ونمضي مع الأستاذ أحمد السكري, وهذا هو المقال الرابع, الذي نشره في جريدة صوت الأمة بتاريخ1947/11/24 م, تحت نفس العنوان الثابت( كيف انزلق الشيخ البنا بدعوة الإخوان وفيه يشرح وكيل عام الجماعة كيف تحول المرشد العام الي مخلب قط لمناوأة الوفد وأداة لإثارة الفتن والخصومات بين أفراد الأمة. ويكشف السكري وعلي عكس ما أشاع الإخوان كيف أن المرشد العام كان يميل إلي تأييد الوضع الحالي, وضرورة بقاء البرلمان, كما أعلن ذلك في جريدة الإخوان يوم22 سبتمبر1947, حتي لو أدي هذا الي أن يظل الإنجليز رابضين في أرض الوطن, والمنكرات فاشية, والأخلاق منحلة, والشعور الوطني في نوم عميق, ما دام فضيلته يقيم الحفلات, ويموه علي المخدوعين, وينشر مختلف الدعايات في المجلات, ويلوح بالمناصب في تواضع مصطنع وزيف ظاهر ممقوت. والي نص المقال: كنت علي موعد مع القراء اليوم أن أسترسل في شرح علاقتنا مع الوفد أيام كان في سدة الحكم وأسرد لهم في إيجاز موقف الأستاذ البنا من رفعة رئيس الوفد ومن وزراء الوفد أيام كان بيدهم السلطة والسلطان, وإلي أي مدي كان تملق الأستاذ البنا مدي الذي لا وسيلة له الآن إلا اتهام أحمد السكري بأنه صديق للوفد ورجال الوفد وتمسحه في أعتابهم, وإزجائه آيات المدح والثناء لكل فرد منهم حتي أن إزدهرت دعوة الإخوان في عهدهم مما كان يشيد به ولا يستطيع بحال من الأحوال أن ينكره ثم كيف تنكر لهم الآن وقلب لهم ظهر المجن واستخدمه رجال العهد الحاضر ليكون مخلب قط لمناوأة الوفد وأداة لإثارة الفتن والخصومات بين أفراد الأمة, وعلم الله أن ذلك ليس لمجرد حبهم للإخوان ولا بغضهم للوفد في ذاته وإنما لغرض لا يخفي علي كل لبيب فطن, هو أن يشغل الناس بالمشاغبات والخصومات الشعبية عن قضية الوطن الكبري التي يجتاز أدق مراحلها في أحرج ظروفها ويظل المستعمر جاثما علي صدور البلاد يتمتع بهذا الكلام البشع, ويستحث صنائعه وأذنابه لإذكاء الفتنة وضرب الناس بعضهم وجوه بعض. أقول كنت علي موعد مع القراء لأستمر في الشرح الموجز لكل ما ذكرت مؤيدا بالأدلة الساطعة علي صدق ما أقول, ولكني أحب أن أستميحكم العذر هذا اليوم فقط وأعرج علي ناحية أخري مهمة من وجهة نظري, علي أن أعود للمضي في حديثي الأول يوم الجمعة المقبل إن شاء الله. وأحب أن أطمئن القراء علي أن الذي إستوقف نظري ليس هو هذا التهريج الذي ظهرت به جريدة الإخوان اليوم من أن عشرين ألفا من الناس كان يزخر بهم السرادق الذي أقيم في ميدان فاروق من أول أمس, بعد أن أبي أهالي باب الشعرية الكرام أن يقيمه الأستاذ البنا في حيهم, ورفضوا أن يستمعوا إليه وإلي زميله عبد الحكيم عابدين, فولوا الأدبار تحت حماية البوليس إلي ميدان فاروق كما ذكرت الصحف وكما ذكر الكثيرون من أهل هذا الحي المؤمن, نعم ليس هذا التهريج والطبل الأجوف هو الذي إستلفت نظري, فالجميع يعلمون مدي صدق هذه الرواية ومدي ما يمكن لعشرين ألفا أن يجتمعوا في سرادق واحد أقامه الأستاذ البنا بمقاعده وثرياته وميكروفوناته..!. بل لا أحب أن أتساءل عن سر هذه الاحتفالات الكثيرة التي تقام للأستاذ البنا بنشاط غير عادي هذه الأيام تحت حماية ورعاية رجال البوليس الأشداء في الوقت الذي تحرم فيه الإجتماعات والحفلات لغيره في مختلف الهيئات. بل لا أحب أن أتساءل عن نتيجة هذه الحفلات الزاهرة, عما أفادته للدين وعما أفادته للوطن عما أفادته للأخلاق, بل تري هل بدأ الأستاذ البنا يستيقظ الآن وحوله في سرادق, واحد وعشرون ألفا- كما تقول جريدته الغراء فرفع الصوت عاليا مطالبا الحكومة الرشيدة بضرورة تحقيق شيء من مباديء الإسلام بمناسبة ذكري الهجرة الكريمة وصاحبها المجاهد الأعظم صلي الله عليه وسلم.. ويرفع الصوت عاليا مطالبا الحكومة الرشيدة بضرورة تحقيق شيء من مطالبنا الوطنية والوفاء بشيء من عهدها ووعدها بالعمل علي استخلاص حقوق البلاد... تري هل فعل الأستاذ البنا شيئا من ذلك أم اكتفي بهتاف هتافيه له وللأخ عابدين, ثم إلقاء كلمته التقليديه عن الهجرة وكرام المهاجرين, ثم انتهي الحفل بتقبيل اليد الكريمة وظهور الصور البديعة وطلوع الجريدة التي بلغت العشرين.. كل ذلك ليطمئن أتباع الأستاذ البنا علي أنه لا يزال بخير رغم الحقائق الدامغة التي يقذف بها هذه الأيام, ويطمئن رجال العهد الحاضر أنه لايزال صالحا لمناوأة الأحرار ومهاجمة الوفد وإثارة الفتن بين الآمنين..!؟؟. أعود فأقول: ليس كل ذلك هو الذي استوقف نظري, فليقم الشيخ حسن أو يقيم له بعضهم ما يشاء ويشاءون من حفلات, وليجمع المارة ليحتشدوا حوله بأضخم الميكروفونات, وليسر في ركابه الأشداء من رجال البوليس وليهتف له من لايزالون في غمرة التقديس والتدليس, فنحن بحمد الله لانزال نقرأ في كتاب مولانا العزيز: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون). ولم يستوقف نظري كذلك ما نشرته مجلة الإثنين اليوم من المعلومات القيمة التي استقاها مندوبها من فضيلته عن حياته الخاصة وأفراد عائلته وأصهاره الذين لا أزال أحمل لوالده وأشقائه وأصهاره الكرام بالإسماعيلية الإحترام الكامل. والتي ذكر فيها أن فضيلته يقابل زواره مفترشا حصيرة في منزله, ولا أدري هل رأي حضرة المندوب هذا الحصير بنفسه؟. وتري في أي منزل من منازل فضيلته الثلاثة رآها..!...!..؟. أم أن هذا النوع العقيم من الدعاية الزائفة لا يزال يلازم فضيلته فيسرده لحضرات مندوبي الصحف ناسيا أن كثيرين من الإخوان يعلمون عن الحقيقة كل شيء..!..؟. كذلك لم يستوقف نظري ما جاء في هذه المعلومات التي نشرتها مجلة الاثنين اليوم(1947/11/24 م) بالنص أن: فضيلته له اصدقاء كثيرون من مختلف المذاهب والأديان يبادلهم الحب والاحترام, ويكثر من تبادل الزيارات معهم, وهو صديق شخصي لكثير من الاساقفة والمطارنة الأقباط. ونسي فضيلته ان يذكر للمجلة ان له كذلك اصدقاء من مواطنينا اليهود كذلك وعلي رأسهم التاجر الشهير حاييم دره الذي تفضل فتبرع بمبلغ كبير من ماله سلمه لفضيلته بالإسكندرية لمساعدة الإخوان هناك في حفل جامع بكازينو النزهة اشاد فيه فضيلته بكرم حضرة المتبرع وبفضل اليهود وعراقة الدين اليهودي ومجده التليد ونشرت جريدة الإخوان ذلك كما نشرته كثير من الصحف في حينه. أقول إن ذلك ايضا لم يستوقف نظري, فحسن المعاملة بيننا وبين مواطنينا من مختلف الأديان واجب إسلامي يفرضه الدين, فهم اخواننا في الوطن, لهم ما لنا من حقوق, وعليهم ما علينا من واجبات, وبهذا امرنا القرآن الكريم. (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). ولست اريد هنا ان اتساءل مادام الاستاذ البنا يقول إن له اصدقاء كثيرين من الاساقفة والمطارنة الاحبار يبادلهم الحب, ويكثر من زياراتهم, فما باله يثور كل الثورة ويرغي ويزبد حين رأيت ان من واجبي كمسلم وكوطني ان ارد تحية معالي مكرم باشا واشكره علي كريم مجاملته المتكررة لنا في كل مناسبة واهنئه بمحاضرته الوطنية التاريخية الرائعة التي ألقاها بجمعية الشبان المسلمين في( وحدة وادي النيل) التي حتي لم يتعرض فيها لمهاجمة احبابه رجال العهد الحاضر, فيعقد مكتب الارشاد يوم أول يونية الماضي ليقرر لومي علي ذلك, ويلغي قرار المكتب الذي قرر بالإجماع سفري إلي امريكا للدعاية للقضية الوطنية علي رأس وفد من كرام الاخوان منهم الأخ الاستاذ مصطفي مؤمن, فألغي هذا القرار لأسباب كما قال: * انني جاملت مكرم باشا فأرسلت اليه معجبا بمحاضرته التاريخية القيمة. * وانني لست منسجما مع النقراشي باشا الذي لا يرضيه ان يراني في امريكا الخ. بل وحين سئل ذات مرة وهو يزورني وانا مريض وعندي بعض الإخوان عن السبب في ان الاستاذ مصطفي مؤمن ذهب إلي امريكا باسم جبهة وادي النيل وعدل عن ارساله باسم الإخوان قال:( إن احسن مصطفي وسار علي سياستنا فهو منا ومعروف انه من الإخوان, وان انفرد برأيه واحتك بالنقراشي باشا وصدر منه ما يخالف رأينا فهو عن جبهة وادي النيل ولا نتحمل نحن مسئولية ما يعمل) بل ولا أريد ان اتساءل كذلك: ما دام الاستاذ البنا له اصدقاء من الأحبار والرهبان والمطارنة يبادلهم الحب ويكثر من زيارتهم, فما باله يثور كل الثورة, ويرغي ويزبد امام من يسأله عن سر خلافه معي, فيقول ذلك لأن أحمد السكري صديق للوفديين ويزورهم ويودهم. وتري الم يسأل عن نفسه ما دام يبيح لشخصه صداقة اخواننا اليهود والمسيحيين ورجال العهد الحاضر والاشادة بمجد اخواننا اليهود علي الأخص وفضل الاستاذ حليم درة العظيم وغيره. فلماذا كان يريد أن يحرم علي احمد السكري صلته الشريفة التي اتحداه ان يذكر عنها ظلا من سوء او ضرر بالدعوة والداعية ببعض رجال الوفد الذين كان يتملقهم فضيلته أيام ان كانوا في الحكم ويخاطبهم بنفسه كما هو منشور في: ** العمود الثالث في السطر الرابع من الصفحة التاسعة من مجلة الإخوان, العدد الثامن عشر, المؤرخ في12 يونية1943 م. ** بقوله:( وانتم صفوة رجال هذا البلد, الامناء علي حقوقه المسئولون عن مستقبله). ** وسأعود إلي ذلك في حينه, اقول ان كل ذلك لم يستلفت نظري, ولكن الذي استوقف نظري قليلا واستثار ضحكي وسخرية بعض الأخوان معي, هو هذه النشرة المضحكة التي حررها الاستاذ البنا, وارسل بها في خفر واستحياء وتكتم إلي رؤساء الشعب التي يتوهم ان الكثير منها لا يزال معه, ويدون فيها علي زعمه خلاصة جهوده وجهاده في الفترة الماضية,وفي مقدمه ذلك كما ذكر( فضيلته) في وريقات هذه النشرة السرية انه عرض علي مكتب الارشاد موضوع حديث أحمد السكري لجريدة الكتلة التي نشرته يوم23 سبتمبر الماضي, وانه رأي استنكار مسلكه اذ هو مخالفة صريحة لقرار المكتب وسياسة الإخوان. وهنا أقف قليلا بالقارئ ولعله من الإخوان راجيا ان يعود معي إلي الحديث المذكور ليشهد بنفسه علي صحة ما ذكرته وسجله الشيخ حسن بنفسه في تلك النشرة. ** من أن الاستاذ البنا يؤيد العهد الحاضر ويرتمي في احضان رجاله بكل قوته, ويزج بالإخوان في مهاوي السياسة الحزبية لحساب فئة معينة من رجالها, وعلي حساب الوطن المنكوب. يري القارئ في هذا الحديث الذي يقول الشيخ حسن انه يخالف سياسة الإخوان, انني سئلت عن اسباب القضية الوطنية في مجلس الأمن, فذكرت ان أهم هذه الأسباب ثلاثة: اولها الضعف والتردد اللذان ظهرا في الاجراءات الأولية التي اتخذت قبل رفع القضية إلي مجلس الأمن. والثاني: الإنقسام الداخلي بيننا والذي ادي إلي انفراد هيئة معينة بالاحتكام. والثالث: تآمر الدول الاستعمارية علينا. ثم وضحت الضعف بل الخطأ الذي وقع في الاجراءات الاولية فمن ذلك: * عدم إعلان الحكومة في قوة وحزم إلغاء معاهدة1936 م. ** واتفاقية99 باعتبار اشتراكنا في ميثاق الأممالمتحدة. * ومن ذلك ضياع الوقت في المفاوضات والمداورات التي انتهت بمشروع صدقي بيفن البغيض والذي ايده العهد الحاضر بحكومته وبرلمانه. * ومن ذلك موافقة الحكومة علي تعيين حاكم السودان الجديد بعد قطع المفاوضات, وهذا اقرار صريح بسريان اتفاقية ومعاهدة36 في الوقت الذي كانت تطالب الأمة فيه بالغائهما, ومن ذلك لجوء الحكومة إلي مجلس الأمن دون الجمعية العمومية لهيئة الأممالمتحدة حيث الأغلبية فيها من الأمم الصغري امثالنا, ومن ذلك عمدت الحكومات المتعاقبة إلي كبت الحريات منذ سنة1945 م, حتي كان ركود الشعب وفتوره مبررا لمندوب البرازيل ان يعلن في المجلس ان خطرا يخشي من هذه القضية علي الامن, ومن ذلك عدم ابراز مطلب وحدة الوادي ابرازا صريحا في مذكرة الحكومة المقدمة إلي المجلس الخ.. الخ. * وسئلت عن السبيل لعلاج الموقف فقلت: ** إنه علي سبيل الايحاز تكتل الأمة وتوحيد الصفوف وتعبئة القوي, وإذا كانت العقبة الكؤود في سبيل ذلك هي وجهة النظر التي تحتم ان تحصل الهيئات والأحزاب علي نصيبها المشروع في وسائل التعبير عن رأيها فما المانع من ذلك وهو حق قررته الدساتير وتواضعت عيه الأمم الحرة المتمدينة.؟ * وهل من الخير ان نظل في فرفة وخصام, يضرب بعضنا وجوه بعض, والوطن ينتحر والعدو منا يسخر, ام ان نكون جبهة قوية, يقوم من ورائها في الوقت الذي نحدده ونراه مجلس شعبي يشد ازره شعب ابي, يضع روحه في يده لا يبالي في اي وجه يقذفها؟ * ثم تكلمت بعد ذلك عن الخطوات التي تتبع في الحال واهمها الغاء كل معاهدة واتفافية بيننا وبين العدو, وقطع علاقاتنا معه وسحب سفيرنا من بلاده, ومقاطعتنا التامة لكل من يناصره والاسراع في تقوية الجيش وتدريب الشباب, ثم فوق هذا وذاك ترك الحرية للشعب ليعبر عن شعوره ويجزي من احسن بالإحسان ومن اساء بالقطيعة والحرمان..!! * ثم سئلت عما إذا كان هذا رأي الجماعة؟ * فقلت: هذا رأيي الشخصي. ** هذا هو مجمل الحديث الذي نشرته لي الكتلة( في اشارة للكتلة الوفدية) والي اثار الاستاذ البنا وقرر في مكتب الارشاد كما ورد في نشرته السرية للإخوان استنكاره لهذا الحديث لمخالفته سياسة الإخوان. * وهنا سجل الاستاذ البنا علي نفسه وعلي من معه ان سياسته غير ما ذكرت في حديثي من وجوب تعبئة القوي وتوحيد الصفوف ولو ادي ذلك إلي تكوين جبهة وطنية من ورائها مجلس شعبي تمثل فيه الأمة بمختلف هيئاتها ويجاهد الشعب من وراء كل ذلك لاستخلاص حقوقه فضلا عن وجوب مكافحة الانجليز بالطرق التي ذكرتها. * فإذا كان هو لا يري ذلك في سياسته فماذا يري اذن..؟** لا شيء الا تأييد الوضع الحالي, وضرورة بقاء البرلمان الحالي كما اعلن في جريدة الاخوان يوم22 سبتمبر الماضي وليظل الحال علي ماهو عليه من فتور وركود, وليظل الانجليز رابضين في ارض الوطن, ولتظل المنكرات فاشية, والأخلاق منحلة والشعور الوطني في نوم عميق. ما دام فضيلته يقيم الحفلات, ويموه علي المخدوعين وينشر مختلف الدعايات في المجلات, ويلوح بالمناصب في تواضع مصطنع وزيف ظاهر ممقوت. * وإلي لقاء غدا لاتمام ما جاء في النشرة السرية التي اذاعها البنا علي الإخوان في خفر واستحياء, احمد السكري وكيل عام الإخوان.