الأهرام المسائي تفتح ملفات إصلاح الفكر الديني إيمانا منها بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع, دعوة منها إلي وسطية دينية إسلامية ومسيحية ويقينا منها أن إصلاح الفكر الديني يعد الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانية. اصلاح الفكر الديني يواجه أزمات عدة في تفسير النصوص المقدسة ومصداقية المفسرين والمؤسسات الدينية والمتلقي أيضا. وان أي خطوات لاصلاحه لن تخرج إلا من رداء الإصلاح السياسي العام, والانضباط القانوني في الحياة العامة يجبر أصحاب الفكر الديني المتشدد علي الانضباط. هذا ما أكده الكاتب والباحث القبطي هاني لبيب مطالبا بقوانين وقرارات لمحاسبة رجال الدين ووسائل الاعلام التي تؤجج الفتنة الطائفية. وأشار إلي أن هناك برامج فضائية تلعب دورا سلبيا جدا لتأجيج المناخ الطائفي واختراع قصص وهمية, ولا يتناولون الأحداث تناولا محايدا ومحققا ومدققا. * بداية ما هو تعريفك لاصلاح الفكر الديني؟ ** يجب أن نعرف ما هو الفكر الديني أولا, فالفكر الديني هو كل ما يتعلق بفهم النصوص الدينية أو شرحها, والفكر الديني مرتبط بالنص, فلا يوجد فكر ديني ليس له مرجعية فقهية أو نصية مقدسة,. وأنا أري أن هناك خللا في فهم الناس الذين يفصلون الفكر الديني عن النص الديني, فلا يمكن الفصل بينهما, وكلاهما يرتكز علي الآخر, فالفكر الديني يرتكز علي النص, ومشكلتنا هي تأويل هذا النص, والكل يتفق علي أن النص الديني ثابت لكن هناك اختلافات كثيرة علي تأويل وفهم النص طبقا لأحداث العصر أحيانا أو طبقا لفهم المجتهد إذا جاز أن نعتبره مجتهدا فعلا في تفسيره إذا هناك اختلاف علي الاختلاف علي النص وليس علي تفسيره فقط. * بهذا المعني هل تري أن الفكر الديني يواجه أزمة في مصر؟ ** هناك أزمات وليست أزمة واحدة, فالأزمة موجودة في تفسير الدين والمؤسسات الدينية والمفسر نفسه والمتلقي أيضا الذي يعيش أحيانا دور المجتهد ويؤول النصوص ويحاول فهمها طبقا لأهوائه. وليس أدل علي هذا من شيوخ الفضائيات وكهنته الذين يخاطبون ويغازلون الشارع المصري من الجانبين مسيحيين ومسلمين لكي يرتبط بهم ويعتنق أفكارهم وينتصر لها. * ما هي وسائل اصلاح الفكر الديني؟ ** أي فكر ديني لا يمكن فصله عن المناخ العام الموجود في الدولة ككل, فمثلا لو قلنا بامكانية فصل الدين عن السياسة, وهل يمكن تنفيذه؟ هنا يتطلب الأمر النظر إلي التاريخ, والوقائع التاريخية تؤكد أن فصل الدين عن السياسة غير ممكن حدوثه وربما استحالته. ففي كل عصر كان الفكر الديني مرتبطا بالمناخ السياسي وبالسلطة والحاكم, وهذا أوجد اختلافا كبيرا علي تفسير النص الديني الواحد من عصر إلي عصر ومن مدينة إلي أخري. وأنا في تقديري أن اصلاح الفكر الديني يأتي من مناخ الإصلاح السياسي العام, فلو وجد مناخ عام منضبط سيجبر أصحاب الفكر الديني علي الانضباط. * ماذا تقصد بانضباط أصحاب الفكر الديني؟ ** لو قلت إن مصر دولة مدنية تطبق معايير وضوابط المواطنة, وهي مساواة الكل في كل شيء, والقوانين والدستور تنص علي هذا, ومن يتجاوزه يحاسب. بالتالي سيكون هناك مناخ عام منضبط, فاصلاح البلد لا يأتي من مجرد اصلاح الفكر الديني كما يقول البعض بل يأتي من الاصلاح العام. * كيف يكون اصلاح الفكر الديني؟ ** الاصلاح يكون من خلال عدة أدوات, فالعلاج لا يكون منفردا بل يأتي ضمن حلول وعلاج شامل للمنظومة المصرية سواء الاعلام أو التعليم أو المؤسسات الدينية والأهم تطبيق القانون في كل شيء وعلي كل فرد دون تمييز. * ما علاقة تطبيق القانون باصلاح الفكر الديني؟ ** أنا كرجل قانون اهتم بهذه المسألة, فالقوانين صنعت لاصلاح كل شيء, والقوانين تطبق علي الكل دون تمييز والدستور المصري به باب للحريات كفل للمواطنين الحرية في المعتقد والرأي والحريات الشخصية. من هنا لو طبقنا القانون بما يكفل هذه الحريات سيكون هناك رادع لمن يتلاعبون بالدين طبقا لأهواء شخصية أو انتماءات أو أجندات سياسية, فيجب أن يحاسب هؤلاء فورا, خاصة من يؤججون الفتنة الطائفية ويشعلون الصراع بين المصريين باسم الدين. * هل لوسائل الاعلام دور في تعميق الأزمة؟ ** الاعلام, صحافة وفضائيات, أصبح صانعا للكوارث التي تؤجج الفتنة الطائفية, فهناك برامج فضائية تلعب دورا سلبيا جدا لتأجيج المناخ الطائفي واختراع قصص وهمية, وعند حدوث مشكلة حقيقية يهونون منها ولا يتناولونها تناولا محايدا ومحققا ومدققا. وأنا لي بحث عن ظاهرة الصحافة السوداء وذكرت فيه احدي الصحف المصرية التي تصطاد في الماء العكر في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين. وهذه النوعية من الصحف تتناول طريقة المعالجة للحوادث الطائفية العارضة بطريقة مغرضة. كنا في السنوات الماضية نلوم الصحف القومية علي تناول الأحداث الطائفية بشكل جيد ضمن أخبارها, ولكنها أصبحت الآن تتناول الأحداث الطائفية بشكل موضوعي لكن للأسف علي الجانب الآخر أصبحت الآن الصحف الخاصة الموجهة طبقا لتوجهات أصحابها تشعل نار الفتنة وتضخم الأحداث. * كيف؟ ** ما حدث من نماذج نشرتها هذه الصحف, مثلا عندما تشهر بنت مسيحية اسلامها, هي حرة, لكن أن تقوم هذه الصحف بنشر الموضوع علي أن هناك منظمات اسلامية لمقاومة التنصير وكأن مصر انقسمت الي جزء اسلامي وجزء مسيحي وان هناك جمعيات ومنظمات دينية تحاول أن تضم الآخر لدينها, وهذا خاطيء وغير حقيقي ويشعل نيران الفتنة. كما أن احدي هذه الصحف نشرت عنوان مواطنون يضطهدهم النظام المصري وضمت المسيحيين والبهائيين والشيعة والنوبيين والبدو. وكأن البلد انقسمت إلي عناصر مختلفة, هذا كان العنوان رغم أن الموضوع الذي نشر كان مختلفا والمادة المنشورة نعرفها جيدا, لكن وضع عنوان. بهذه الطريقة له ايحاء بوجود عنصرية في مصر. والقاريء عند الإطلاح علي العناوين الرئيسية في أي صحيفة يأخذ انطباعا سيئا بهذا العنوان. * هل التعليم الديني سبب في أزمة الفكر؟ ** هناك مشكلة في التعليم الديني, واصلاحه صار حديث الساعة علي الصعيد المحلي بعد أحداث11 سبتمبر, أي منذ9 سنوات, وهناك كلام يتردد بأن الدولة تقوم باصلاح التعليم الديني, ورغم وجود اصلاح وتطوير للتعليم الديني فإنه اصلاح شكلي فقط بعيد عن المضمون فهناك أكثر من مناخ يؤثر بشكل مباشر في التعليم الديني وهي الجامعات التي تخرج الأئمة والشيوخ والكهنة, فهل هؤلاء متطورون؟ أشك في هذا, فلو كانوا متطورين ما حدث هذا. وهناك مثال صارخ, وهو ميليشيات الإخوان بجامعة الأزهر التي ما ظهرت إلا لعجز المؤسسة عن وضع الفكر الوسطي المعتدل في أذهان الطلاب. وهناك مثال آخر صارخ من الكنيسة وهو الكاهن زكريا بطرس الذي انحرف بأفكاره أيضا, وكلا النموذجان محسوبان علي المؤسسة الدينية المصرية. * كيف يكون اصلاح التعليم الديني؟ ** أولا يجب اصلاح وتطوير فكر القائمين علي التدريس في الجامعات أو المدارس, والواقع يؤكد أن تطوير المناهج دون تطوير القائمين عليه لن يأتي إلا بنتائج عكسية. فالمدرس يغلق قاعة المحاضرة أو الفصل علي الطلاب ويقول ما شاء دون رقيب, فلن تستطيع أن تجعل علي رأس كل مدرس مراقبا, والمناهج للامتحان والكلام الذي يقال هو الذي يبقي في ذهن الطالب للأبد, إلا لو تم تغييره. إذن تطوير التعليم تم بعشوائية ضمن هوجة الكلام عن تجديد الخطاب الديني. فلنسأل أنفسنا ما هو التغيير الذي حدث بعد أحداث11 سبتمبر حتي الآن؟ الشيء الوحيد أننا نضع كلمة تجديد الخطاب الديني ضمن خطاباتنا ومشروعاتنا لكن دون تفعيل أو تطوير حقيقي, أي كلام فقط. فيجب أن نقدم للقائمين علي التدريس أدوات تفعيل أو تطوير حقيقية, أي كلام فقط. فيجب أن نقدم للقائمين علي التدريس أدوات متطورة تتفق والعصر الحديث ليكون اطلاعهم علي المعارف والتطور سريعا. بالإضافة إلي تطوير التعليم بأن يكون مرتكزا علي الفهم والتفاعل بدلا من الأوامر, وللأسف نحن تربي أبناءنا علي طاعة الأوامر فما بالك بالمؤسسة الدينية التي ان اختلف معها عضو اتهموه بالكفر. فكل من هاجموا الدكتور نصر حامد ابو زيدهاجموه لمجرد شخصه لأنه اختلف معهم في الرأي ولم يناقشوا فكره. * ما سبب انحسار التيار المعتدل أو الوسطي؟ ** إذا كان التيار الوسطي أقلية علي مستوي المفكرين فهو شبه منعدم في الشارع, لأن الناس تنحاز طائفيا, بمعني أنهم يميلون للتصنيف الطائفي حتي في اختيارهم المتعاملين معهم في الأمور الحياتية العلنية, المسلم يختار مسلم مثله والمسيحي كذلك. * ما المطلوب لنشر تيار الوسطية؟ ** هناك سلسلة من المؤسسات مسئولة عن ذلك منها الاعلام والمؤسسات الدنية والتعليمية. كما نحتاج لسيطرة القانون علي الأفراد المتشددين لفرض الانضباط وضمان عدم اخلالهم بالوسطية. فالخطر العظيم الذي يواجه اصلاح الفكر الديني أن المعتدلين أصبحوا أقلية ضمن المنظومة الفكرية المصرية. والمثقفون والمفكرون لا يوجد بينهم من يريد أن يأخذ موقفا ويدافع عنه, وعلي حد قول أحد المثقفين لو أخذنا موقفا مخالفا المؤسسة الدينية هتفرمنا. * هل قوة المؤسسة الدينية تعني أنها صارت دولة داخل الدولة؟ ** لا, فالدولة المصرية دولة قوية ومركزية سياسيا ودينيا, وليس من السهل وجود قوي داخلها تجابهها, لكن من السهل أن تنشر أفكارا متشددة داخل هذه المؤسسات الدينية. ولدينا نموذج خطير وهو انتشار التيار السلفي المتشدد داخل المؤسسة الدينية الاسلامية, وهناك نماذج عديدة من رجال الدين الذين يستوجب عقابهم قانونا, فرجال الدين للأسف لا يحاسبون. ومنذ أيام طالعتنا الصحف بأخبار زوجة قسيس المنيا التي ادعي القسيس اعتناقها الإسلام أو اختطافها وأثار بلبلة ثم اكتشفنا أن الأمر لا يزيد علي خلافات عائلية. لماذا لا يحال القسيس وزوجته للنيابة لمعرفة الحقيقة كاملة بدلا من تداول معلومات مغلوطة عن قيام الكنيسة بحبسها داخل أحد الأديرة وزيادة الفتنة؟ لماذا لم يحول للنيابة أيضا أبو اسلام أحمد عبدالله الذي طبع الانجيل ووضع مقدمة بها ازدراء للمسيحية وتشكيك في الانجيل؟ المسئولية تتحملها المؤسسة الدينية بطرفيها اسلامية ومسيحية. وأعتقد أن المتسببين في مثل هذه الفتن لو أحيلوا للمحاكمة وعوقبوا بأحكام رادعة سينضبط الآخرون. لكن الحكومة مقصرة في اتخاذ القرار ربما لأنها تلعب لعبة التوازنات بين المؤسسات الدينية, فالحكومات المصرية المتتالية فشلت في ادارة ملف الأزمات الطائفية. * ماذا عن دور الأجهزة الأمنية في منع الفتنة؟ ** الأجهزة الأمنية دورها منع حدوث الفتنة إذا استشعرت بدايتها أو منع تطورها ووقفها سريعا في حال حدوثها, وليس دورهم تقديم الحلول. لماذا تدفع المؤسسة الأمنية ثمن تقصير المؤسسات الأخري؟ يجب أن تعود المؤسسة الدينية في مصر إلي دورها الحقيقي. * لماذا يلجأ الناس إلي الكنيسة والمسجد حال حدوث أي خلاف بين مسلم ومسيحي وتتحول المشكلة إلي قضية طائفية؟ ** المؤسستان الدينيتان الإسلامية والمسيحية أصابتهما عدوي وتحولتا إلي مؤسسات اجتماعية. فنتيجة لظرف سياسي محدد في السبعينيات حدث تراجع للمسيحيين في المشاركة السياسية, وهو ما أدي إلي تحول الكنيسة المسيحية من مجرد مبني ديني لإقامة الشعائر إلي اقامة مبني خدمات بجوارها يقوم بدور وزارات الصحة والشباب والتربية والتعليم والتضامن الاجتماعي فتجد مستشفي ملحقا الكنيسة وناديا وملاعب ترفيهية لاقامة كل الأنشطة للشباب بعد أن كان النشاط مقتصرا علي مدرسة الأحد. ومثلا أنا في شبرا وللأسف لا توجد مؤسسة موحدة تقيم أنشطة للشباب المسلمين والمسحيين معا. وللأسف لا توجد مؤسسة موحدة تقيم أنشطة للشباب المسلمين والمسحيين معا. هكذا الأمر داخل المساجد التي تحولت لمجمعات خدمية. ومن هنا فالمؤسسات الدينية التي تقوم ظاهريا بدور الدولة, وهي ليست الدولة, أصبحت محط الانتماء الأول للمواطن وبالتالي زاد انتماء المسلم أو المسيحي لمؤسسته الدينية أكثر من انتمائه للدولة. وأصبحت المؤسسة الدينية هي مصدر التوجهات والتوجيهات أيضا. ومن هنا فإن ظاهرة لجوء المواطن لرجل الدين في كل شي أصبح أمرا بديهيا, فالمواطن يعتبر رجل الدين بمثابة أب روحي لديه كل المعلومات. وهذه الظاهرة جعلت رجال الدين يتكلمون في كل شيء طالما هناك من يسمع لهم. والأمر نفسه في التعامل اعلاميا مع أقوال رجال الدين, فقد يتكلم البابا أو شيخ الأزهر عن مسألة طبية مثلا تقوم الصحف بإفراد مساحة كبيرة لها, في حين لو تكلم طبيب متخصص في نفس المسألة لا تجد له نفس المساحة.