محمد العرابى أثناء حواره ل«هادية الشربينى» لستعاة مصر مكانتها الإقليمية والدولية تعني أننا نسير علي الطريق الصحيح وتحقيق هذا الإنجاز في فترة قصيرة لم يأت من فراغ، بل نتيجة طبيعية لترتيب الأوراق الداخلية، ومن هنا كان لابد من الانطلاق علي صعيد السياسة الخارجية، فزيارات القيادة السياسية لدول العالم الخارجي ليست مجرد زيارات تقليدية وإنما أصبحت ترتكز علي محاور استراتيجية تخدم مصالح الدولة المصرية وتصب في دعم الأمن القومي للبلاد، وخير مثال علي ذلك زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لكل من السعودية وروسيا مؤخراً. من هذا المنطلق دار الحوار مع محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق الذي تحدث ل"آخرساعة" حول رؤيته لانطلاق السياسة الخارجية المصرية مجدداً وتعاملها الدقيق مع الكثير من الملفات الساخنة في المنطقة الذي حرص علي التأكيد أن مصر مازالت تمر بمرحلة دقيقة وصعبة ما يستوجب توخي الحذر والدقة في التعامل مع المخاطر المحدقة بالوطن داخليا وخارجيا. إلي أي مدي تري أن مصر بدأت تستعيد مكانتها الدولية؟ - بالفعل بدأنا نستعيد الدولة المصرية ومكانتها وهذا شيء مهم في إدارة علاقاتنا الخارجية مع الدول الأخري فالدولة التي تعاني من الفوضي والانهيار لا يمكن أن يكون لها دور قوي علي صعيد السياسة الخارجية. فقد بدأت مصر بالفعل ترتيب أوراقها الداخلية ومن هنا كان الانطلاق علي صعيد السياسة الخارجية وهنا أود أن أشير إلي أن المنطقة لم تشهد من قبل مثل هذه التوترات فلأول مرة نجد جماعات متطرفة عابرة للحدود تدخل العراق وتهدد الأمن السوري وبعض المدن اللبنانية وتشكل مخاطر بالنسبة لدول أخري مثل الأردن والسعودية ونجد أمرا مماثلا في حدود مصر الغربية مع ليبيا وبالتالي يجب علينا أن ندرك أن الأمر لم ينته بعد ومازلنا في مرحلة صعبة وقد تتصاعد الأمور في الفترة المقبلة ولذا يجب توخي الحذر والدقة في التعامل مع قضايا الأمن الداخلي والخارجي علي حد سواء. - كيف تري أهمية الزيارة التي قام بها مؤخرا الرئيس السيسي للسعودية وروسيا؟ هاتان الزيارتان لا تدخلان في إطار الزيارات الثنائية التقليدية التي تهدف فقط للارتقاء بعلاقات التعاون المختلفة، وإنما تصب في إطار محاور استراتيجية هامة للدولة المصرية وتدفع بجهود الاستقرار في المنطقة، ومن المؤكد أن مصر والسعودية قطبان هامان في العالم العربي يتسمان بقدر من القوة والاستقرار وبالتالي هما مؤهلتان لدعم بناء استرتيجية عربية بفكر جديد لمواجهة قوي التطرف الموجود بالمنطقة وبالتالي فإن زيارة الرئيس السيسي للسعودية هي بداية لوضع أسس وملامح نظام عربي جديد تقوده الدولتان، بالإضافة إلي حرصهما علي تنمية علاقات التعاون الاقتصادي بينهما، ويأتي ذلك للترتيب للمؤتمر القادم الخاص بدعم الاقتصاد المصري ولكن بصفة رئيسية فإن القمة العربية السعودية الأخيرة هي بداية لموقف استراتيجي عربي يقوم به طرفان مؤهلان تماما لدفعه للأمام. وماذا عن زيارة روسيا؟ - هذه الزيارة تؤكد أيضا أن اقترابنا من روسيا خلال الفترة الماضية يدخل في نطاق ما يسمي بالمحور الاستراتيجي الهام للسياسة الخارجية المصرية ولم يكن مجرد أمر تكتيكي لتحفيز الولاياتالمتحدة، وبالتالي فإن دعم العلاقات المصرية الروسية هو نقطة ارتكاز أصيلة في الاستراتيجية المصرية خلال المرحلة القادمة ويصب في إطار بناء سياسة خارجية متوازنة في العلاقات مع أمريكاوروسيا والقوي المختلفة وهذا يضفي قدرا كبيرا من القدرة علي الحركة نحن في حاجة ماسة إليه خلال هذه الفترة حتي لا نقع فريسة لضغط من أي طرف خارجي. دور مصر بشأن غزة كان فاعلاً وحاز تقدير المجتمع الدولي.. ما تقييمك لمثل هذا التحرك الإيجابي للدبلوماسية المصرية؟ - نجحت السياسة الخارجية المصرية في الاختبار الخاص بالتعامل مع الأزمة في غزة وذلك في فترة قصيرة لم تتعد شهرين منذ تولي الرئيس السيسي حكم البلاد، بمعني أنه أولا كانت هناك محاولة أمريكية قطرية تركية بالإيحاء بأن مصر أصبحت خارج المعادلة الخاصة بالتدخل في القضية الفلسطينية، وثبت فشل هذا التصور، بسبب تصميم القيادة السياسية والدبلوماسية المصرية علي أهمية أن يكون هناك تدخل حاسم لوقف العدوان الإسرائيلي علي الشعب الفلسطيني في غزة. كما كانت هناك محاولات من أطراف أخري لإشاعة أن مصر فقدت تأثيرها ودورها بعد انتهاء حكم الإخوان نظراً لعلاقة الجماعة بحركة حماس، لكن مصر كانت الطرف الوحيد الذي مارس دورا إيجابيا للعمل علي احتواء هذه الأزمة. في ظل تصاعد الأوضاع توتراً في ليبيا ما رؤيتك للتعامل مع هذا الوضع؟ - نكن كل المحبة والتقدير للشعب الليبي والكل مدرك أن القبائل الليبية لها امتداد طبيعي في مصر وليس لدينا أي إحساس بالتهديد من الشعب الليبي، لكن ليبيا مؤخرا ظهرت كساحة تعاني من الفراغ الأمني وهذا بلاشك يشكل تهديداً مباشرا للأمن القومي المصري. والأمر الأكثر خطورة أنه لايوجد أي أفق لحل سياسي يمكن التنبؤ به بالنسبة للمرحلة القادمة، فنحن نتعامل مع مستنقع ولغز في نفس الوقت، ولا يستطيع أي سياسي وضع سيناريو يوصلنا لحل هذه المشكلة وهذه هي الصعوبات التي تواجه المخطط الاستراتيجي في مصر بالنسبة لليبيا، وهناك أيضا نحو مليون مواطن مصري علي أرض ليبيا وهؤلاء نبذل من أجلهم كل جهد للحفاظ علي أمنهم وبالتالي هذا يضيف قيدا علي تحركاتنا. أنظر للوضع في ليبيا بقلق شديد ولابد أن نتوخي الحذر داخليا وخارجيا لأن الفترة القادمة هناك نوع من التربص ومحاولات لتركيع مصر ولكن مصر تسير في الاتجاه السليم وليس لديها أي خيار آخر سوي التقدم. لكن ماذا بشأن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وهل تستمر تركيا علي النهج ذاته في تعاملها مع مصر بعد فوز أردوغان في انتخابات الرئاسة؟ - يبدو أن الولاياتالمتحدة مصرة علي أن تكون سياساتها في منطقة الشرق الأوسط مرتبكة ولا تستند إلي معرفة واقعية بحقائق الأمور علي الأرض. أما فيما يتعلق بتركيا بعد فوز أردوغان في انتخابات الرئاسة فأعتقد أنه سيمضي في مخططاته وقد يكون أكثر شراسة فهو يسعي إلي إجراء تعديلات دستورية تزيد من سلطاته كرئيس للبلاد وتعزيز منصب الرئيس وسوف يظل في طريقه لاستهداف مصر. وفي هذا الصدد أشيد بموقف مصر والقيادة السياسية من تصرفات أردوغان فالرئيس السيسي لم يتفوه بكلمة سلبية أو إيجابية عن أردوغان وهذا أمر هام فإهماله أهم من الدخول في معارك كلامية معه ولكن هذا لا يعني أن مصر لا ترصد ما يحاك ضدها من مؤامرات في تركيا. وفيما يتعلق بأزمة سد النهضة كيف تري الموقف المصري وخاصة مع انعقاد مؤتمر في الخرطوم يومي 25 و26 أغسطس الجاري لمناقشة الأزمة بمشاركة مصر وأثيوبيا؟ - لاشك أن هناك تحسنا ملحوظا في موقف المفاوض المصري في هذه المحادثات وذلك نتيجة لتحسن القوة الذاتية لمصر وهذا أمر هام جدا في لعبة التفاوض مع أثيوبيا ويمنح المفاوض المصري ميزة. من ناحية أخري فإن علاقات مصر الدولية أصبحت أكثر تماسكا وأصبح لنا تأثير علي الساحة الدولية وهذا يضيف ميزة لنا علي مائدة التفاوض مع أثيوبيا وذلك بخلاف أن لقاء الرئيس السيسي مع رئيس وزراء أثيوبيا في مالابو كان إيجابيا ساعد علي إدخال المفاوضات في إطار جديد يسوده التعاون. ماذا تتوقع للبرلمان المقبل في ضوء ما يجري ترتيبه حالياً من تحالفات حزبية؟ - جميع التحالفات المعلن عنها هي أمور شكلية والحقيقة أن الأحزاب فشلت قبل أن تبدأ معركة الانتخابات البرلمانية وذلك بالرغم من نجاحها في التعامل مع معركة الدستور، والأحزاب لا تملك البصيرة الكافية للشعور بخطورة الموقف، وبالتالي لا أري أي جدوي من التحالفات الحزبية الهشة الموجودة الآن وعلي الجميع النظر لمصلحة مصر وعدم الاقتصار علي المصالح الفردية أو الحزبية الضيقة حتي لا نقع في المحظور مجدداً. ولكن الإيجابي في هذا الأمر أن الشعب المصري أصبح لديه رؤية واضحة حول كيفية اختيار من يمثله في البرلمان وسوف يبتعد عن المناخ الحزبي وسيلجأ إلي تأييد شخصيات بعينها قادرة علي تمثيله. أخيراً كيف تري مشروع قناة السويس الجديدة وعمليات تطوير هذا المجري الملاحي لاسيما أنك زرت الموقع؟ - تشرفت بزيارة هذا المشروع الهام مع شباب حملة "تمرد" الذين بدأوا في تحويل تمرد إلي حركة سياسية أحد أهدافها دعم التنمية الاقتصادية في مصر وهذا يبشر بالخير بالنسبة لها. وعموما أنصح كل المصريين بزيارة موقع القناة الجديدة بشرط عدم تعطيل مجريات العمل لاكتشاف أهمية هذا المشروع القومي العملاق ومن المؤكد أن هناك قوي سوف تنشط خلال الفترة المقبلة لإفساد فرحة المصريين بالمشروع، لكنني أود الإشارة إلي أنه كان معنا خلال زيارة المشروع 300 من الشباب الذين أكدوا لنا بأنه لا يستطيع أحد إيقاف المسيرة المصرية وأن عجلة التنمية دارت ومن لا يرغب في المساعدة في دورانها سوف ندهسه.