ما يحدث للجنيه المصري الآن أمام الدولار بصفة خاصة وباقي العملات الأجنبية عامة هو أمر يحيق أشد الضرر بقيمة الجنيه بل وبالاقتصاد المصري والمواطن نفسه. وحتي نفهم ما يحدث الآن من سياسات خاطئة للبنك المركزي نسترجع سياساته أيضا الخاطئة منذ يناير1102 حيث وقتها كانت هناك اندفاعة قوية من الأجانب المضاربين في البورصة وبعض الأغنياء من المصريين في شراء الدولار والتحويل للخارج وهو ما لم يجد أي ممانعة من البنك المركزي رغم الظروف الصعبة التي كانت تواجهها البلاد, وكان من أبسط الواجبات أن يحد من هذه الظاهرة التي ترتب عليها استنزاف قدر كبير من احتياطي النقد الأجنبي الذي تسرب للخارج تحت رعاية من البنك المركزي... كما كان عليه أيضا من أجل الحفاظ علي هذا الاحتياطي أن يرفع سعر الدولار جنيها كاملا لهذه التحويلات إما بشكل مباشر أو في صورة عمولات للبنوك أو غيرها من المسميات بشكل غير مباشر وهو أمر كان سيحقق له عائدا لا يقل عن61 مليار جنيه ولكن الفرصة ضاعت وضاع معها أكثر من ثلثي احتياطي مصر من النقد الأجنبي والذي تعرض أيضا للانخفاض حين راح البنك المركزي يضخ الدولارات في السوق النقدية بحجة المحافظة علي قيمة الدولار وعدم ارتفاعها أمام الجنيه وهي عملية شكلية تخفي وراءها أمراض الاقتصاد وركوده التي لم تتعرض لها لا الحكومات ولا البنك المركزي نفسه وظل الحال علي ما هو عليه. تغير الحال والأحوال وتغير محافظ البنك المركزي ولكن ظل حال الجمود الفكري مسيطرا علي البنك المركزي, ولنأخذ مثلا سعر الفائدة حين يعلن المحافظ عن رفع الفائدة مرة واحدة بنسبة واحد في المائة وهو أمر غدا مفيدا للمدخرين إلا أنه يكلف الدولة نحو02 مليار جنيه بلا أي عائد أو سبب لذلك, ثم الخطر من هذا ما يحدث الآن من سياسات تجاه علاقة الجنيه بالدولار فقد برزت بوادر سوق سوداء للتعامل في العملات الأجنبية لم يعرها البنك المركزي الاهتمام المناسب ويواجهها بالسياسة الواجبة ولكنه اعتمد علي التهديدات بغلق شركات الصرافة المخالفة وبمزيد من استنزاف الاحتياطي في الضخ في السوق تحت مظنة أن هذا الإجراء سوف يعيد السوق السوداء إلي رشدها بينما كانت هذه السوق يشتد عودها وتقوي بما لها من خبرات في مواجهات سابقة للتعامل مع مثل هذه التهديدات كما أن حجم الطلب المتزايد كان كفيلا بتوسيع دائرة التعامل فيها. ومنذ أيام تنبه البنك المركزي إلي أن هناك سوقا سوداء للدولار وأن هناك جموحا في تزايد سعره وان الفجوة تتزايد بينه وبين سعره المعلن من البنك المركزي في البنوك ومن ثم قام بزيادة هذه السعر الرسمي مرتين كل واحدة بمقدار خمسة قروش وبالطبع لم تهدأ السوق السوداء وارتفع سعر الدولار وبهذا التوجه من البنك المركزي يشتعل السباق بين السعر الذي يعلنه والأسعار بالسوق السوداء. لا مناص من مواجهة الواقع إذ ليس لدينا موارد متزايدة من النقد الأجنبي ولدينا طلب متزايد علي الدولار وأخواته والحل الأمثل هو البحث في تقليل الطلب علي الدولار بخفض الواردات, والأهم إطفاء السوق السوداء بتوحيد سعر الدولار في البنوك وفي السوق السوداء ومهما كانت له من آثار سلبية فإن هذا التوجه يخلق الاستقرار في مناخ الاستثمار الذي ينتظر الترحيب به في مارس المقبل.