يجري استدعاء الماضي لخوض معارك الحاضر عند اليأس أو العجز عن مواجهة معارك الحاضر بأدوات عصرية.. ان الشباب الذي سلك طريق الارهاب لم يغادر الحاضر الي الماضي فقط, بل بدأ يسعي لتدمير الحاضر الذي لا يجد نفسه فيه, يحيط خصره بالمتفجرات, ويتوجه صوب من يتصور أنهم كفار ليضغط علي الذر, فيتمزق جسده, ويقتل الكفار.. كيف انفصل عن الواقع الي هذا الحد, حتي بات ينظر لأهل بلده, وربما منهم أقارب أو أصدقاء قدامي أنهم يستحقون القتل, وأنه بقتلهم يستحق الجنة, بما فيها من نعيم وبنات حور؟ ان وقود الارهاب يأتي من الشباب اليائسين, الذين يشعرون بالوحدة والاغتراب, يتصيدون مثل هؤلاء, ويقدمون لهم مجتمع الجماعة, ويجد فيهم وبينهم التقدير والدفء الذي يفتقده, ثم يستمع منهم الي خطب تنقله الي العالم المثالي,عصر السلف الصالح, الذي كان مليئا بالعدل والبركة والبطولات, وتنتهي الخطبة بأن من الممكن استعادة الماضي بأمجاده, وستحل بركته ونعيمه, لولا الابتعاد عن الاسلام الصحيح, عندما نتمسك به وننشره سيعيننا الله علي أن نتسيد العالم. هذه الوصفة البسيطة لسيادة العالم, واستعادة أمجاد الماضي المثالي هي الحبل الذي يجر الشباب الي الارهاب, ويبدأون في تحديد معوقات العودة الي الاسلام الصحيح, من حكام ابتعدوا عن الاسلام, الي اعلام يشوه العفيدة, الي مسيحيين يتربصون بديننا, الي شيعة خرجوا عن الاسلام, وارتدوا عليه... وكل ما يمكن أن يستهدفهم الارهاب. .. لقد كان الماضي راقدا بلا حراك طويلا, بحلوه ومره, بأكاذيبه ونقاوته, وهناك من فتشوا في الماضي بحثا عن نقاء وعدالة وحياة مثالية, لم يجدوها في الحاضر. لا يمكن القاء المسئولية فقط علي هؤلاء اليائسين أو قادتهم المخادعين أو المخدوعين مثلهم, وانما يشاركهم المسئولية هولاء الذين بأيديهم جميع مفردات القوة, الرأسمالية العالمية وشركاؤهم المحليون, والذين تمتعوا طويلا بحماية سلاطين الرأسمالية في أوروبا وأمريكا, هم من استأثروا بالمال وحرموا واستغلوا الشعوب, ليعيشوا في رفاهية, علي حساب اتساع رقعة الفقر. وقد يندهش البعض من وجود أوروبيين وأمريكان بين الارهابيين في سوريا والعراق, لكننا نجد أن معظمهم من الجيل الثاني أو الثالث للمهاجرين, والذين مازالوا يعيشون علي هامش هذه المجتمعات الغنية المتقدمية, منبوذون, ينظر اليهم معظم أبناء وطنهم بازدراء, هم الأكثر فقرا, والأكثر بطالة, ويعيشون في الضواحي الفقيرة, ويستقبلون المهاجرين الجدد, ويتفاعلون مع خطب تكفير مجتمعاتهم, لاحساسهم بالعزلة والاغتراب, فيجتمع يأس المهاجر الجديد مع مرارة بعض أبناء الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين القدامي,فيأخذون طريقهم الي الارهاب. كانت باريس في الماضي تحتضن خريجي الأزهر, وتفتح لهم نوافذ النور, ويرون فيها الاسلام من غير مسلمين, بينما لدينا مسلمون بغير اسلام, لكن أنوار باريس أصبحت باهتة, لا يظهر نورها في الضواحي الفقيرة, وظهر فيها اليمين المتطرف, الذي يحض علي كراهية المهاجرين, ويريد ازاحتهم بعيدا, فتظلم الدنيا أمام سكان هذه الضواحي,ويصبحون حاضنة للارهاب والارهابيين. أما في بلداننا العربية والاسلامية, فقد تجمعت لدينا كل بؤر التوترات, من غني فاحش وفقر مدقع, من خضوع واستسلام وانتهاك فاضح للأوطان, وإرث فكري وديني مليء بنفايات لم يجرؤء أحد علي مجرد الاقتراب منها, بوصفها مقدسات ارتضي الجميع أن تكون سامية فوق النقد, فتحولت الي يوتوبيا يريدون استعادتها. المسئولية في ظهور الارهابيين لا تقع علي عاتقنا فقط, مع أننا نتحمل الجزء الأكبر منها, فلا يمكن للغرب أن يغسل يديه منها, ولهذا فإن الجميع يبدو أنهم سيدفعون الثمن.