يمثل المال السياسي العامل الأقوي تأثيرا في حجم واستقرار التحالفات الانتخابية, سواء الحزبية أو الشبابية أو المستقلة, وذلك بسبب ضعف القدرات المالية لتلك القوي المتنافسة انتخابيا, ما سوف يكون له آثار سلبية تتمثل في تفتت القوي المدنية, وعدم انسجامها في تحالف واحد, وفي محاولة اصحاب المال السياسي السيطرة علي المقاعد الرئيسية بالبرلمان, بدءا برئيس المجلس مرورا بالوكيلين واللجان حتي تشكيل الحكومة. كيف يؤثر المال السياسي علي التحالفات السياسية؟ يؤثر المال السياسي في مسار التحالفات الانتخابية عبر عدة طرق وأشكال, وتتمثل أهمها في: 1 التمويل المباشر, ويعني تدخل أصحاب المال مباشرة في دعم تحالفات انتخابية بعينها, أو دعمهم مباشرة لأحزاب تعتبر جزءا من هذه التحالفات. وهنا نشير إلي أن حجم التحالف يتسع ويضيق بحسب معدل التمويل, فنجد تحالفات قوية ماديا تضم قوي سياسية مختلفة التوجهات, وقد يصل معدل تكلفة المقعد فيها مايقرب من مليون جنيه, كما يرتفع معدل مصاريفها الدعائية إلي أقصي حد, ويأخذ التمويل المباشر للتحالفات عدة أشكال, أهمها: أ استقطاب بعض التحالفات لرجال أعمال للترشح علي قوائمها, من أجل المشاركة في عملية تمويل التحالف, ويتسع تأثير هذا الشكل من التمويل كلما زاد عدد الداعمين للتحالف والمتحالفين معه من أحزاب تتحمل مصاريفها الدعائية. وهذا الشكل من أشكال تسلل المال السياسي للتحالفات يتضح بشكل خاص في تحالف الجبهة المصرية. ب استقطاب بعض التحالفات رموزا وطنية وشبابية ثورية للترشح علي قوائها, مقابل تحمل التحالف كافة المصاريف الدعائية. يتميز هذا النوع من التحالفات بصغر الحجم والبعد عن الاتساع, علي اعتبار أن المال السياسي هو المتحكم في عملية اختيار المرشحين, والتصويت لهم وهذا الشكل أكثر وضوحا في قوائم حزب المصريين الأحرار. ت الجمع بين العصبية والقبلية والمال, حيث تقوم بعض التحالفات خصوصا التي تقودها أحزاب كبيرة, ورموز برلمانية باستقطاب عائلات وعصبيات ذات ثقل انتخابي ومادي للترشح علي قوائمها وباسمها, هذا الشكل موجود بشكل واضح في محافظات الصعيد والشرقية, ويعتبر عنه تحالفا الوفد المصري و الجبهة المصرية. 2 تمويل غير مباشر وغير معلن, حيث يخترق المال السياسي التحالفات المستقلة التي تجمع بين رموز للبرلمانات والأنظمة السابقة, وممثلين لتحالفات دينية تحمل أسماء لاتعبر عن اتجاهها السياسي والديني. ويأخذ التمويل غير المباشر وغير المعلن لتلك التحالفات عدة أشكال, أهمها: أ تمويل بعض رجال الأعمال لبعض التحالفات بطريقة غير معلنة, ليكون لهم نواب في البرلمان للدفاع عن مصالحهم, وحماية مكتسباتهم. وهذا الشكل يرتبط أكثر بتمويل تحالفات المستقلين من النواب السابقين, حيث من المحتمل أن يقوم بعض رجال الأعمال بتمويلها لمنافسة قوائم ومرشحي المصريين الأحرار,بهدف منع سيطرة تحالف بعينه علي البرلمان. ب دعم عيني, وهذا الشكل من أشكال تسلل المال السياسي للتحالفات يتمثل في دفع جهات داخلية لتبرعات عينية مثل: اليافطات والملصقات, أو توزيع أوراق دعائية, أو عمل مؤتمرات للمرشح. ومن المحتمل أن يستخدم هذا الأسلوب في بعض التحالفات الدينية, مثل قوائم أحزاب النور و الوطن و البناء والتنمية في حال خوضها الانتخابات, خاصة مع تراجع الدور الاجتماعي لجماعة الإخوان المسلمين بسبب سيطرة الدولة علي معاقلها. ت التمويل ما قبل استقرار التحالف, حيث يقوم بعض رجال الأعمال بتكليف مؤسسات وشركات متخصصة باعداد قوائم المرشحين, ووضع خطط للتحرك في الدوائر, بتكلفة مادية قد تصل إلي مئات الآلاف بهدف اتخاد قرار يحدد اتساع أو تضييق حجم التحالف. هذا النوع من التمويل لايتدخل في تكلفة الخطة الدعائية للتحالف, لأنه مرحلة تسبق تشكيله واستقراره. مخاطر محتملة: يتسبب تحكم المال السياسي في مسار وتحركات التحالفات الانتخابية في عدة مخاطر, قد تكون عاجلة تؤثر في استقرار تلك التحالفات, أو مستقبلية تؤثر في أداء مجلس النواب المقبل, وتتمثل أهم تلك المخاطر في: 1 علي المدي القريب: من المحتمل أن يتسبب تحكم المال السياسي باعتباره المحرك الرئيسي للتحالفات الحزبية في إفشال تشكيل تحالف مدني واحد لمواجهة القوي الدينية التي قد تتسلل للبرلمان عبر تحالفات غير معروفة. وبالتالي قد يحدث صراع مدني مدني علي المقاعد الفردية أو علي القوائم. التحالفات المدنية سوف يتحدد حجمها وفقا لإمكانياتها المادية, ورؤيتها فيما يخص قدرتها علي كسب المعركة. علي سبيل المثال, قد يقتصر المصريون الأحرار في تحالفه علي أعضائه فقط وبعض الشباب الثوريين علي اعتبار أن المال هو الحاسم في كسب أي تحالف لأكبر عدد من المقاعد. وقد كانت العوامل المالية وراء تفكك تحالف الوفد المصري و المصريين الأحرار, بسبب رغبة المصريين الأحرار في تضييف حجم التحالف, واقتصاره علي أحزابها بعينها, في حين أن الوفد المصري حرص علي اتساع حجم التحالف. 2 علي المدي الأطول, أي بعد إجراء الانتخابات, قد يتسبب دعم رجال الأعمال لتحالفات بعينها في سيطرتها علي أكبر عدد من مقاعد البرلمان. ولذلك, وفي ظل وجود تحالفات انتخابية مدنية ضعيفة ومتصارعة, سوف يكون من الصعب وصول كتلة مدنية قوية للبرلمان تصبح قادرة علي تشكيل الحكومة حسب نص المادة146 من الدستور. تشير هذه المادة إلي أن رئيس الجمهورية يكلف رئيس الوزراء بتشكيل حكومة, وعرض برنامجه علي مجلس النواب. فإذا لم تحصل حكومته علي ثقة الأغلبية خلال شهر, يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز علي الأكثرية في البرلمان, فإذا لم تحصل حكومته علي ثقة الأغلبية خلال شهر أصبح مجلس النواب منحلا, ويدعو رئيس الجمهورية لإنتخاب مجلس نواب جديد, ما قد يدخل البلاد في أزمة سياسية ممتدة. من جانب آخر, إذا نجح تحالف مدعوم من رجال أعمال في الحصول علي نسبة كبيرة من المقاعد, فسوف يلعب دورا في تشكيل الحكومة, وبالتالي سنجد دورا مباشرا لرجال الأعمال في وضع القوانين, الأمر الذي قد يكون عائقا لأداء الرئيس لمهامه, بل قد يخلق معارضة غير بناءة. في النهاية يمكن القول إن تدخل المال السياسي في تحديد مسار التحالفات الانتخابية قد يؤدي إلي تفكك التيار المدني إلي عدة تحالفات متنافسة تفشل في السيطرة علي جميع مقاعد البرلمان في مواجهة القوي الدينية التي ربما تتسلل للبرلمان عبر تحالفات غير معلومة, أو يحصل تحالف مدني واحد أو تحالفات علي نسبة من مقاعد لاتؤهلة لتشكيل الحكومة, وبالتالي تحدث أزمة برلمانية. تعريف الكاتب: إحدي برامج المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية