صارت داعش هي السر واللغز الأعظم الذي يترنح حياله العقل السياسي في الساحة الدولية, وبات إشعال فتيل حرب المائة عام المذهبية في الشرق الأوسط وشيك الحدوث كما قال كسينجر, ذلك بعد أن تلاشت تلك الأنظمة البائدة وتجلت الأصوليات الإسلامية في بشاعتها بديلا أفضل وآلية مثلي لخوض إستراتيجية تفكيك وتفتيت المنطقة العربية وإحالتها إلي ركام, من ثم ذبول معني الجغرافيا وانزواء قيمة التاريخ!! وهاهو المدعو أوباما, أو ذلك الصنم الأمريكي يتحرك مسرعا وينفض عن ذاته هالات الخبل السياسي بعد أن ظل مطموسا لأمد غير قصير تبعا لآلة الزمن الأمريكية التي تتسارع عقاربها محققة إصطداما تاريخيا علي أصعدة شتي. فها هو يأبي خائفا أن تتصدي أمريكا منفردة لذلك الشبح المرعب والمزلزل لجنبات الكرة الأرضية, لذا فهو يستعدي عليه جميع التكتلات السياسية أملا في إستنفار حشد دولي يعتصم به ويحصد معه النتائج وتتوزع عليه المسئوليات ويحقق خلاله البراءة الحضارية لأمريكا!! لكن تبعا للمنطق الإعتيادي تباينت مواقف الدول الكبري وتبعا أيضا لمعطيات اللحظة الفارقة من حيث تقييم طبيعة ذلك التنظيم الإرهابي المسمي داعش ومن الذي اسهم في تكوينه؟ وكيف تشعبت خلاياه ؟ وما أهدافه ووسائله ومصادر تمويله وإمكاناته العسكرية ودرجة خطورته علي الصعيد الدولي وعلي التوجهات القومية لكل طرف مدعو للتحالف ؟ فمن قاعدة ماكديل الجوية بولاية فلوريدا انطلق أوباما في تقديم هرطقات كثيرة لم تخرج في مجملها عن أن الضربات الجوية ستكون هي المساهمة الأمريكية الرئيسية والفاعلة في الحرب ضد داعش وإبادتها, وأن حشده الدولي قد شارف علي نحو أربعين دولة واستبعد النظر إلي أن الحملة الأمريكية ضد داعش هي قضية الغرب ضد الشرق إذ أن جميع مسلمي العالم يدركون تماما أن العناصر الإجرامية لداعش ليسوا من الإسلام في شيء, لذا فالولاياتالمتحدة لن تنوب عن شركائها في حماية منطقتهم لأنها بالطبع ليست معركتها في المقام الأول بل معركة الجميع بالضرورة, لكنه في النهاية قد أفصح عن تلك الحقيقة الزائفة التي تقدمها أمريكا دوما للحلفاء والأعداء علي السواء, وهي أن أي شائبة كونية تعد مهددة للأمن القومي الأمريكي, وبالطبع لم تخرج داعش عن أن تكون ممثلة لأكبر التهديدات في بدايات العقد الثاني من هذا القرن. لكن التناقضية الكارثية في خطاب أوباما تكمن في تأكيده لدعم الحكومة العراقية لمواجهة داعش, وفي الآن ذاته دعم المعارضة السورية المسلحة في مواجهة التنظيم المعادي بينما المترسخ يقينا أن هذه المعارضة المسلحة ماهي في حقيقتها إلا تنظيم داعش وتنظيمات أخري موالية, وكأنه بذلك يؤكد أن ما يحدث من الجماعات الإرهابية في المنطقة هو صنيعة أمريكية, وهو نفس ما طرحه تقرير جلوبال سيرش من أن الولاياتالمتحدة لا تستهدف علي الإطلاق دعم الإستقرار أو زرع الإعتدال في المنطقة الجحيمية من العالم المسماة بالشرق الأوسط لأنها تسعي دائما في إستكمال مسار المؤامرة إغراقا لهذه المنطقة في حرب طائفية لا تستطيع الإنسلاخ منها في ظل تمويل وتسليح الجماعات المتطرفة, من ثم فداعش, هي صناعة أمريكية خالصة وهي المسخ المعاصر لتنظيم القاعدة. ولعل المساعدات التي قدمتها الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلنطي للإرهابيين خلال القتال في سوريا لا يدع مجالا للشك في أن المؤامرة التي وصفها الكاتب الأمريكي سيمور هيرش تم تنفيذها بشكل صارم عن طريق إيجاد قوة شيطانية من المتطرفين لإثارة الفتن وإستفزاز النعرات الطائفية التي ستفضي حتما إلي حمامات من الدم المحتدم عبر الحدود المتعددة والمرشح للتوسع بشكل أكبر ما لم تكن هناك موانع استراتيجية تحول دون ذلك. ويتطرف الخطاب الأمريكي ثانية ليؤكد انطلاقا من حرص حميم علي الإسلام وصورته وتاريخه ومستقبله وحماية للعالم العربي والإسلامي من غوائل داعش وموبقاتها العقائدية لأنه بالطبع أشد حمية علي الإسلام من أهله وأعرف منه بقيمته وأقربهم إلي روحه ومقاصده وغاياته العليا- إنه يحارب فكرا معوجا يشوه الإسلام, ومن ثم فإنه علي العرب أجمعين لا سيما الزعماء والواعظين ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية كافة أن تعمل بجدية خلف رسالة مؤداها أن داعش لا تمثل نسخة نقية من الإسلام بل هي مسخ شائه له. ولعل لغة الخطاب السياسي الأمريكي هذه لا تنطوي علي منطق فهي ساذجة البناء هشة التراكيب جوفاء المعني بعيدة عن طبيعة الواقع الذي تصوره لأنها تنهض برسم واقع إفتراضي يتسق ومصالحها ليس غير وهو ما يسجل بذاته دعوي للتساؤلات حول: هل القضاء علي تنظيم داعش في حاجة إلي تحالف دولي؟ وهل يعد وجود هذا التنظيم خطرا علي الأمن الكوني؟ وهل كانت أمريكا غافلة عن تمدد داعش وتنامي قدرتها العسكرية واختراقها للأفق الإقليمي حتي أصبحت ماردا يهدد الأمن القومي الأمريكي؟ بل كيف صار تنظيما متعدد الجنسيات؟ وهل ينطوي الخطاب السياسي الأمريكي علي عمق مستتر يمكن خلاله الكشف عن أن أمريكا لا ترتجي إلا الإبقاء علي داعش أملا في تحقيق أهدافها الكبري في المنطقة من نشر الفوضي وإقامة دولة كردية شمال العراق معتمدة علي فلسفة الإبتزاز المالي لدول الخليج لتستطيع أن تعيش هذه الدول في مأمن من مخاطر التنظيم الشرس ؟