في كلمات محددة أكد الرئيس مبارك في خطابيه أمام البرلمان بغرفتيه' الشعب والشوري' وأمام المؤتمر السنوي للحزب الوطني, أكد تمسكه بنسق الدولة المدنية و تأكيد المواطنة كأساس للاستقرار والتقدم وهو أمر يمكن أن يكون عنوانا لعمل مكثف يمتد لسنوات حتي يتحقق علي الأرض.وعصب الدولة المدنية هو' سيادة القانون' وقاعدة المواطنة هي' المساواة' والمدخل لكليهما' العدالة', وهي قيم وأنساق لا تتحقق بقرار أو تشريع أو حتي بتوفر الإرادة السياسية وحدها, خاصة في مجتمع تعرض لعقود لصدمات جاءت خصما من قيمه التي كانت له منذ عرف الدولة الحديثة ودعمتها التيارات الرجعية بأشكالها المختلفة, فاخترقته الفوضي والعشوائية واللامبالاة, واختفت معه قيم الإنتماء والعمل والجماعية. ويزيد من وطأة الأزمة المعاشة التراجع الاقتصادي العالمي الذي هز عروشا اقتصادية عابرة للقارات ودولا رأسمالية راسخة, اضاف المزيد علي معاناتنا الحياتية افرزت مزيدا من البطالة والاحتقان المجتمعي الاقتصادي والاجتماعي والطائفي. ولهذا فنحن بحاجة الي العمل علي محاور متعددة بالتوازي في آن واحد, وفق توقيع زمني مناسب, وهو بهذا ينتقل من المربع الرسمي والحكومي الي المشاركة العامة من كافة القوي الوطنية, ولعل هذا يستدعي استبعاد رباعية التشكيك والتخوين والتكفير والمؤامرة التي وقفت حائلا دون قيام حوار عام مثمر, علي مدي عقود مضت. لعل المحور الأول هو اعادة الاعتبار لمفهوم الدولة عند العامة, وربما الخاصة أيضا, في مواجهة دعوات الإنفلات التي انتجت الفوضي والعشوائية وبزوغ فكر النزعات الفئوية والطائفية التي تري ان هناك من يمثلها ويتبني مطالبها خارج السياق الدستوري والقانوني, وتكريس ثقافة الاستبعاد قسرا انطلاقا من فقه العصور السحيقة قبل الدولة الحديثة. والمحور الثاني في ظني هو اعادة هيكلة آليات تكوين الوجدان والفكر الجمعي وعلي رأسها التعليم والإعلام والثقافة, سواء في اطار ما تقدمه من فكر ومعطيات ثقافية أو فيما يتعلق بالكوادر المنوط بها ترجمة هذا الي المتلقي, فهي بيت الداء في تراجعنا وهشاشة التصدي لمحاولات هدم الدولة المدنية لحساب القبيلة والمواطنة لحساب الطائفية. والمحور الثالث هو دراسة كيفية تفعيل وضبط سيادة القانون ثقافة وواقعا بشكل حاسم ليكون قاعدة ضبط العلاقات داخل المجتمع وضمان الحقوق والواجبات للمواطن باعباره مواطنا, وهذا يتطلب دراسة تطوير منظومة الكليات والمعاهد الحقوقية وضوابط ممارسة مهنة المحاماة وقواعد اختيار الكوادر القضائية علي مختلف مستوياتها في شفافية وموضوعية تغلق الباب في وجه الاختراقات والإستثناءات وهبوب الرياح المتصحرة, لحساب العرف خصما من سيادة القانون الوضعي الذي يترجم مصالح واحتياجات المجتمع ويضبط التوازن داخله. ثم يأتي محور التمثيل البرلماني باعتباره العمود الفقري في الدولة المدنية, وتجربتنا ثرية منذ عرفنا ارهاصات البرلمان المصري وحتي اليوم, والتي تتطلب في ضوء الواقع والتشابك بين المصالح وايضا الصراع بينها ودخول قوي وتيارات جديدة علي الخط ومحاولاتها اختطاف التجربة البرلمانية, يتطلب هذا اعادة النظر في نسق تشكيل البرلمان والذي يعتمد علي نظام الانتخاب الفردي والذي لم يستطع مقاومة مداخلات الافساد المالي أو البلطجة أو التكتلات العصبية أو الاختراق الطائفي, وعلي جانب اخر لم يكن قادرا علي حل اشكالية مشاركة الاقليات العددية أو الشخصيات الأكثر قدرة علي ممارسة الدور الرقابي والتشريعي البرلماني كما تعرفها البرلمانات العريقة والتي تضمن تحقق الديمقراطية بشكل جدي. في هذا المحور علينا ان نطرح حاجتنا للتحول الي الانتخاب بالقائمة النسبية التي تعالج سلبيات الانتخاب الفردي, وعلي جانب آخر تعيد الاعتبار للحياة الحزبية التي تفرض عليها في هذه الحالة العمل علي التواصل مع الشارع من خلال ترجمة رؤيتها السياسية في برامج محددة, ويكون الاختيار الشعبي موقعا علي مدي توافق هذه البرامج مع احتياجات الناس الحقيقية, وتغلق الباب أمام القوي المناوئة للديمقراطية والدولة المدنية من التسلل الي البرلمان تحت ستار المستقلين, وتضع حدا لما اصاب المناخ الانتخابي من اختراقات طائفية بدت واضحة للعيان. يبقي ان تفعيل الدولة المدنية سيضع حدا لمحاولات جرنا لدولة الطوائف التي تسعي قوي عديدة لفرضها علي واقعنا, والتي تسعي للسيطرة علي الشارع ومواقع العدالة واليات الاعلام والتعليم والثقافة, و أظن أن هناك من القوي الوطنية من يقبل بهذا, فهل نبدأ في الخروج من نفق الصراع الضيق الي مربع التحاور الموضوعي نحو تحقق الدولة المدنية كما عرفها العالم المتقدم ؟ [email protected]