في مطلع السبعينيات وضع الرئيس الراحل أنور السادات الأساس لمشهد سياسي مصري مغاير, بتحقيق توافق سياسي شفهي مع قادة' تنظيم الإخوان غير الشرعي', بمقتضاه يعود التنظيم من الشتات ليمارس نشاطه داخل مصر, دون صدور قرار سياسي أو إعادة توفيق النظام لأوضاعه القانونية غير الشرعية, أهليا منذ نهاية الأربعينيات, وسياسيا منذ منتصف الخمسينيات. وعلي مدار سنوات عصر السادات نهض التنظيم بأوضاعه, وتمكن من استعادة نشاطه باستراتيجية وضعته علي الخريطة السياسية كطرف أساسي وداعم للدولة في مواجهة المعارضة السياسية, غير أنه, وبنهاية السبعينيات, نكص عن عهده للسادات, وخرج عن خطوط الاتفاق بالانضمام للمعارضة الحزبية في مناهضتها اتفاق كامب ديفيد, بعد استشعار' التنظيم' دخول النظام في صدام مباشر مع ظاهرة الإرهاب والعنف, وجذري مع كل ألوان الطيف السياسي المصري. صدام' التنظيم' ونكوصه بعهده واتفاقه مع السادات في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات, سرعان ما تحول إلي فرصة جديدة مع رغبة الدولة المصرية بإعادة ترتيب الأوضاع السياسية الداخلية وصياغة المشهد السياسي وفقا لقواعد وأسس وعلاقات مغايرة لما كانت عليه, تضع أساسا لمستقبل مختلف, وتعيد ترتيب الأولويات, وتفتح المجال لاستعادة الحالة السياسية التعددية في البلاد. نجح' التنظيم' في مواصلة سياسة التواجد المؤثر عبر تحالفات سياسية متنوعة: تارة مع حزب الوفد, وتارة أخري مع حزب العمل, وعبر أداء اقتصادي غير معتاد في التركيبة السياسية, مكنه من الحلول ضمن المعادلة السياسية الاقتصادية المؤثرة, وجعل منه طرفا أصيلا في المعادلة لا يمكن تجاهله أو تجاوزه, خصوصا وأن قيادات' التنظيم' المتتالية حافظت بمهارة شديدة, وبأداء انتهازي متفوق علي علاقاتها مع الدولة مستفيدة من دروس الماضي البعيد في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, والماضي القريب في عهد الراحل أنور السادات. لكن ما ميز' التنظيم غير الشرعي' في السنوات العشر الأخيرة طموح متزايد للسيطرة علي المشهد السياسي, واستثمار ما جري خلال ما يزيد علي عشرين عاما من التواجد الداخلي والعلاقات الخارجية المؤثرة للحلول بديلا عن كل الأطراف السياسية, والصعود كبديل سياسي للدولة الوطنية المصرية, ووضع أساس بناء الدولة الدينية. وساعد' التنظيم' علي الانطلاق لآفاق الطموح الجديد علو نجمه محليا وإقليميا ودوليا, مقابل تراجع واضمحلال لمكونات التيارات السياسية المصرية المختلفة, مع رغبة من بعض المكونات السياسية في التحالف معه برؤية انتهازية لتعويض خسائرها المتوالية بين الرأي العام, كما ساعده علي ذلك شروع بعض من المحسوبين علي النظام المصري في التعامل معه, وفقا لمنطق يمنع الصدام الجذري, ويكتفي بما يمكن تسميته' سياسة شد الأذن' علي مراحل متفاوتة. ويفسر ذلك عودة' التنظيم غير الشرعي' تدريجيا للتواجد علي الساحة السياسية من خلال الانتخابات التشريعية, واعتماده في جزء من رؤيته السياسية علي تأهيل المجتمع كله للتصادم مع الدولة بكل هيئاتها وأجهزتها, وخلق حالة من الاستعداء للمشهد السياسي المصري, وصياغة وجدان المصريين بزعم الدفاع عن الدين لخلق حالة تكفيرية بشكل غير مباشر في المجتمع, ولعل توسيع دائرة المشاركة في الانتخابات البرلمانية خلال عشر سنوات بصورة لافتة للنظر يدعم الحديث عن تأهيل' التنظيم' داخليا لحالة انقلابية علي الجميع. الفارق بين نهاية السبعينات و2010, أن التنظيم في الحالة الأولي اصطف بين صفوف الأحزاب السياسية التي كانت متواجدة بقوة, كما أنه كان ينقلب علي تعهده مع السادات في أوضاع سياسية لم تكن مؤهلة ليصبح' التنظيم' القوة الأولي والوحيدة علي الساحة السياسية. أما المرحلة الحالية فإن التنظيم يتحرك في إطار محلي وإقليمي مختلف, ووفقا لرؤية وأهداف متباينة لا تهدف من ورائها للانقلاب علي إتفاق مع النظام السياسي وفقط, وإنما هو انقلاب علي المجتمع كله. في هذا السياق يأتي البلاغ المقدم من الحزب الوطني إلي النائب العام ضد' التنظيم' باعتباره تنظيما غير شرعي يعمل بالمخالفة للدستور والقانون, ويرشح أعضاءه وأنصاره للانتخابات, ويمارس الدعاية بجلاء وبوضوح وعلانية, وهو ما يعد مخالفة قانونية ودستورية تستوجب التعامل معها والتحقيق في شأنها, لإعلاء كلمة القانون في المجتمع. بداية, فإنها المرة الأولي التي يقدم فيها الحزب الوطني علي مثل هذا الإجراء, وهو يمثل عنفا قانونيا غير مسبوق, وتعامل يهدف إلي اجتثاث التنظيم من جذوره, وليس التعامل مع الظواهر الانتخابية وتداعياتها, وهو إجراء يخرج من إطار المواجهات السياسية الوقتية, إلي تعامل له رؤية واستهدافات مستقبلية, سوف تظهر تفاعلاتها بصورة أكثر وضوحا مع تداعيات الإجراء وما سيترتب عليه خلال الأسابيع المقبلة. لقد اعتاد التنظيم منذ مطلع السبعينات, ومع صيغة التوافق السياسي التي أبرمها السادات, علي أن يتعامل مع الدولة بمفهوم' القطعة قطعة', وتجاوز الأزمات المتفجرة بإبرام اتفاقات وتقديم تعهدات لتجاوز الأزمات, وساعده علي ذلك منطق تسامح سياسي أقرته الدولة المصرية مع الجميع منذ العام1981, غير أنه في هذه المرة سيجد نفسه في أغلب الأحوال أمام منطق مختلف واستهداف مغاير. السادات الذي أبرم الاتفاق مع' التنظيم' لمواجهة خصومه السياسيين من الناصريين واليسار, رفض وبشدة إعادته لأوضاع قانونية, أو منحه الترخيص القانوني بإعادة إشهار الجمعية الأهلية, أو حتي ترخيص إصدار صحيفته, واكتفي بأن يسمح له بالتواجد وممارسة النشاط بما فيها إصدار مجلة' الدعوة' دون أوضاع قانونية رسمية, وهو الطلب الذي حاول قادة' تنظيم الإخوان غير الشرعي' وقتها الحصول عليه غير أنهم فشلوا في ذلك لإصرار السادات علي الرفض. صيغة التوافق السياسي غير المعلن أو المكتوب والقائم منذ عصر السادات, والذي خضع لبعض المتغيرات أخرجته من صيغة' التوافق السياسي' وأخضعته لمضمون' التسامح السياسي' يواجه عاصفة عاتية, بعد أن أظهر التنظيم عزما وتصميما غير مسبوق علي الانقلاب ضد الدولة بكل مكوناتها وعناصرها, لإزالة ركائزها المدنية وتحويلها إلي دولة دينية في إطار تصور إقليمي نجح في بعض الأراضي العربية ومازال يجاهد محاولا النجاح في البعض الآخر. ليس مستبعدا أن نشهد في القريب مواجهة قانونية علي مستوي مختلف مع' تنظيم الإخوان غير الشرعي', وهي مواجهة تستهدف إعادة الاعتبار لدولة القانون واحترام نصوص الدستور, وتضع في الوقت ذاته الأساس لمرحلة مختلفة تكون فيها الشرعية للمرجعية الأساسية للدولة الدستور وليس لتوافقات سياسية هنا أو هناك, ربما تنجح في مرحلة لكنها تضع أساسا لإرباك الحالة السياسية في مرحلة أخري. [email protected]