انتهينا في مقالنا السابق, من خطاب الشيخ أحمد السكري لصديق عمره ورفيقه في تأسيس الإخوان الشيخ حسن البنا, والذي تحدث فيه عن أسباب قيام البنا بفصله من الجماعة وطالب بضرورة التحكيم, وشدد علي وجود مؤامرة يحيكها البنا بإحكام هو وعدد ممن حوله من المستفيدين, للخلاص منه, وعدد من قادة الجماعة ليخلص له ولهم مجمل الأمر داخل الجماعة, وتخلص له ولهم القيادة الشاملة, ويبدأ المؤسس الشيح مرحلة جديدة من العبث بالجماعة وباسمها في معترك الحياة السياسية. ولكن السكري لم يكتف بمواجهة البنا عبر تبادل الخطابات الخاصة, ولكنه قرر فتح الجرح حتي آخره وإشراك جمهور الإخوان في مناقشة الأزمة, وآثر نشر عدد من المقالات والرسائل بجريدة صوت الأمة( لسان حال حزب الوفد آنذاك) شرح فيها الأزمة شرحا مبينا, وأوضح أبعادها تمام الإيضاح, ليؤمن من آمن عن بينة وليكفر من كفر عن بينة. وسوف نبدأ اليوم في نشر عدد من هذه المقالات, نبدأها ببيان السكري إلي الإخوان, والذي أعقب رسالته الي البنا( نشرناها بالأمس), وكان قد نشر هذا البيان في الرابع عشر من أكتوبر1947 بجريدة صوت الأمة. ولعل من نافلة القول هنا أن نذكر أننا نقوم بإعادة نشر هذه المقالات, بعد هذا الكم من السنوات( نيف وستين عاما) لعل هناك من الجيل الجديد من أعضاء الجماعة وكذا شباب الإنترنت و(facebook), من لم يطلع علي هذه المقالات ولم يعرف شيئا عن تلك الأزمة, التي أوضحت بجلاء مدي انتهازية الشيخ المؤسس ومنهجه الذي سار عليه تلاميذه من بعده, فيعيد ترتيب أوراقه قبل فوات الأوان. كما سننشر اليوم أيضا النص الكامل لقرار اللجنة التي شكلها البنا للتحقيق في واقعة عبدالحكيم عابدين( راسبوتين الجماعة) نظرا لتشكيك البعض فيما أتينا به من معلومات, في هذا الإطار, والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. أولا: بيان الي الإخوان المسلمين: أيها الإخوة الأعزة الأبرار أيها الإخوة الأعزة الأبرار اليكم أنتم وحدكم أوجه كلمتي اليوم أخاطب عقولكم وقلوبكم. أخاطب عقولكم التي حررها الإسلام منذ إشراق الرسالة القدسية العليا من سلاسل الأوهام وأغلال الشعوذة التي كان يكبلها بها رجال الدين وزعماء القبائل في الجاهلية الأولي فأطلقها الاسلام من عقالها حرة من كل قيد, تري الحق حقا فتتبعه وتري الباطل باطلا فتتجنبه غير مقيدة برأي كبير ولا خاضعة لاستبداد عظيم, ونعي عليها وآخذها أشد المؤاخذة علي انسياقها انسياقا أعمي:( قالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا. أولو كان آباؤهم لايعلمون شيئا ولا يهتدون).( وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء). وهذا قوله صلي الله عليه وسلم: (ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه الي هدي ويرده عن ردي). الي ماورد في الكتاب والسنة حثا علي تحرير العقل من جمود السيطرة والاستغلال. وأخاطب قلوبكم التي تفتحت بالإيمان وعمرت باليقين, والقلب سر الخالق في المخلوق ومحل مخاطبة الرب للمربوب, وهو المضغة التي اذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله, وقد أشار تبارك وتعالي الي القلوب العامرة بقوله: (إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد). كما أشار الي القلوب الخربة التي تتعالي عن الحق وتتبع هواها بقوله:( كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون). (أفرأيت من اتخذ السههه هواه وأضله الله علي علم وختم علي سمعه وقلبه وجعل علي بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله). (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لايهدي القوم الفاسقين). (فإنها لاتعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور). وأنتم أيها الإخوان بما من الله عليكم من نعمة الإسلام ومنة الايمان ونور العقل وصفاء القلب فأقبلتم علي هذه الدعوة اطهار الضمائر أعفاء النفوس حتي بارك الله في عرسكم, وصارت دعوتكم مهيبة الجانب مرهوبة البأس, يخشاها الاعداء ويرتعد منها المستعمرون, أنتم أيها الإخوة أولي الناس باتباع الحق, أجدر الناس بتفهم الأمور دون تأثير ولاتخدير, كما أنكم أس هذه الدعوة وأمناء هذه الرسالة, وأولي من يجب عليه المحافظة علي بنيانها, وصيانة دعائمها وأركانها. أيها الإخوة الأحرار.. سارت دعوتكم علي بركة الله وتوفيق منه علي أساس من الهدي والنور, ودعائم من الإخلاص والوفاء, عشت فيها مع أخي في الله الاستاذ حسن البنا سبعة وعشرين عاما, كما تعلمون, عرفته صغيرا, واستعنت به في الدعوة شابا, ودخلنا في دور الكهولة حبيبين مخلصين, وأخوين صادقين, آثرته علي نفسي سعيدا راضيا, وكنت له برا وفيا, أنكرت نفسي ليظهر, وأخفيتها ليرتفع فكان الأبن والأخ والقائد, فمن الذي قطع ما أمر الله به أن يوصل أيها الإخوان؟ ومن الذي بدأ بالظلم والعدوان..؟ ومن الذي نكب عن الطريق فجعل السفينة ترتطم بالصخور ويتصدع منها البنيان..؟ إذا أردتم الجواب فدونكم أخي فاسألوه...!. إسألوا.... كيف حاد عن الحق ونحن دعاته..؟ وكيف خرج عن الصراط ونحن حماته...؟ واسألوه لماذا غضب حينما أمره أخوه بالمعروف, فعزله..؟ ولماذا ثار حينما نصحه أخوه ففصله.؟. واسألوه ما الذي دعاه الي أن يفجر هذه القنبلة الآن..؟ وفي هذه الظروف الذي يدعو الدين والوطن فيها الي توحيد الصفوف وتعبئة القوي ومحاربة الطغيان. واسألوه عن اليد التي ضغطت عليه ليقطع يمينه بنفسه, فيرسل لأخيه خطاب الفصل وهو مريض, في دور النقاهة والاستشفاء ثم يطلق فيه ألسنة السوء والافتراء, بلا ذنب إلا حرصه علي هذه الدعوة وسلامتها من عبث العابثين وطمع الطامعين...!..؟ ثم اسألوه أيها الإخوان عن بيانه الذي رد به علي خطابي, هل فند الوقائع التي أشرت إليها واقعة واقعة وأسندتها بالتواريخ وتحديته بالدليل والبرهان, أم اكتفي بهذه التغطية والتعمية والإبهام متعمدا غمزي ولم يستطع ولن يستطع أن ينسب الي في صراحة ما يمس أمانتي لدعوتي أو يحط من شرفي وكرامتي...! أيها الإخوان.. عزيز علي نفسي كما يعلم الله أن يشهد الناس هذه المأساة القائمة, ولكن ماذا أفعل وقد بدأ والبادي أظلم...؟ ولو أن المسألة تتصل بشخصي لقطعت يدي ولا أخط كلمة واحدة أدافع بها عن نفسي ولكنها مسألة الدعوة.. مسألتكم أنتم. مسألة الأمانة التي حملناها علي أعناقنا طوال السنين, مسألة هذا الصرح الذي بنيناه بتوفيق الله فدب إليه الفساد وسار هو فيه بالاستبداد والاستعباد ولم يصغ الي مشورة أهل الرأي والسداد. فكيف السكوت وقد عجزت طول هذه المدة عن إصلاح ما فسد وتقويم ما اعوج, وكيف ألقي الله إذا لم آمربالخير وأنه عن الشر وأنبه الي مواطن الخطر الذي يهدد كيان الدعوة المفداة..!.؟ وقد كتب رده علي فتغافل الوقائع التي ذكرتها, ووجه اللوم الي لأني لم أكشف الستار كله أمام الهيئة التأسيسة في المرة الأولي فهل يعد ستري إياه وعدم فضيحتي له ومحافظتي علي كرامته أملا في الإصلاح وطمعا في التقويم مع الإلحاح في النصح والتحذير. هل أجازي علي هذا الإحسان بالتنمر والغدر والنكران...؟! وتري هل يعتبر ما أقوله الآن بعد يأسي وطول صبري وما سأكشف عنه الستار مدعما بالأدلة والمستندات والصور الزنكوغرافية والفوتوغرافية. تري هل يعتبر هذا أمانة للدعوة وإبراءا للذمة ليعرف الناس الغث من السمين والخائن من الأمين, أم يثور ويثور معه بعض الأتباع والأنصار الذين يؤمنون بتقديس الأشخاص متغافلين عن روح الإسلام وبراءته من الشعوذة والأوهام..؟! أيها الإخوان: يدعي أخي علي ظلما وعدوانا أنني كشفت بخطابي عما كان قد خفي عليكم من نفسي وتصرفاتي وأنه قد وضع يده علي الحلقة المفقودة في الفتنة الماضية..! فهل يجسر فضيلته أن يعلن أي تصرفات حدثت مني تضر الدعوة والداعية إن كان من الصادقين....؟ وإني لا أدري لم خان التوفيق أخانا فأشار الي الفتنة الماضية, فتنة المسائل الخلقية المثيرة, التي ضحي بسببها بخيرة رجال أهل الدعوة الكرم الأطهار, والتي لو كشف عنها القناع الحقيقي لتفتت قلب كل مؤمن, لماذا ياأخي تثير بنفسك هذه المأساة الدامية من جديد وتعرض بضحاياك فيها وهم الأخوة الأعزة ذوي الماضي المشرق المجيد, وبيدي من المستندات ما إن أظهرته لفر من حولك كل تقي وكل مخدوع ألاني لم أقف معك علي طول الخط كما تقول دائما الموقف الأعوج الذي يستنزل لعنة الله ورسوله والناس أجمعين, في هذه الفتنة الضالة المضلة ترميني بهذا السهم وما تدري أنه الي شخصك العزيز لا علي مصوب ومسدد..!ومع ذلك فإبراء للذمة كذلك وبعد أن يئست من الإصلاح سأكشف الغطاء عما خفي علي الناس منها ومن غيرها, وحسبك أنك أنت الباديء دائما والباديء أظلم حتي يعلم القوم من هو سبب الفتنة ومن هم الأصل والفرع, ومن كان علي الهدي ومن هو في ظلال مبين..!؟ ويدعي أخي أني لم أفاتحه بموضوع النكبة بل النكبات التي علمت عنها يوم7 فبراير وأشرت إليها والي غيرها بتواريخها المذكورة في بياني السابق, وإني لأتحداه أن ينشر ما كتبت له من خطابات عدة أحذره فيها من كل ما ذكرت. وحتي أيسر له البحث عنها أذكره بتواريخها: * فتقريري يوم25 فبراير1946 م عقب تدخل العناصر المأجورة المغراة بعضوية الشركات والأموال المتدفقة. * وخطابي إليه يوم6 مارس1946 م. * وخطابي يوم15 ديسمبر1946 م وأنا بالمستشفي سجين. * وخطابي يوم6 يناير سنة1947 م. * وخطابي26,20 فبراير سنة1947 م, والذي أصدر أمر الإيقاف بعدهما. * وخطابي يوم28 يونيو1947 م. كل هذه الخطابات وغيرها لدي صورة منها, فهل له أن ينشرها علي الملأ ليعلم الناس هل قمت بالنصيحة وأديت الواجب من التحذير والإلحاح في الإصلاح أم لا..؟.! وأما إذا أحجم ولا أخاله إلا محجما فسأقوم بنشر هذه الصفحات التي طواها عن مكتب الإرشاد وعن الناس أجمعين. وأي أسلوب ملتو أيها الإخوان قد استعملته في بياني.؟ إن البيان واضح مدعم بالوقائع وتواريخها, ولقد أحجمت عن نشرها بالتفصيل كما ذكرت سترا لموقفه وأملا في عودته للصواب. فهل لا يزال مصمما علي أنه ملتو فاعمد الي التفصيل والإسهاب.؟ أيها الإخوان: إن المعركة التي أطلق أخي الشيخ حسن فيها قنبلته الأولي, أصبحت معركة الصراع بين الحق والباطل, وهو الأن يشعر بما هو فيه من جاه ومال ودنيا زائلة, أما أنا فكما قلت: (حسبي الله ومن معي من كرام المؤمنين). ومن يكن الله معه فلا يخف دركا ولا يخشي, وسأمضي في طريقي لا أقول أحاربه بل أحارب روح الباطل والغرور, ولا أقول أهدمه بل أهدم روح الأنانية والأثرة والتمويه, فليرسل رسله إلي يهددون وليطلق ألسنة السوء يفترون, فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون, أيها الإخواة: لقد أعذرت إلي الله وإلي أخي وإلي الناس, وماأعلنت إلا بعد أن يئست من الإصلاح وإلا بعد أن ضرب ضربته الأخير بإيعاز وضغط ممن لا يخافون الله, ولقد مددت يدي إليه بالأمس ليرجع إلي الصواب فأعرض ونأي بجانبه, ولقد عاب علي أن بايعته ولعمري أي عيب في مبايعتي له والحال أني علي استعداد أن أبايعه مرة أخري ولكن علي أي شيء كانت أو تكون البيعة....؟. إنها علي رفع هذا اللواء, وإرضاء رب السماء, ومباديء سيد الأنبياء, هذه هي البيعة التي بايعته عليها, والتي أقول إني علي استعداد أن أبايعه لو رجع إلي الصواب, واعترف وأناب, ومن نكث فإنما ينكث علي نفسه. أيها الإخوة: هذا اللواء الذي رفعناه يجب أن يظل خفاقا عاليا وهذا الصرح الذي بنيناه يجب أن يظل منارا هاديا, وهذا الصوت الذي جلجل في أنحاء الوجود يجب أن يظل قويا مدويا وأولئك الذين نقضوا العهد وأخلفوا الوعد سأدعو لهم ربي إنه كان حليما كريما. سأحمل اللواء مع إخواني الأطهار الأحرار. سأسير علي طريق الحق مع نخبة الصادقين الأبرار. سآسامح أخي فيما فرط ويفرط فيه من حقي فقط وأدعو له العزيز الغفار ولن يكون بعد اليوم قديس, ولاتقديس ولاتمويه ولاتدليس, وإنما عدل وحق وأخوة في الإسلام. وسنهزم الباطل بإذن الله وننصر الحق وسنقاتل في سبيل الله لا في سبيل الطاغوت والشرك, وسنضع أرواحنا في أكفنا حتي تعلو كلمة الله ونستشهد في الميدان. هذا عهد وهذا موثق, وهذا ربنا خير رقيب وشهيد, فإلي الأمام أيها الإخوان, إلي الأمام والله معكم ولن يتركم أعمالكم. أخوكم/ أحمد السكري الثلاثاء الموافق:1947/10/14 م ثانيا: قرار لجنة التحقيق في أزمة راسبوتين الأخوان: بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الأستاذ المرشد العام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: هذه اللجنة التي كلفت بالنظر في مسألة الأستاذ( عابدين). وحضرات: (1) حسين سليمان (2) فهمي السيد (3) محمد عمار (4) زكي هلال لم توفق في إيجاد التفاهم بين الطرفين كذلك لا تستطيع تحديد المسئولية بصفة قاطعة لإفشاء هذه الفتنة وكان لها في مهمتها أن تستوضح الطرفين فجمعت لهذا الغرض البيانات والاستدلالات في المحاضر المرفقة, ملخصة بعض الوقائع أو كثير منها ولم تشأ أن تخرج عن مهمتها إلي التحقيق الشامل ولكنها خرجت من هذه البيانات برأي قاطع: *رأت أن ننضح بعدم إجراء تحقيق أخر أو تكوين لجنة تحكيم أو غير ذلك. *ورأت حسما للموضوع أن يكتفي بما توفر للجنة أساسا لتكوين فكرة صحيحة نبرزها فيما يلي: (1) موقف هؤلاء الإخوة الأربعة يكون سليما من كل وجهة. (2) اقتنعت اللجنة اقتناعا كاملا بما تجمع لديها من بيانات سواء من طريق الأربعة المذكورين أو من طريق غيرهم ممن تقدم إليها من الأخوان. بأن الأستاذ عابدين( مذنب) خصوصا إذا أضفنا إلي ذلك اعترافاته إلي بعض أعضاء اللجنة, وأن الذنب بالنسبة إليه وهو من قادة الدعوة كبير في حق الدعوة وفي حق الأشخاص الذين جرحوا في أعراضهم, ويحتم عليها واجبها نحو الدعوة توق يع أقصي العقوبة. * لهذا تري اللجنة بالإجماع. فصل الأستاذ عابدين من عضوية الجماعة. * ونشر هذا القرار. * والعمل علي مداواة الجروح التي حدثت. *5 صفر1365 ه 9 1 1946 م. *الموقعون علي الوثيقة: (1) أحمد السكري, (2) صالح عشماوي, (3) حسين بدر, (4) الدكتور إبراهيم حسن, (5) حسين عبد الرازق, (6) أمين أسماعيل,