتطلب من الحكومة المصرية السعي لأن تصبح محركا للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل الجديدة وجذب الاستثمار الخارجي, وهو ما سيتم من خلال ربطها بالاقتصاد العالمي, ولذلك يمكن أن ترتكز الشراكة المصرية- الأمريكية الجديدة علي التجارة والاستثمار وآليات ربط مصر بالعالم الخارجي في الشرق الأوسط وأوروبا والولاياتالمتحدة. ويعتمد المحور الثالث علي تأسيس حوار استراتيجي حول التعددية والإصلاح السياسي, بحيث تتم مناقشة كافة تلك القضايا بطريقة لا تؤدي إلي مزيد من الخلاف الدبلوماسي أو فقدان الثقة بين الحكومتين, مع تحديد واضح للمصالح الإستراتيجية لكل دولة. لاشك أن الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي يمثل ضرورة ملحة في الوقت الراهن لصياغة مستقبل هذه العلاقة, إلا أن الاستعداد لهذا الحوار لا يقل أهمية عن انعقاده, وعلينا قبل أن نذهب للحوار أن ننتهي من وضع إسترتيجية متكاملة للسياسة الخارجية, تكون عناصرها ومكوناتها وأهدافها واضحة, توفر لنا القدرة علي إعادة التوازن للعلاقة مع الولاياتالمتحدة. [email protected]