انت بلاد طيبة.. وقريبة وحبيبة.. انت أمل وحياة.. لا أعلم لماذا تبادرت إلي ذهني هذه الكلمات التي تغني بها الفنان محمد منير وكتبت عن الوطن ولأجله منذ وصولي إليها, تلك البقعة التي تتجسد فيها تلك المعاني حرفيا وكأنها كتبت خصيصا لها.. كيف لا ؟ وهي أرض الطيبة القريبة الحبيبة التي تجد بها كل معاني الأمل والحياة والتي تحمل أبرز المعالم والملامح المصرية بكل صفاتها الوراثية الأصيلة.. في أسوان وفوق أراضيها الممتلئة بالثروات سواء التي منحها الخالق لها أو ما انتقاه لهم الأجداد الفراعنة وبصحبة الوجوه السمراء الجميلة, ذهبنا بحثا عن الوجه الآخر خلاف ذلك المعهود الذي ترسمه لنا الذاكرة بمجرد الحديث عنها, ولكن كعادة الأشياء الجميلة التي لا تكتمل تقف أسوان حائرة بين وجهين أولهما يحمل كل مقومات الجمال الرباني والآخر قبيح لدرجة قد تعتقد معها أننا تخطينا الحدود الأسوانية.. الأهرام المسائي تفتح ملف المحافظة السمراء, وترصد أحوال بعض القري التي تطل علي الثروات من جانب وتري الفقر وتعيشه علي الجانب الآخر, وتبحث عن مستقبل المشروعات التنموية التي بدأت في أسوان ولم تنته بعد وربما لن تنتهي, وتستكشف أسرار بحيرة السد العالي التي تنذر المسئولين وتنتظر الإنقاذ قبل فوات الأوان, ولم نغفل آخر تطورات أوضاع النوبة التي لا يمكن الحديث عن أسوان دون ذكرها, ومع المحافظ ليحلل ويشرح ويكشف ويرد علي كل طلبات مواطنيه.. //////////////////////// حرب مياه في وادي النقرة 80 كيلو مترا أو ربما يزيد قطعناها للوصول إلي هناك, إلي مشروع وادي النقرة أحد أفضل المشروعات التنموية أو هكذا كان مقررا ومقدرا له أن يكون خاصة وأن هدفه توطين الشباب ومنحهم فرص عمل بعد التخرج علاوة علي استصلاح الأراضي وزيادة الرقعة الزراعية ولكن جاءت الحقيقة بما لا يشتهي الحالمون فما آلت إليه أحوال خمس قري تابعة للمشروع تكشف حجم المعاناة التي يعيشها الأهالي في ذلك المنفي الإختياري.. الآمال والمنار والكرامة والحكمة والبراعم مجرد أسماء أطلقت علي غير مسمي علي خمس قري تستوطن صحراء أسوان, فأهالي الآمال يعيشون بلا أمل في تغيير الحال والكرامة تفتقد أبسط الحقوق في الحياة الكريمة, أما أهالي الحكمة فقد كادت تزول حكمتهم أمام المشاكل والأزمات التي يلاقونها منذ بدء المشروع, ويشاركهم الهم والشكوي نفسها سكان المنار و البراعم.. مشروع استصلاح65 ألف فدان منها15 ألفا مخصصة للخريجين والمنتفعين وفئات آخري كالمطلقات والأرامل.. هكذا بدأ محمد عبده مسئول حسابات الحكومة بالمنطقة حديثه بعدما استقبلنا في مبني الجمعية الزراعية التابعة لقرية الحكمة مشيرا إلي بداية المشروع في2004 عندما سعي النظام الأسبق لتوطين الشباب الخريجين ومنحهم5 أفدنة كفرص عمل لهم علاوة علي زيادة الرقعة الزراعية مستغلين جودة أراضي وادي النقرة. يشير إلي أن الخدمات المتوافرة للمشروع في بداية إنشائه كانت بسيطة وزادت مع الوقت ولكن ظلت بعض الخدمات كما هي واكتفي المسئولون بما وصل إليه حال المشروع هناك. ويقول قري وادي النقرة تعاني وتشكو مرارة الإهمال دون جدوي, مؤكدا أن قطاع كالصحة مثلا خدماته معدومة تماما في الخمس قري بل إن قرية الحكمة الأفضل حالا بينها يخدمها طبيب واحد لا يتواجد بشكل مستمر يا نلاقيه يا منلاقيهوش حسب الأجازات, أما باقي القري فلكل منها نقطة إسعاف واحدة وليس لديها عربات إسعاف مما يضطر الأهالي للنزول إلي كوم أمبو ليؤكد أن الحكمة مميزة لأنها القرية الأم ولكن في النهاية كل الوحدات الطبية غير مجهزة فلا يوجد بها سوي أدوية ارتفاع الحرارة وعلاج لدغة العقرب. ليلتقط منه الحديث حنفي خميس الذي يسكن قرية الحكمة ويعيش فيها مع أسرته فور استلامه الأرض منذ11 عاما حيث ذهب إلي هناك كخريج لكلية الزراعة يطمح في الحصول علي ال5 أفدنة, أكد مرارا أنه ليس ناقما علي حياته في وادي النقرة بل يري أن السكان يمارسون حياتهم وأنشطتهم اليومية كما يفعل أهالي أسوان والمحافظات الآخري ولكن المشكلة في الخدمات علي حد قوله, خاصة وأنه يسكن في قرية الحكمة التي تعد الأفضل حالا من بين القري الخمس. ويوضح أن محطات الرفع تتعرض لأعطال كثيرة تتسبب في عدم وصول المياه للقري مؤكدا أن قريتي الكرامة والبراعم هيموتوا من العطش علي حد وصفه, ويقول حنفي أن تسويق المحصول صعب للغاية لأن السوق بعيد جدا عن قري وادي النقرة حيث يتطلب الوصول إليه ما يزيد عن60 كيلو أي أن تكاليف النقل مرتفعة للغاية بالإضافة لتكاليف العمالة وصعوبة توفيرها وقد تتعرض بعض المحاصيل للتلف في الطريق أو يتعرض حاملها نفسه للمخاطر كما كان يحدث في فترة الانفلات الأمني في المنطقة المحيطة بوادي النقري, كما يعاني الأهالي من ثبات المحاصيل وعدم تنوع الزراعات في أراضي النقرة مشيرا إلي أن القمح والسمسم والنعناع لا تكفي أهالي القري, وطالب الحكومة بعمل مشاتل خضار وفاكهة حتي يكون هناك اختيارات أخري أمامهم, كما طالب بضرورة تشغيل بنك التسليف والائتمان الزراعي لتستفيد الحكومة وكذلك المزارع الذي لا يتمكن من تسويق محصوله. ليمتزج صوته الهادئ بنبرة حزينة مستسلمة عندما أكد أن كل مشاكل القري لا تهم مقابل مشكلة المياه مؤكدا أن بعض الأهالي يتصارعون علي المياه نظرا لندرة وصولها لهم, وأضاف ربنا قال وجعلنا من الماء كل شيء حي يعني احنا من غيرها نموت مستنين ايه من ناس بتموت دول بيقطعوا بعض علي الحبة اللي بييجوا. يؤكد أن المدارس موجودة ولكن العملية التعليمية لا تسير علي ما يرام, ليقاطعه أحد الأهالي متسائلا يعني ابنك بيتعلم زي بتاع كوم أمبو مثلا ليرد قاطعا: بتاع كوم أمبو أحسن طبعا ما المدرس بييجي من آخر الدنيا وبيبقي عايز يروح عشان ساكن في الجبل. ليلتقط أطراف الحديث من جديد محمد عبده مؤكدا أن قري وادي النقرة تنتمي في النهاية للمجتمعات الريفية أي أنهم لا ينشغلون بأي خدمات بقدر اهتمامهم بأزمة المياه سواء ري أو شرب. ويوضح أن المشكلة تكمن في محطات الرفع التي تعمل تباعا وكذلك تتعطل, علاوة علي تبادل الاتهامات وإلقاء المسئولية ما بين الميكانيكا والكهرباء من ناحية والقائمين علي الصيانة من ناحية أخري حيث يلقي كل منهما الحمل علي الآخر وفي النهاية تدفع القري وحدها ثمن توقف أي محطة عن العمل, ويشير إلي أن الأزمة تتفاقم بسبب المياه المسروقة التي يسيطر عليها واضعو اليد لحسابهم خاصة وأن بعضهم يعتمد علي قوة السلاح حيث إنها تزيد علي70 فتحة غير شرعية من أصحاب أراضي وضع اليد الذين يزرعون ما يحلو لهم من المحاصيل. ويقول خالد بكري- مسئول حسابات التعاون بالمنطقة أنه تم تجهيز مباني الجمعية الزراعية في بعض القري كمدارس لاستيعاب تلاميذها, مؤكدا أن الأهالي يحاولون قدر الإمكان حل مشكلاتهم فيما بينهم ولكن يصيبهم العجز أمام أهم مشكلة تؤثر علي حياتهم وهي المياه. ويروي محمد علي معاناته أثناء فترة حمل زوجته حيث كان يضطر للنزول إلي كوم أمبو أو دراو رغم صعوبة توفير مواصلات إلي هناك, علاوة علي شعوره الدائم بالتعب بسبب حصوات الكلي التي تكونت بسبب المياه مشيرا إلي أنها الشكوي المتكررة علي ألسنة معظم أهالي الخمس قري, ليقاطعه أحد الأهالي قائلا أيوه أنا كمان روحت لدكتور مسالك بولية قالي عندي مزرعة حصوات بسبب المية. ويضيف محمد أن الطرق تمثل أزمة كبيرة لأهالي القري في نقل محاصيلهم خاصة في ال60 كيلو الأولي بعد الخروج من وادي النقرة حيث يمتليء الطريق بالحفر والمطبات والوصلات غير الآمنة, مشيرا إلي كثرة حوادث الطرق خاصة في هذه المنطقة لا تحصد الأرواح فقط بل المحاصيل خاصة النعناع الذي سبق وانقلبت به عدد كبير من العربات التي تحمله إلي محافظتي القاهرة والفيوم. ومن قرية الكرامة جاء إلينا محمد أبو الحلقان, هذه القرية التي أكد أهالي باقي القري أنها الأكثر معاناة بينهم لدرجة حذرني معها أحد أهالي قرية أخري من الذهاب إليها نظرا لحالة الغضب الشديدة التي تسيطر علي أهلها وقد تتسبب في تفريغ الشحنة بأكملها في أول زائر, ليبدأ محمد حديثه متسائلا اللي هقوله هيتكتب كله ولا هيتنسي ؟!, ليعاود سؤاله من جديد يعني هتقولي كل حاجة ؟, ليجيب دون سؤال بنبرة مزجت الحزن بالغضب انا بطلب من الريس زي ما خد تار اللي داعش قتلوهم ياخد بتار800 أسرة بيموتوا كل يوم من العطش مشيرا إلي أن بعض المسئولين غفلوا قري النقرة خاصة الكرامة أما البعض الآخر فتناساها عمدا. ويضيف أن مياه الشرب تصل إلي قرية الكرامة كل20 يوما تقريبا وهي نفسها مياه الري التي تروي الأراضي, مشيرا إلي أنهم طرقوا جميع الأبواب فما بين المحافظ ووكيل وزارة الري ومجلس المدينة ومعهم مهندسو الري حيث يختفي بعضهم ولا يمكن الوصول إليه في حين يؤكد الآخرون أن الصيانة لا تزال مستمرة وكذلك الوعود التي لا تنقطع من ألسنتهم عن عدالة ترشيد المياه وتوزيعها بين القري بالمساواة عشان كلنا عايزين نشرب عشان عايزين نعيش علي حد قوله. ويوجه رسالته لهؤلاء المسئولين قائلا احنا مش محتاجين منكم غير المية أي حاجة تانية إحنا ممكن نعملها, موضحا أن نصف القرية أو ربما يزيد ضاعت زراعته وماتت أرضه, ليسألهم أخيرا طب نزرع ولا منزرعش ؟!. ويضيف أن هناك مشاكل أخري تعاني منها الكرامة وأخواتها مثل التعليم والصحة وحتي وحدة إطفاء لا تملك ولو سيارة واحدة, حيث قال مفيش حاجة عندنا حتي سلك الكهرباء مسروق بس احنا ممكن نستغني عن أي حاجة إلا المية. //////////////////// الأرض لو غرقانة! ' الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا.. عهد وعلينا أمانة.. تفضل بالخير مليانة'.. كلمات راسخة في الوجدان قبل الآذان والعيون التي تابعت مشهد' الفلاح' المتشبث بأرضه والذي جسده الفنان محمود المليجي في فيلم الأرض ورفض أن يترك أرضه لآخر قطرة في دمه, ورغم أن علاقة الفلاح والمزارع بأرضه ثابتة لا تتغير إلا أننا هنا في' فارس' أمام صورة مخالفة للأرض' اللي عطشانة' لأنها ببساطة' غرقانة'.. قرية' فارس' التي تحيطها المياه الجوفية من كل جانب, وتوشك أن تغرس قدميك في أي لحظة ما دمت لم تتحسس خطاك قبلها, رحلة شاقة بدأت بالمرور علي' جبانات' الموتي التي تشم فيها رائحة الموت والمياه معا وقد تري بقايا الأجساد المتحللة التي غمرتها المياه ولا يظهر منها سوي اسم المتوفي المنحوت علي يافطة صغيرة أوشكت هي الأخري علي الغرق.. استقبلنا في منزله العمدة أبو القاسم عمدة قرية فارس الذي أصر علي استضافتنا أولا في' المضيفة' قبل بدء الجولة بين أراضي فارس, ورغم أن الجلسة ضمت ما يزيد علي20 رجلا من أهالي القرية الذين انتظروا وصولنا إلا أنهم أصروا علي أن تكون الكلمة للعمدة الذي يعي المشكلة من الألف إلي الياء علي حد قول معظمهم. ليبدأ' أبو القاسم' حديثه عن معاناة فارس التي بدأت منذ عام2007 بسبب المياه الجوفية التي اجتاحت أراضي ومنازل القرية ومازالت تكمل مسيرتها داخل القرية, ويلخص العمدة ما يحدث علي تفعله المياه الجوفية في' فارس' قائلا:' النار بتحرق مش كده, عندنا هنا المية هي اللي بتحرق' مشيرا إلي غرق معظم أراضي المزارعين وتلف محاصيلهم بعد غمر المياه لها, وقدرها بأكثر من600 فدان من أجود الزراعات كالمانجو والدوم والنخيل والتي أطلق عليها الموروثات التي تتميز بها' فارس' بالإضافة إلي المزروعات الحقلية كالقمح والذرة'. أما عن المنازل فيؤكد أن معظم بيوت المنطقة الشرقية انهارت أرضا ولم يتبق منها سوي بعض الأحجار كما غرقت مقبرة أهالي فارس وتحول الدفن إلي منطقة أخري بالجبل, لينتقل بعدها إلي المدارس مشيرا إلي أحد المدارس التي نقل طلابها لفترة مسائية داخل مدرسة أخري بعد غرق فصولها, علاوة علي مدرسة أخري ملحق بها مدرسة ثانوية فنية للبنات علي وشك الإغلاق هي الأخري بعد وصول المياه إلي فصولها. ليتوقف الحديث لحظات قليلة بعد دخول عدد من الأهالي الذين جاءوا للحديث عن مشكلات القرية لأطلب من' العمدة' أن نستكمل الحديث أثناء الجولة لتقول الطبيعة كلمتها وتثبت الصورة كل ما يقال, وبالفعل تحركنا بصحبة رجال القرية الذين أصروا علي المرور علي معظم منازل القرية ودخولها واحدا تلو الآخر, فهذا فتح أبوابه من أجل إثبات أنه يعيش وأسرته في حوش المنزل ويترك الغرف بعد وصول المياه إليها مؤكدا أنه يوشك علي ترك المنزل رغم محاولاته المستميتة لإحضار ما يكفي من رمال الجبل لتعلية الأرض والسيطرة علي زحف المياه ولكن' مين يقدر يحوش المية, دي تقدر تنهش جبل' علي حد قوله, وهذه السيدة سمحت لي بالدخول دون الرجال لمشاهدة برك المياه التي تحيط بها من كل جانب لتعود وتغلق بابها من جديد وهي تدعو' ربنا يجعل في وشك القبول وتتحل'. ليستكمل' العمدة' حديثه مشيرا إلي عدد من المنازل المنهارة, ليسرد بعدها رحلة قرية' فارس' علي مكاتب مسئولي الحكومة حيث أوضح أنه تم إنشاء شبكة صرف مغطي تحمل الأهالي تكلفتها ونفذتها الري سريعا ولكنها لم تنقذ الوضع بل زادته سوءا. لينتقل بعدها إلي وعود المحافظين السابقين وصولا للمحافظ الحالي الذي جاء بنفسه ورأي الوضع ووعد بتوصيل الأمر للري, وبالفعل دبر لقاءا مع الوزير عندما جاء إلي أسوان ولكن ظل الوضع علي ما هو عليه ولم نجد أي ثمار لهذه المقابلة حتي الآن وما بيد المحافظ أي حيلة لأن الأمر أكبر من المحافظة, وتساءل' أبو القاسم' عن مصير10 ملايين جنيه كان قد تم تخصيصها لعمل مصرف قاطع مكشوف لحل أزمة فارس منذ3 سنوات وضعت في خزائن الري لعمل دراسة للمصرف, ليلتقط أنفاسه ويرتفع صوته قائلا' بيعملوا دراسة لمصرف5 كيلو بقالهم3 سنين ليه دي قناة السويس هتخلص في سنة', لينهي حديثه عن الوزارة قائلا' الري هي السبب في الخراب اللي احنا فيه ده'. وتحدث عن التعويضات التي أكد أنها هزيلة جدا مقارنة بحجم الخسائر خاصة أنها خسائر طويلة الأمد أما التعويض فيؤخذ مرة واحدة, ويضيف قائلا' هو مش كفاية ان أرض الواحد تضيع ومصدر رزقه يقف وكمان كتير منهم تعبان وعنده الفشل الكلوي', ليلتقط أطراف الحديث عدد من الرجال المحيطين بنا وتدور أحاديث جانبية حول مرض كل منهم و'الغسيل' الذي يتم في المستوصف الذي أقيم بالجهود الذاتية دون مساعدة من أحد حتي لا يضطرون للذهاب إلي مستشفيات كوم أمبو. ليتطرق أحد الأهالي إلي المرض الجديد المنتشر بين طلبة المدارس هناك خاصة المدارس التي غمرتها المياه مؤكدا إصابتهم بالقرع, ويستكمل قائلا' أمراض مشوفنهاش قبل كده ولا نعرف عنها كده'. واتفق الجميع علي أن إدارة الري بأسوان وكذلك إدارة مشروعات الصرف بكوم أمبو تتحملان المسئولية فيما آلت إليه أحوال' فارس', ليتساءل عن' العوامة الجديدة مفيهاش مشكلة ليه عايزين تنشفوا أرضها هي كمان وتمنعوا عنها مية الري ؟!'. ليقاطعه فؤاد سراج أحد أهالي القرية قائلا' الري هو اللي زود المشكلة لأن أي شبكة ري تقابلها شبكة صرف', ويقول إن المشكلة تأتي من الجهات التنفيذية الأقل, ويوضح أنه حتي' القيسونات' التي أقاموها لسحب المياه واجهتها نفس المشكلة لأنها لا تتمكن من تصريف المياه وبالتالي' زادت الطين بلة', لينهي حديثه قائلا' ياريتهم ما كانوا عملوها'. ليتدخل' العمدة' مؤكدا أن أهالي' فارس' لا يفتعلون المشكلات ولا يريدون إثارة أزمات ولكنهم يبحثون عن حقهم في حياة آمنة غير مهددة بين لحظة وأخري'. ///////////// الدويقة علي الطراز الأسواني هي المحطة الثانية في رحلة أسوان, ذهبت إليها مرتين وجاءت' هي' إلي بعد عودتي إلي القاهرة عبر رسائل عاجلة وصلتني من بعض الأهالي رغبة منهم في توصيل كل المعلومات اللازمة للنشر حيث يرغبون في استغلال الفرصة التي سنحت لهم, رغم أنها ليست المرة الأولي التي يتحدثون فيها لوسائل الإعلام عن معاناتهم ولكنهم يمنون النفس بأن التذكرة قد تنفع المسئولين.. رغم كتلة الأزمات التي تحيط بها إلا أن المشكلة الأكبر تلك التي تمتد بعمر مصرف السيل الذي أنشيء وفقا لمرسوم ملكي في عام1933 لاستيعاب مياه السيول التي تغرق أسوان بسبب الطبيعة الجبلية من حولها وتحويل المياه لنهر النيل, ليشاء القدر أن تكون هي أولي القري المطلة علي مصب مصرف السيل مباشرة وبالتالي هي أولي القري المتضررة منه بعد سنوات.. ' أبو الريش قبلي' ظلت لسنوات طويلة تعاني ثم تنتظر الانفراجة وتنفيذ الوعود وإدراج القرية بالخطط العاجلة مازالت حتي الآن تشكو وتعاني وتمرض وتموت دون أن يستجيب لصراخها أحد.. لا تبعد كثيرا عن الشوارع المتميزة بالمحافظة وكذلك' كورنيش' نيلها الساحر, فأقل من نصف ساعة تفصلك عن الوصول إليها لتتبدل المعالم الراقية بدون مقدمات, وينحدر مستوي الاهتمام تدريجيا من قمة الرعاية إلي أدني درجات الإهمال.. عبرنا خط السكك الحديدية بصحبة بعض الأهالي لتتعاقب المشاهد تباعا وتتوالي تعليقات المارة لتوصيل رسائل قصيرة ل' ضيفة' القرية لعل وعسي' تصيب هذه المرة'.. كانت البداية أمام طابور' طويل' علي أنابيب البوتاجاز وصراع' مميت' من أجل الحصول علي المراد, وبالطبع لم يهتم أحد بالحديث عن مشاكله في هذه اللحظة الفارقة التي ينتظر فيها إتمام المهمة المستحيلة.. ' خالد ضوي' أحد أهالي أبوالريش قبلي والذي يصطحب دائما معه كل الأوراق والمستندات والشكاوي والطلبات الرسمية الخاصة بسكان القرية, أوضح أن عمر أزمة الريش يزيد علي7 سنوات ظل فيها أهالي القرية' كعب داير' بين المسئولين بداية من رئيس الوزراء مرورا بالوزراء الراحلين والمستمرين في وزارتي الري والبيئة وصولا للمحافظين مؤكدا أن الأهالي' مخلوش حد معرضوش عليه مشكلاتهم وكل واحد واختصاصه'. ويضيف' خالد' أنه لم يكن هناك شيئ جديد غير المعاينات طوال7 سنوات, رغم تخصيص أكثر من ميزانية معلنة بالملايين لبحث مشكلات أبو الريش خاصة الصرف الصحي لإنشاء محطتين للصرف والرفع, مشيرا إلي أنهم علموا أن الوصلات الملحقة تم الانتهاء منها بالفعل ولكن لا يحدث أي جديد بعد الإعلان' لا حس ولا خبر' علي حد قوله, وتساءل' هي الفلوس دي بتروح فين ؟!'. وبنبرة حزينة بدأ' خالد' الحديث عن تأثير مصرف السيل عليهم قائلا' انتوا متخيلين يعني ايه ماسورة الصرف في النيل يعني احنا بنشرب سموم', مشيرا إلي أعداد المصابين بالفشل الكلوي والفيروسات والسرطانات بشكل خاص حيث إنها الأكثر انتشارا بينهم الآن علي حد قوله. ويؤكد أن عددا كبيرا من المنازل انهارت بفعل الصرف الصحي و' طفح' الطرنشات أرضا وتحت الأرض, حيث تم نقل أصحابها إلي' العلاقي' مشيرا إلي أن الفترة القليلة الماضية شهدت انهيار ما يقرب من22 منزلا. ويشير' ضوي' أن كلمة السر التي يتوارثها المسئولون هي' نعمل مقايسة' فالمقايسات لا تنتهي وكذلك لا تنفذ وبالتالي كل مشروعات الإصلاح' محلك سر', لينهي حديثه قائلا' احنا غلابة أوي والله وكلنا مستنين في أي لحظة نبقي في الشارع أو نموت بالمرض البطال'. أما' الحاج نور' ورغم يأسه من أن يجد أي جديد في القرية إلا أنه جاء ليحاول مرة أخري ليبدأ حديثه قائلا' اللي بنقوله ده أمانة في رقبتك لازم توصليه', ليسرد بعدها مشكلات القرية كما يعيشها' احنا مش أول مرة نشتكي بس محدش بيسمع' مؤكدا أن الصرف الصحي واحدة من مجموعة مشاكل فالطرق سيئة للغاية ولا يتوافر لدينا وحدة صحية مجهزة مشيرا إلي المستشفي المغلقة علي أجهزتها ولا يستفيد منها أحد بدءا من الأعقاب وصولا إلي أبو الريش. ليلتقط منه أحد الأهالي أطراف الحديث مؤكدا كلامه' احنا معندناش إلا دكتور واحد وهو كمان جاله الفيروس وتعبان زينا عشان بيشرب المية الملوثة', ويضيف أن ترعة كيما تصب كل سمومها في أجساد أهالي أبو الريش. ويقول' محمد فوزي' إن ملخص ما يحدث في القرية منذ سنوات طويلة هو' استشاري راح واستشاري جه' مشيرا إلي أن الإمكانات والاعتمادات المالية ليست حجة لأنها أزمة تتعلق بحياة مواطنين. ويضيف' فوزي' أنه وأسرته يعيشون حاليا في' صالة' المنزل بعد انهيار أجزاء من المنزل الخاص بهم, مؤكدا أن هذا يعني أن دوره قادم مثل باقي أهالي القرية الذين رحلوا عنها وتكبدوا تكاليف إضافية لا تناسب الحالة المادية لهم. وقبل الانتهاء من جولة' أبو الريش' طلب أحد المسنين من أهالي القرية أن أربط ما يحدث في القرية بما يحدث في عشوائيات الدويقة بالقاهرة, حيث أنهي حديثه معي' والله دي دويقة تانية بس مش هياخدوا بالهم إلا لما تحصل كارثة'.