قليل من التخطيط كان كفيلا بإعفاء أكثر من نصف مليون من أهالي محافظة حلوان من العناء.. ولكن العشوائية أدت إلي إصابة مستشفي حديث بالشيخوخة قبل الأوان.. مستشفي15 مايو العام أقدم من المحافظة, وقد افتتح عام1986, ومنح آنذاك أهالي المنطقةأملا في تلقيهم خدمة طبية جيدة, ثم فوجئوا بأن عليهم الهروب من كارثة. وإخلاء المستشفي نظرا لأن التربة التي بني عليها لا تحتمل ثقل الأحمال. حيث حذر معهد بحوث التربة من أن هناك خطأ فنيا نظرا لأن التربة طفلية.. هذا الحلم الطبي أصبح كابوسا, منذ ظهرت الشروخ في المستشفي عام2003, وترتب علي ذلك إخلاء المستشفي وتوزيع الخدمة الصحية من أطباء وممرضين ومرضي وأجهزة إلي أماكن بديلة داخل محافظة حلوان, تمهيدا لتسليم المبني الي هيئة المجتمعات العمرانية للنظر في أمر المبني بالأزالة والترميم الذي قدر بنحو4.5 مليون جنيه وتم إرسال المبلغ إلي وزارة الصحة للقيام بالترميم, ولكن الوزارة اعادت المبلغ للهيئة بعد عام ونصف العام وشكلت الهيئة لجنة قدرت تكلفة الترميم بنحو9,5 مليون جنيه, وظلت كل جهة تلقي بالمسئولية إلي جهة أخري, كما ظل المبني كما هو عليه حتي الآن. في الآونة الأخيرة أعلن اللواء قدري أبو حسين محافظ حلوان رصد ميزانية تصل إلي15 مليون جنيه لاصلاح المستشفي, بالتعاون مع وزارة الصحة وهيئة المجتمعات العمرانية وجهاز15 مايو. ولد مريضا المستشفي ولد مريضا, إذ خضع للتنكيس أربع مرات.. الأولي بعد أقل من أربع سنوات فقط من البناء لم يهنأ أهالي المدينة بالمستشفي طويلا نتيجة عيوب فنية كبيرة إذ حدث ميل شديد بالمباني الداخلية وتشققات طولية وعرضية بمبني العمليات, وتمت الاستعانة بقواعد خرسانية لإنقاذ المبني الآيل للسقوط وأدت تلك الإصلاحات إلي خوف الكثيرين من التردد علي المستشفي وعزوفهم عن الذهاب اليه, وأصبح تحمل الألم أفضل من صدمة سقوط المبني عليهم في أي لحطة. توقع الأهالي أن يؤدي الروتين الحكومي الي تعطيل إعادة الروح الي المبني وتم تحويل المرضي الي مركز المستشفي بمنطقة الامتداد البعيدة عن المقر الرئيسي, وهكذا تضاعفت معاناتهم, التي شملت المرض والارهاق لطول المسافة. وتستغرق المسافة الي مركز المستشفي بمنطقة الامتداد مالا يقل عن ساعتين داخل مدينة15 مايو للوصول الي مقر المستشفي الجديد, وبمجرد وصولنا الي المبني لم نلاحظ للوهلة الأولي أنه مستشفي بالمعني المعروف, فالمبني عبارة عن مركز مكون من دور واحد, ولا توجد به أي لافتة لتوضح أنه مستشفي لاستقبال المرضي وتوجد لافتة صغيرة تسمي خدمة الطوارئ, ورغم ابتعاد المركز لكننا اكتشفنا أن هناك مرضي يقبلون عليه ومنهم علية محمود بأن سيدة في نحو الستين وكانت تجلس مع ابنتها بالخارج في انتطار طبيب القلب وأبدت استياءها من بعد المركز عن مكان سكنها مؤكدة انها ترددت علي المركز أكثر من مرة, ولم تجد الطبيب المتخصص في حالتها, بالاضافة إلي استقلالها أكثر من مواصلة للوصول إلي المركز, مطالبة بضرورة اصلاح المبني القديم وتجهيزه مرة أخري رحمة بالمرضي من ابتعاد المركز, ولكنها أكدت أن المبني القديم رغم قربه لم تكن تذهب اليه في الفترة الأخيرة مطلقا نتيجة سوء حالته قائلة كنت أشعر بأنه الأرض ستبتلعني أثناء السير عليها اما سميرة منصور( في الخمسين) فجاءت للمركز للحصول علي قرار العلاج علي نفقة الدولة وقالت إنها نادرا ما تذهب للمركز نتيجة بعده عن مقر سكنها وأن المركز يفتقد إلي الإسعافات الأولية حيث جاء بعض المرضي ولم يجدوا الاسعافات الأولية. خدمات محدودة وتقول شريفة أبو زيد( ممرضة بالمستشفي وتعمل به منذ10 سنوات) إنها عاصرت الأزمة التي مر بها المستشفي فبعد تعرضه لشروخ كنا نعيش حالة من الرعب والقلق ثم انتقلنا الي منطقة الامتداد وجميع طاقم العمل منذ سنة وأربعة شهور ونتيجة بعد المركز ترك عدد كبير من الأطباء المركز, كما ان المركز يفتقد الي الكثير من الخدمات ليس بتقصير من القائمين عليه ولكن لعدم توافر الامكانيات والأجهزة اللازمة وضيق مساحته, حيث انه لا يحتوي علي قسم لاستقبال طوارئ أو دكتور عظام متخصص أو عيادات خارجية أو رعاية مركزة مثلا وتأتي الكثير من الحالات, نقوم بتحويلها لعدم تمكننا من إسعافها, ولاتوجد فترات للعمل طوال اليوم كما نعاني من ابتعاد المركز عن جميع الخدمات المتاحة من محلات الطعام, بالاضافة الي الصعوبة التي نواجهها في الانتقال يوميا إلي العمل فهناك سيارات ملاكي نقوم بالاتفاق معها لنقلنا يوميا الي المركز وتسيء استغلالنا. وقد رفض الدكتور أسامة عبد الفتاح مدير المستشفي الإدلاء بأي تصريحات عن سبب الكارثة الحقيقي ولكنه أكد أن مركز المستشفي بالامتداد بالفعل يفتقد الكثير من الخدمات التي كان يقدمها المستشفي القديم. وأكد ضرورة الانتقال إلي المقر الجديد حفاظا علي أرواح العاملين بالمستشفي والمرضي لأن المستشفي لم يعد يصلح ونتمني إصلاح المستشفي القديم والعودة اليه مرة أخري. وأكد الدكتور حامد محمود حنفي استشاري امراض نساءوتوليد بالمستشفي ان اعداد الاطباء انخفضت بالفعل بشكل ملحوظ بعد انتقال المستشفي إلي منطقة الامتداد, ويوجد بالمستشفي حاليا50 طبيبا, ورغم بعد المركز يتردد عليه يوميا ما لا يقل عن350 مريضا, اكثرهم القادمون لصرف العلاج علي نفقة الدولة. واعترف بأن المستشفي بالفعل يفتقد الامكانيات اللازمة لإجراء العمليات الحرجة, ولا توجد به عناية مركزة ايضا, ولكن مهما كانت المتاعب افضل من وقوع المبني علي المرضي والأطباء, وهناك مراكز اخري تتعاون مع المركز لعلاج المرضي مثل مركز عين شمس المتخصص للسموم والغسيل الكلوي والمسالك والجراحة. ويقول الدكتور محمود حسن وكيل مديرية الصحة بمحافظة حلوان, إن بعد المستشفي عن الأهالي لم يعد مشكلة نظرا لان الطرق اصبحت ممهدة والمواصلات متوافرة بالمنطقة ولا تستغرق أكثر من10 دقائق عن المستشفي القديم فمنطقة15 مايو بها اكثر من مستشفي منها الصف واطفيح والتبين وبدر وحلوان والشروق والقاهرة الجديدة ويوجد في مايو اعلانات تؤكد عقد النية لترميم المستشفي من جديد. بعد زيارة المبني ومقابلة المرضي توجهنا إلي مقر المستشفي القديم فوجدنا الحال كما هو عليه, ويحتوي المستشفي علي خمسة مبان اثنين حالتهما جيدة وثلاثة مبان مكونة من ثلاثة ادوار تحتاج إلي ترميم وبصعوبة قصوي تمكنا من التقاط بعض الصور للمكان بسبب اعتراض الحارس علي التصوير, ويمكن لأي شخص ان يرصد مظاهر التخريب والانهيار الذي تعرض له المستشفي. وقال مصدر في هيئة المجتمعات العمرانية برئاسة احمد المغربي وزير الاسكان والتنمية العمرانية ان هناك موافقة علي تطوير المستشفي ومن المقرر ان تقوم الهيئة بدعم وزارة الصحة بمبلغ5 ملايين جنيه, بالإضافة إلي4,5 مليون جنيه متوفرة حاليا لاعمال تطوير واحلال وتوفير التجهيزات الطبية اللازمة للمستشفي, مع قيام الشئون الهندسية بوزارة الصحة بطرح وتنفيذ أعمال الترميم اللازمة لمبني العمليات والعيادات الخارجية بالمستشفي وموافاة الهيئة بالقيمة الختامية للاعمال.وشن أمين سامي عضو مجلس محلي محافظة حلوان هجوما علي الإدارة الهندسية بوزارة الصحة قائلا إنها اتخذت قرارات سريعة دون دراستها ولكنها تكلف الدولة الملايين لان اعمال تطوير المستشفي تتكلف ما يقرب من40 مليون جنيه, وهو مبلغ فلكي لترميم مستشفي حكومي. أما الجهاز التنفيذي لمدينة15 مايو فدافع عن قرار الإدارة الهندسية بوزارة الصحة في شأن أعمال الترميم وتطوير المستشفي قائلا إنه بني علي تقرير يؤكد وجود هبوط في الأرض ادي إلي حدوث شروخ وتصدعات في معظم مبانيه, نتيجة اقتراب المستشفي من مناطق المحاجر التي تستخدم الديناميت بصورة دائمة. وأكد اللواء توفيق عبدالمجيد سكرتير عام محافظة حلوان ان هناك تعاونا بين وزارة الصحة وهيئة المجتمعات العمرانية وجهاز مدينة15 مايو لاصلاح المستشفي لانقاذ اهالي المنطقة من سوء وتردي الخدمة الصحية للمرضي, وذلك بعد نقل جزء من مستشفي15 مايو إلي المركز الطبي بالامتداد والجزء الآخر تم توزيعة إلي مستشفيي حلوان العام والحميات موضحا أنه لم يتم نقل اي أجهزة من مستشفي15 مايو وتم نقل الاطباء الذين كانوا يتقاضون مرتبات ولا يعملون إلي مستشفي حلوان العام. الهدم لا الترميم ولكن اللواء أحمد راشد رئيس حي15 مايو يؤكد أنه لابد من هدم المستشفي بالكامل نظرا لوجود شبكات الصرف الصحي تحت المباني فضلا عن امتداد الانهيارات التي حدثت في المستشفي إلي المساكن المجاورة. ويقول الدكتور جمال الزيني رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب ان مأساة مستشفي15 مايو ليست الأولي من نوعها فتكررت في معهد الاورام ومستشفي الخليفة. والخاسر الأول هم المرضي وبدلا من توفير الخدمة والعلاج لهم نصبح سببا في تعذيبهم, مضيفا ان نقل المقر إلي مكان يبتعد عن المنطقة الرئيسية للأهالي يمثل معاناة اضافية ويجب الا تتوقف القضية علي ذلك وان تحول إلي النيابة العامة, وأن تشكل لجنة هندسية لفتح الملف والتعرف علي سبب انهيارات هذه المباني معتبرا ذلك اهدارا للمال العام. وطالب بمحاسبة المسئولين عن هذه الكارثة.