بينما الحزن الأسود يعتصر أهالي بورسعيد وهم يلقون نظرة الوداع الأخيرة في نهايات عام1968 علي مدينتهم الجميلة قبل ان يغادروا الي حيث الم الغربة والشتات في جميع بقاع الارض المصرية, تماسك شعراء وفنانو السمسمية بالمدينة الباسلة رافضين اليأس فقد كان عدوهم هو الخيانة الحقيقية. ورافضين الهزيمة وإن اختفت في مسمي النكسة. معظمهم رفض الرحيل وتشبث بالبقاء في بورسعيد وحتي لو اصبحت مهجورة وخالية علي عروشها, وبعضهم ممن استقر بجسده في المهجر تاركا عقله ووجدانه هناك حيث بورسعيد العاشقة للحياة والبحر والامل في النصر والعودة. وبين ثنايا الشوق لبورسعيد والتمسك بآمال مصافحتها من جديد وإن طالت السنون واستحالت الاسباب. انطلق شعراء العامية ببورسعيد في مهمة هي الاصعب حتي من مهام حملة السلاح.. مهمة مطاردة مشاعر الحزن والالم لدي أهالي المدينة بمحافظات الجمهورية والمئات ممن قرروا البقاء بالمدينة للحفاظ علي البقية الباقية من حياتها وكل حياتهم التي لم يتخيلوا لها بلدا بديلا. من بين الصفوف يتقدم الشاعر البوسعيدي الاصيل عم كامل عيد ليقدم سطور الاعتذار الاولي لبورسعيد عن تركها وحيدة: استوطنوا أرض القنال.. هجرت بيتي ومركبي وصحبتي.. وخطفت في إديا العيال.. وجريت بعيد ومش بإيدي يا بورسعيد.. كنا بنجري بدون هدف.. بغير وداع.. هجرة وضياع.. توهنا وضاع فينا الأمل.. كما سفينة اتسوحت لا فيها دفة ولا شراع.. ورسينا علي شط الندم.. لقينا ناس من أهلنا مستنظرين.. مدوا الإدين وحوطونا.. سمعنا في صدرهم نفس الأنين.. نفس الندم. ويكمل كامل عيد عميد شعراء بورسعيد دوره الوطني بالكلمة والأغنية ليلهب حماس البورسعيدية المقيمين بالمدينة الذين أطلقت عليهم الحكومة مسمي المستبقيين ومن بين شباب بورسعيد هواة الفن والسمسمية وزملاؤه العاملين بالترسانة البحرية لهيئة قناة السويس, ينشئ كامل عيد فرقة شباب النصر, بالتزامن مع فرق الصامدين وضمة العثمانلي ومرسي بركة والكابتن غزالي وفرقة شباب البحر بالإسماعيلية والسويس, والتي طافت بمحافظات الجمهورية وصفوف الجنود علي الجبهة لتحيي الآمال في النصر والعبور العظيم في نفوس جميع المصريين. يذكر تاريخ تلك المرحلة من تاريخ المقاومة بالمدينة الباسلة, انه وفي نهاية عام1969 تكونت فرقة شباب النصر من ابناء بورسعيد, وكان هدفها هو انشاد وغناء الأغاني الوطنية والشعبية التي تعزف علي السمسمية, وقد قدمت كثيرا من الأغاني والاناشيد التي مازالت فرق السمسمية المتعددة تقدمها, حتي الآن لمؤلفين بورسعيدية, وفي ايام التهجير لم يكن هناك أي ملحن للسمسمية, فتولي الشاعر كامل عيد تلحين الأغاني التي قام بنظمها, وغيرها من الأغاني الاخري وقد نالت استحسان الجميع وكانت كل اغنيه تحفظ مع اللحن اول بأول. يذكر من عاصروا بدايات الفرقة انها كانت تتواجد في مكان واحد, واحيانا في مخبأ واحد مع الشاعر كامل عيد, لانهم كانوا جميعا من متطوعي الدفاع المدني والشعبي, والعاملين بالمجهود الحربي في الترسانة البحرية ببورفؤاد, وقد قامت الإذاعة والتليفزيون بتسجيل كثير من أغاني الفرقة طوال فترة التهجير, وكانت تذاع في برنامج انغام من بلدنا وخلال بعض السهرات المذاعة بالبرنامج العام يوم الجمعة من كل أسبوع, واثناء حرب الاستنزاف تم انشاء جمعية شباب النصر للفن الشعبي المشهرة برقم124 في يناير1973 بنادي العمال ومقرها الحالي نادي بورسعيد الرياضي منذ العودة من التهجير. ويقول الشاعر كامل عيد إن اول مجلس ادارة للفرقة قد ضم كلا من حسن عيد عمار عضو مجلس الشعب والرفاعي حمادة مسئول الدفاع المدني والسيد ابو النصر مسئول الدفاع الشعبي ومحمد ابراهيم الحديدي امين الصندوق وصابر عبدالرحيم سكرتيرا وكامل عبدالعزيز عيد مسئولا فنيا ومحمد الشريف مخرجا. ويضيف ان الفرقة ضمت في تشكيلها الاول في الفترة من عام1969 وحتي العودة في اغسطس1974 حوالي38 فردا ما بين راقص وعازف ومنشد ومطرب وكورال, وانضم لهم بعد العودة21 فردا آخرين. ويقول عيد إن الرئيس الراحل انور السادات استمع للفرقة وأعرب عن اعجابه بإنتاجها ودورها الوطني, وكذلك كبار الملحنين بالقاهرة ومن بينهم الراحلان كمال الطويل وسيد مكاوي, وبلغ الاعجاب بها حد اختيار اغنيتها ورقصتها المعروفة طازه وعال يا ام الخلول وهي من تأليفي وتلحيني, لتكون الرقصة الرئيسية للفرقة القومية للفنون الشعبية الي جانب رقصة البمبوطية الشهيرة. ومن رأس البر أكبر تجمع لمهاجري بورسعيد بالمحافظات, انطلقت كلمات والحان الفنان الراحل والشاعر البورسعيدي ابراهيم الباني, لتنشر الامل في النفوس حيث ينشد مع فرقة شباب المهجر رائعته التاريخية والتي رددها الآلاف من ابناء بورسعيد في كل مكان فجر الرجوع اهو لاح ويقول فيها: فجر الرجوع اهو لاح روح يا دمع العيون واطلع يانور الصباح وافرش ضياك ع الغصون نور بلدنا الحبيبة خلي السحابة الكئيبة تبعد عن الشمس وعن ضي القمر عشان خلاص راجعين راجعين بورسعيد ويقول الشاعر البوسعيدي الفنان محمد عبد القادر الحائز علي جائزة الدولة التشجيعية وصاحب ديواني طرح البحر ووشوش ورائعة علي الحجار يا طالع الشجرة: الموروث الشعبي لدي فناني وشعراء بورسعيد والمكتسب من تجربة الدفاع عن المدينة في مواجهة العدوان الثلاثي الغاشم في حرب1956 كان القاعدة التي ارتكزوا عليها في مواجهة العدوان الصهيوني الغادر في حرب67 لذلك كانوا الاسبق في اطلاق أغاني المقاومة والنضال بعد النكسة مباشرة.. وكانوا اول من أطلق صيحات الرفض للواقع المؤلم بالمدينة وخارجها. ويضيف ان الارتباط الوجداني بإنتاج هذه المرحلة العصيبة خاصة ما جري غناؤه علي السمسمية جاء ليحول تلك الاغنيات الخالدة الي تراث شعبي يجري تداوله وغناؤه في جميع حفلات فرق السمسمية حتي الآن علي الرغم من مرور اكثر من40 عاما علي انتاجها لأول مره, واختلاف الظروف تماما ما بين مرحلة غنائها الاولي والثانية وهو ما يعكس تجربتها الفريدة في تحدي الزمن والدليل هنا استمتاع الجميع في بورسعيد كبارا وصغارا بغناء فجر الرجوع اهو لاح للشاعر الراحل ابراهيم الباني رغم العودة لبورسعيد من أربعة عقود. ويقول محمد خضير مدير عام قصر ثقافة بورسعيد السابق ان جميع المحاولات التي بذلها شعراء تلك المرحلة الصعبة من تاريخ الوطن وبورسعيد لجمع تراث فترة ما بعد النكسة والحفاظ عليه من الاندثار لم ترق للمستوي المأمول من جانب الجهات المختصة وعلي رأسها وزارة الثقافة وهنا نذكر بالخير مجهودات الشاعر الكبير كامل عيد لجمع تراث فرقة شباب النصر وانتاجه الكبير وتسجيله صوتا وتدوينا للأجيال الجديدة, ومجهودات الشاعر الفنان محمد عبد القادر وبقية فناني الفرق الشعبية بالمدينة للحفاظ علي فن السمسمية بصفه عامة من الاندثار.