يهيمن التعاون علي علاقات الدول بشأن موارد المياه الدولية. ففي أكبر دراسة كمية للصراع والتعاون بشأن موارد المياه في العالم, توصل الباحثون في جامعة أورجين إلي أن التعاون يهيمن علي علاقات الدول النهرية أكثر من الصراع والحروب حيث تصل نسبة التعاون مقابل الحروب والنزاعات الي1,7% وذلك منذ عام1948 وخلال ال60 عاما الماضية وقعت الدول النهرية اتفاقيات تعاون تاريخية بلغت295 اتفاقا تم التوصل إليها بعد مفاوضات مقابل37 حربا ونزاعا حول المياه. ومن ثم كما يؤكد حسام الدين ربيع الامام الباحث المتخصص في موارد المياه الدولية ومياه النيل وذلك في دراسة صدرت في كتاب باللغة الانجليزية صادر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة بعنوان نهر النيل ومرحلة مابعد الاستعمار تحرير خبير المياه العالمي والمتخصص في دراسات مياه نهر النيل واستاذ الجغرافيا في جامعة برجن واستاذ العلوم السياسية في جامعة اوسلو أن التعاون بين دول المصب في حوض النيل أصبح أساسيا بشأن حماية وحفظ المياه واستخدامها استخداما جيدا وخاصة لمسألة الفاقد الضخم من المياه كما أن التسهيلات التكنولوجية الحديثة والخبرات الفنية والتقنية من الممكن ان تساعد دول المنبع علي استخدام الموارد المتاحة لديها من مياه النيل بشكل وبأسلوب أكثر فعالية كما أن مصر يمكن ان تلعب دورا كبيرا وهاما كإحدي الدول الرئيسية والأساسية بين دول المصب وذلك في تقديم الخبرات الفنية الهامة حيث تتوافر لديها قدرات تقنية وفنية بشكل لا يمكن منافستها بين دول حوض النيل. ويوضح ربيع حسام الدين أن وزارة الري في مصر هي الوكالة الرئيسية المسئولة عن موارد المياه في مصر فهي تسيطر وتدير كل الموارد المائية ومسئولة عن عمليات البناء والاشراف وادارة كل الهياكل المائية وشبكاتها كما أن الوزارة مسئولة أيضا عن توفير جميع الاحتياجات المائية. وأي راصد للتاريخ الطويل لوزارة الري المصرية التي أنشئت عام1836 يجد أن الوزارة لديها هيكل تكنولوجي لادارة المياه علي مستوي رفيع كما أن الوزارة تذخر بكوكتيل كبير وضخم من الخبرات الفنية والتقنية والتكنولوجية وجيش ضخم من الموارد البشرية المؤهلة والمدربة فبالسبة للخبرات التكنولوجية فإن هناك مركز البحوث المائية بجانب12 معهدا بحثيا تم تكليفها لتنفيذ خطة بحوث شاملة لخدمة مستمرة للمشروعات والخطة الومية بشكل عام كما أن مركز البحوث المائية لديه وحدة أبحاث استراتيجية ومعمل مركزي لمراقبة معايير الجودة البيئية ونظام معلومات جغرافي ومركز توثيق ومكتبة مركزية متخصصة بمستوي متقدم ورفيع وعبر خبراته الواسعة, يقدم مركز البحوث المائية استشاراته التقنية والفنية لجميع الوكالات الحكومية وللقطاع الخاص ويلعب المركز أيضا دورا ملحوظا في بناء القدرات الفنية عبر مشروعات التدريب المحترفة لأي متخصص في موارد المياه سواء في مصر أو الدول الأخري. وقد قام المركز كما يقول الباحث بأبحاث وعمليات نقل تكنولوجيا لمعالجة المشكلات المتنوعة التي تواجه قطاع المياه. وقد عززت نتائج البحوث والدراسات التي قام بها المركز بشأن ادارة موارد المياه في تحديد جودة وكميات المياه وحجم الأراضي التي يمكن ريها وحجم الفاقد من المياه في مصر والمياه التي يمكن استخدامها واستغلالها بشكل وباسلوب آمن في الري وكما كان لتلك البحوث دور في تقييم نظم الري واقرار النظم الجديدة بعد ادخال تحسينات عليها. ولمساعدة صناع القرار وعمليات الادارة, اعتمدت التكنولوجيات الجديدة وتبنت بشكل كبير نماذج رياضية ونظم تعزيز صانع القرار مثل ماتم تطبيقها في قناطر اسنا الجديدة. وعلي المستوي والصعيد الدوليين, لعب مركز البحوث المائية في مصر دورا كبيرا حيث كان وحدة التنسيق لشبكة موارد المياه الافريقية وعضوا في شبكات موارد المياه الدولية كما أقام المركز علاقات تعاون راسخة مع العديد من المنظمات والهيئات والبرامج الدولية التي تشمل عمليات نقل تكنولوجيا وتدريب وتبادل الخبرات الفنية والبشرية واقامة المؤتمرات والندوات وتقديم التسهيلات المختلفة في هذا المجال الحيوي والهام. فقد قام المركز التابع لوزارة الري بتنمية وتطوير الاجراءات والأليات التنظيمية لتعزيز القدرات الفنية الاحترافية لأي دول افريقية وعربية ودول البحر المتوسط في مجالات الري وادارة موارد المياه وتطويرها. آلية التحرك والعمل الجماعي في حوض النيل: يشير الرصد التاريخي الي أن زيادة الصراع في حوض أي نهر يرجع الي وجود نقص في المؤسسات التي تضطلع بعملية التغيير السياسي الهيدروليكي وغيرها وحيث توجد المؤسسات المائية الدولية فإن العلاقات بين الدول النهرية تصبح أكثر تعاونا أكثر من حالة عدم وجود معاهدات أو آليات ادارة التعاون. وإذا أقرت الدول النهرية آليات ادارة تعاون لتوفير الفرص لتبادل الفوائد والمصالح وإتاحة بعض الأدوات وهذا يشمل برامج حماية المياه من التلوث وزيادة الوعي العام وتدشين برامج تعليم وتدريب واتخاذ الإجراءات والاحتياطات لمواجهة الفيضانات وادارة الكوارث الناجمة. كما أن الدبلوماسية المائية يمكن أن تكون فعالة في تسهيل التفاوض والحوار لكن التغييرات في الاتجاهات المؤسسية والعامة والسلوك يجب أن يكون حجر الزاوية عبر جعل قضية المياه قضية كل فرد وكل مواطن وعبر إقامة أليات لدفع وتعزيز التعاون بشأن الأهداف المشتركة لأي عملية تنمية مستدامة. والقوة العظيمة لنظم التعاون المائي في حالة اقرارها فإنها تميل الي التسوية حتي في فترات الصراع ويمكن استثمارها في آليات التنفيذ وعملية ضرورية لتعزيز التفاعل وضمان تعاون مثمر وفعال بين الدول النهرية كما يمكن أن يكون التعاون طريقا نحو آليات التنفيذ. وفي أفريقيا تم إطلاق فكرة آليات التعاون الجماعي خلال اجتماع القمة لرؤساء وزعماء القارة السمراء في لاجوس عام1980 وتم اقرار توصيات لإدارة موارد المياه وفقا لخطة العمل الجماعي التي أقرتها الأممالمتحدة في مارس عام977. وتركزت المبادرة علي الدعم والتعزيز المؤسسي كمشكلة يمكن معالجتها والتعامل معها علي صعيد ثلاثة مستويات للمياه في الدول التي لم تؤسس لهذه اللجان وثانيا علي المستوي الاقليمي حيث المؤسسة الاقليمية مثل مفوضيات حوض البحيرة أو النهر يجب تعزيزها. وفي منطقة حوض النيل بدأت عملية وبرنامج التحرك الجماعي بشكل مبكر فقد التقي أعضاء اللجنة الفنية الدائمة لمياه النيل مع ممثلي بحيرة تنجانيقيا وأوغندا وكينيا في أكتوبر1961 لمناقشة اقامة مشروع للمسح الهيدروليكي والبيئي والمناخي لبحيرات فيكتوريا وكويجا ألبرت. وعقب الدراسة المبدئية في عام1963 طلبت خمس دول من دول حوض النيل وهي مصر وكينيا والسودان وتنزانيا وأوغندا بتعاون الأممالمتحدة في مشروع المسح لدراسة مدي التوازن المائي لبحيرتي فيكتوريا وألبرت ووقعت الحكومات المشاركة خطة تعاون في مايو1967 وتم إطلاق العمل في شهر أغسطس في نفس العام. وكان مشروع هيدرومت نموذجا ومثالا ناجحا بشكل كبير للتعاون التقني بين دول حوض النيل الثماني. وكان من الأهداف الطويلة المدي لمشروع هيدرومت هو مساعدة الحكومات علي تخطيط عمليتي حماية وتنمية موارد المياه وتقديم أساس عمل للتعاون الحكومي بشأن تخزين واستخدام وتنظيم المياه. وبينما حقق العمل في مشروعات أعالي النيل تقدما, فإن الحكومات والدول المشاركة مثل رواندا وبروندي والكونغو زائير سابقا قد طلبت تعاون الأممالمتحدة للعمل علي امتداد المشروع ليشمل اراضي رواندا وبروندي المطلة علي بحيرتي فيكتوريا وألبرت بالنسبة للكونغو. وبنهاية1971, انضمت حكومة أثيوبيا إلي المشروع بصفة مراقب وتم حشد معلومات أساسية بشأن المسح الهيدروليكي والبيئي وكان تدريب الكوادر المشاركة في المشروع عاملا أساسيا لنجاح المشروع. وقد قادت مصر والسودان خطة العمل الجماعي التي أقرتها قمة لاجوس عام1980 كما أطلقت مبادرات دبلوماسية لإقرار اطار علي مدي واسع لدول حوض النيل وأثمرت هذه الجهود والتحركات المصرية في اجتماع كينشاسا في3 4 سبتمبر عام1984 وتشكيل مجموعة عمل هي مجموعة ايدونجو والتي تضم مصر والسودان وأوغندا والكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطي وأثيوبيا وكينيا وبدون تنزانيا التي تنضم للمجموعة بصفة عضو واحتفظت رواندا وبروندي وتنزانيا بصفة مراقب وتحولت رواندا للعضوية الكاملة عام1988 وتبعتها بروندي عام2000 وبالرغم من عدم انضمام أثيوبيا إلا أنها عززت خطة العمل وقدمت اطار عمل للتعاون لدول حوض النيل خلال اجتماعات المجموعة التي عقدت في أديس أبابا عام1992. وكان من أهداف المجموعة إقامة آلية لتبادل المعلومات ووجهات النظر والرأي بشأن القضايا المشتركة في منطقة حوض النيل وتركيز اهتمام الرأي العام علي موارد مياه النيل وبالتالي إنجاز وتحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية. ومع تعاقب المبادرات, أرسلت الأممالمتحدة بعثة استطلاعية ثم لجنة تقصي الحقائق لدول حوض النيل لدراسة احتمالات التنمية والتطوير وكان ذلك من أهم ما حققته مجموعة العمل حيث زارت المجموعة الاستطلاعية المنطقة في فبراير ومارس عام1989 وقدمت تقريرا شاملا لعملية تنمية طويلة المدي ولخطة التعاون كما قدمت لجنة تقصي الحقائق لموارد المياه المتاحة ولايمي نتاج الطاقة الكهربائية وحجم الطلب. وهناك مشروع تكنونايل الذي بدأ العمل في عام1993 وخلال الاجتماع الوزاري الثالث في فبراير عام1995 تم مد العمل في المشروع لمدة3 سنوات أخري. مبادرة حوض النيل: خلال الاجتماع الثاني للجنة الاستشارية في أروشا في سبتمبر عام1998, تم التوصل لخطة تحرك وتوجيهات وتوصيات لسياسة جماعية لاقرار مبادرة حوض النيل كبديل لتكنونايل وبهدف تنمية وتطوير موارد المياه في حوض النيل بطريقة وبأسلوب متساو ومستديم وقد جمعت المبادرة جميع دول الحوض لأول مرة. وذكر الباحث أنه من الأفضل اقامة نظام اقليمي عبر خطوات متدرجة وضرورة قيام جميع الدول بتنفيذ مبادرات في هذا الصدد بدون تعاون دولي. وقال أن أحد أوجه الخطوات الناجحة التي حققتها مبادرة حوض النيل هو وضع إطار عمل للتعاون ووضع رؤية مؤسسية في شرق النيل شملت برامج ثانوية لشرق النيل والمنطقة الاستوائية. المشكلات المحتملة: وقد ناقش محللون ومعلقون ما قامت به مصر لوضع اجندة عمل حول القضايا المهمة بينما ركزت أثيوبيا علي المبادئ وتقديرا لحجم الامطار المتوقعة لحوض النيل والتي تبلغ1686 بليون سنتيمتر سنويا الا ان النسبة المستخدمة منها حوالي5% من اجمالي كمية المياه موزعة علي اجمالي دول الحوض وعليه فإنه أدعي لدول الحوض للتعاون لاستغلال المهدر من المياه بالاضافة لحجم المنافع التي سوف تعود من التعاون علي دول الحوض من استغلال الهدر من المياه وهو ما أثير في محادثات الاممالمتحدة عام1977. وتعد مصر من اكبر المستفيدين من الحالة الراهنة حتي ان كانت خطة مصر القومية نفسها في النظام المائي الحالي والذي يقدر55,5 مليار سنتيمتر مكعب بالاضافة للمصادر الاخري للمياه الا أنها لا توفر الاحتياجات المستقبلية لمصر من المياه, والسؤال الذي يطرح نفسه ماهي استفادة دول حوض النيل المثلي من المياه من حيث المنافع والكمية ؟ ومقررات القانون الدولي قادرة علي وضع آليات للتعاون لحوض النيل تتضمن مختلف الادوات اللازمة للتعاون سواء المنافع المائية او الثروات الطبيعية المشتركة ولكن يجب التوصل اولا لتلك الادوات القانونية المحددة للتعاون. كذلك يجب ان تتضمن المبادرة المائية للتعاون المائي الحماية البيئية كما أوصت به جميع المؤتمرات الدولية سواء في ستوكهولم وغيرها.