حالة التمرد والعصيان التى تبناها النائب مجدى عاشور وعدم انصياعه لقرار مكتب الإرشاد بتقديم استقالته من البرلمان أصبحت بمثابة الانفجار الذى وقع على رؤوس قيادات الجماعة والتى مارست معه شتى أنواع التعامل بداية من القوة التى تمثلت فى الخطف والترهيب ثم الاستمالة الناعمة وأخيرا مثوله أمام لجنة للتحقيق معه يتولى أمرها بعض نواب الجماعة السابقين لتخيير «عاشور» بين البقاء فى الجماعة أو فى المجلس حتى استقرت قيادات مكتب الارشاد على فصله نهائياً رغم إعلانه أن ولاءه للجماعة مهما يحدث. هذه الواقعة تكشف بسهولة الحياة داخل جدران الجماعة وقوانينها الخاصة التى تحكمها وتشكل أدبياتها وتجعلها عالما مغلقا يحيطه السرية والحذر، ومن ثم فإن مبدأ الثواب والعقاب له أهمية داخل هذا الكيان الإخوانى والقائم على عدة لجان خاصة منتشرة داخل المناطق والمكاتب الإدارية تشكل وقت الحاجة إليها وتتبع لجنة مركزية تابعة لمكتب الإرشاد يطلق عليها «لجنة التحقيق والجزاء». ويطلق المنشقون على الإخوان على هذه اللجنة اسم «محاكم التفتيش» وتتألف من سبعة أعضاء يتم اختيارهم من مكتب شورى الجماعة ويفضل من هم على دراية بالفقه الإسلامى والإجراءات القانونية. ومهمة هذه اللجنة التحقيق فيما يحال للمرشد ومكتب الإرشاد مراقبة سلوك الأعضاء والنظر فى مشاكل وأزمات الجماعة بشكل عام، لكن الغريب أن هذه اللجنة لا يمكن لها اتخاذ أى قرارات أو تنفيذها إلا بعد الاعتماد من المرشد العام. فعلى مدار تاريخ الجماعة تشكلت مئات اللجان التى فصلت الكثير من ثوار الجماعة وأطاحت بهم خارج أسوارها فى الوقت الذى برأت فيه آخرين لمجرد ولائهم لقيادات الجماعة ويسعون لتحقيق أهدافهم الخاصة. بداية من المجموعة التى شاركت البنا فى تأسيس الجماعة لكنها اعترضت فيما بعد على طريقة إدارته واستحواذه على مقاليد السلطة والانفراد بالقرارات مما تسبب فى توتر العلاقات بينهم وتمت إحالتهم للجنة تأديبية إلا أنهم فضلوا تقديم استقالتهم نهائيا من الجماعة! أشهر المحاكمات/U/ ومن أشهر اللجان التى شكلت فى هذا الغرض اللجنة التى حاكمت أحمد السكرى وكيل الجماعة والذى كان يطلق عليه الرجل الأول بعد البنا وذلك إثر اختلافه مع حسن البنا حول إدارة الإخوان. وفى 27 نوفمبر 1947 عقدت الهيئة التأسيسية للإخوان اجتماعها الدورى وأقرت القرار رقم «5» الذى يقضى بالموافقة على قرار البنا بإعفاء أحمد السكرى وعبد السميع الغنيمى وسالم غيث من عضوية الجماعة ومطالبتهم بتقديم استقالتهم! وقد اعتبرت الهيئة أن السكرى ناقض للعهد حانث فى اليمين خارج عن الجماعة. وبعدها عاتب السكرى البنا فى خطاب استقالته والذى نشر بالصحف فى أكتوبر 1947 ووجه فيه نقدا له ولسياسته وقال «لا اكتمك الحق يا أخى، ما كنت لأتصور أن يبلغ بك الأمر فيطاوعك قلبك وضميرك وتنسى كل شىء فى طرفة عين، وكأنك تريد أن يشهد الناس مأساة أليمة لأمثالنا ونحن دعاة الإخاء.. يعز على أن اضطر للرد عليك بسبب تمسكك بموقفك ورفضك اتباع الخطى المثلى التى تصلح ذات بيننا.. أما أنك تستبد وحدك بالأمر وتنتزع ممن حضر من إخوان الهيئة التأسيسية تفويضا بإقصاء من تشاء وفصل من تشاء هربا من التحكيم وفرارا من مواجهة المواقف دون تمكين من تتهمه أو يتهمك من إبداء رأيه والدفاع عن نفسه فإن هذه ديكتاتورية يأباه الإسلام وتأباه الشرائع والقوانين وإن قلت إن مبايعة الإخوان لك تقتضيك التصرف الفردى فى شئون الدعوة وشئونهم فإن الحق يرد عليك فى ذلك بأن البيعة هى فى حدود ما أنزل الله لا فى تحكيم الهوى والخروج على المبادئ! لجنة أخرى تشكلت فى الأربعينيات للتحقيق مع زوج شقيقة البنا عبد الحكيم عابدين بعد اتهامه بالتعرض والتحرش بسيدات الإخوان فأصدرت قرارا بفصله، لكن عقب صدور القرار شكل البنا لجنة أخرى ألغت القرار السابق وبرأت عبد الحكيم من التهم المنسوبة إليه! عهد الهضيبى/U/ وفى بداية عهد حسن الهضيبى المرشد الثانى شكلت عدة لجان للتحقيق أهمها اللجنة التى حققت مع النظام الخاص وأصدرت قرارا بفصل أحمد عادل كمال ونصبت يوسف طلعت مكانه على قائمة النظام الخاص! لجنة أخرى ترأسها الهضيبى للتحقيق مع الشيخ محمد الغزالى وفصلته من الجماعة بسبب اعتراضه على تولى الهضيبى قيادة الجماعة ورفضه إعطاء البيعة له. وفى عام 1953 شكل الهضيبى لجنة للتحقيق مع الشيخ حسن الباقورى وأقرت بفصله من الجماعة لقبوله أن يكون وزيرا للأوقاف فى إحدى وزارات الثورة مخالفا قرارات الهضيبى وقيادات مكتب الإرشاد التى رغبت وقتها فى تشكيل الوزارة بأكملها وهو ما رفضته قيادة الثورة؟ وبعد سنوات من هذه الواقعة تكرر الأمر نفسه وتم فصل عبد العزيز كامل ومحاكمته إزاء قبوله إحدى وزارات الثورة رغم رفض الجماعة لذلك. رغم أن محاكمة التفتيش لعبت دورا مهما فى حقبة البنا والهضيبى فإنها لم تشكل أهمية كبرى فى فترة عمر التلمسانى المرشد الثالث للجماعة حيث شهد عصره نوعا من استقطاب وتجميع الإخوان بعد أزمة الاعتقالات التى تعرضت لها الجماعة! لكن عادت الأزمة مرة ثانية بداية عهد صقور التنظيم الخاص وسيطرتهم على مكتب الإرشاد حيث تمت محاكمة وفصل عمر التلى وأيمن جبر لرفضهما منح مصطفى مشهور صوتهما فى مجلس شورى الإخوان عام 1989 مخالفة للقرارات التى صدرت من القيادات بمنطقة شرق القاهرة بالتصويت لصالح مصطفى مشهور. وأيضا محاكمة ثروت الخرباوى لتبنيه وجهة نظر مخالفة لرأى قيادات الجماعة فى انتخابات نقابة المحامين عام 2001 وصدر قرار بتشكيل لجنة برئاسة الحاج محمد جودة مسئول شرق القاهرة وقتها وأصدرت قرارا بتجميد عضويته لمدة شهر ومع استمرار موقفه تجاه الجماعة صدر قرار بفصله نهائيا! سحب الصلاحيات/U/ وفى 2003 تم تشكيل لجنة برئاسة الدكتور رشاد البيومى ومأمون الهضيبى لمحاكمة مختار نوح لإدلائه بتصريحات لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية أكد فيها أن الحزب الوطنى لو قدم رجلا يتقى الله ويتصف بالسمات المطلوبة للمرشح الأمين وقدم الإخوان رجلا ليست فيه السمات المطلوبة لوجب على الناس اختيار مرشح الحزب الوطنى، وأصدرت تلك اللجنة قرارا بسحب كل الصلاحيات من نوح ومن ضمنها ملف الإخوان فى نقابة المحامين حتى انتهى الأمر بتجميد نوح لعضويته فى أى نشاط للجماعة احتجاجا على تلك القرارات! وفى منتصف 2005 تشكلت لجنة برئاسة د. محمد حبيب النائب الأول للمرشد وقتها للتحقيق مع د. على عبد الحفيظ صاحب فكرة التيار البديل بسبب انتقاده الجماعة فى إحدى الصحف وترويجه لأفكاره التى صدرت فى كتاب منذ عامين تقريبا! ومن قبل تشكلت لجنة برئاسة مأمون الهضيبى وإبراهيم شرف سكرتير مكتب الإرشاد للتحقيق مع أبو العلا ماضى وصلاح عبد الكريم ومحمد عبد اللطيف بسبب أزمة حزب الوسط وأصدرت قرارا بفصلهم من الجماعة! وكانت قد تشكلت لجنة عام 98 برئاسة مصطفى مشهور وجمعة أمين للتحقيق مع عبد الستار المليجى عضو مكتب شورى الجماعة بسبب إقامة ندوة شهرية ضمت نشطاء سياسيين من مختلف الاتجاهات وتم فيها مهاجمة الإخوان فأصدرت اللجنة قرارا بفصل عبد الستار من مكتب شورى الجماعة، وفى عام 2007 انتقد المليجى الجماعة عقب القبض على الكوادر الاقتصادية للإخوان فشكلت لجنة برئاسة محمود عزت للتحقيق معه وصدر قرار بإنزاله درجتين وتحويله من أخ عامل إلى أخ مؤيد حتى صدر قرار بفصله من الجماعة نهائيا بعد ذلك! ومنذ عام تقريبا قدم حامد الدفراوى وخالد داود القياديان بالإسكندرية مذكرة لمكتب الإرشاد انتقدت انتخابات مكتب الإرشاد واللوائح المنظمة للجماعة ونشرت صور منها فى الصحف مما دفع الجماعة لتحويلهما إلى لجنة تحقيق وتجميد عضويتهما وتشكلت هذه اللجنة من الحاج حسن جبريل والمحامى الإخوانى كمال فهيم للتحقيق معهما! نفس هذه اللجنة قامت بالتحقيق مع القيادى هيثم أبو خليل ومحمد سامى لإدلائهم بتحقيقات وتصريحات للصحف من شأنها شق الصف الإخوانى وتشويه سمعة الجماعة وصدر قرار بتجميد عضويتهما لمدة ثلاثة أشهر ومنعهم من حضور لقاء الأسرة الأسبوعى والأنشطة الخاصة بالجماعة وعناصرها إلا أنهما فضلا تجميد عضويتهما بنفسها وفضح ممارسة قيادات الجماعة عبر الصحف حتى يعرف الرأى العام حقيقة المجتمع الإخوانى من الداخل.