كنا جميعا نناديه حندق و لم نعرف له اسما آخر ربما من كثره تطابق الاسم مع وجهه الغض دقيق الملامح فيه وسامه, سريع الابتسامه التي تملا وجه ابن الاربعة عشر عاما او الخمسة عشر عاما عادة لكنه الي جانب هذا كان سريع الحركة سريع التنقل بخفه الفهد بين سيارة و اخري في اشاره المرور القريبه من منزلي. لم يلفت نظري انا فقط للتعاطف معه يوميا وشراء ما يلزمني من جرائد و مجلات, بل اعتقد انه لفت نظر الكثيرين في اشارة الصباح بأسلوبه المميز مع ابتسامته البريئة, و في الحوار مع زبائنه: اقرا خبر نجاح ولادك, اقرا خبر زفاف بنتك, سيبك من السياسة و ركز علي النجوم اجدع, الكورة افرح لنفسك و بلاش تغيظ صاحبك المغلوب. و كان دائما يتحدث مع اثنين او ثلاثة من زبائنه المفضلين في وقت واحد: طلبك عندي يا بيه,. آخر طبعه و الله, ما تصدقش كل اللي بتقراه, ثم يختمها بعبارة اصبحت تتكرر دائما:' كله مكتوب يا بكوات, و كله في البخت يا هوانم'. اعجبت به اكثر بعد ان علمت انه يذهب عادة الي الاسطي زكريا صاحب المطبعة المجاورة بعد ان طلب منه بإلحاح ان يعلمه القراءة و الكتابة مقابل ان يجعله يتصفح كل الجرائد و المجلات علي سبيل الجدعنة, و لم يمانع الاسطي زكريا و بدا معه الرحلة كما اسماها حين قال:' اسمع يابني ان حروف الكتابه كالاشخاص الذين تراهم امامك, لكل واحد او واحده شكل خاص و شخصية مختلفة, فمثلا عم محمد البقال يختلف عن عمك ابراهيم الميكانيكي, و لم تخطئ في اسم ايا منهم عندما تراه و تناديه فتجد الحرف في عقلك و لسانك كذلك طبعا تري الست تفيدة تختلف شكلا و اسما عن توتي او نوني'. و يبدو ان سرعه عقل حندق كانت في مثل خفة حركته و رشاقته, فعرف الكثير و اصبح يقرأ بعض ابواب الجرائد ذات الحروف الكبيرة لم ينس ان يسال الاسطي كذلك عن معاني بعض الابواب, حتي احرجه ذات مرة و سأله عن الصفحه قبل الاخيره ذات اللون الاسود في الغالب,و ابلغه الاسطي انها للأموات. زاد استغراب حندق و رد بحماس و لماذا ينشر الوفيات اسمائهم, اجابه الاسطي هم لا ينشرونها و لكن يفعل ذلك من يتمسح بهم, ربما قضاء دين, او تخليص حق, او وجاهة اجتماعيه, او تنفيذ لأوامر أو نتيجة لاحراج. تبرم حندق قليلا ثم قال:' نعود الي صوره الامورة التي تلبس مايوها مكشوفا.. في عز الشتا الا تحس بالبرد ؟!.. رد زكريا: ربما هي لا تحس اصلا.. و ربما هي تريد ان تغيظ صديقة لها علي شاكلتها, و تواصلت الضحكات البريئة من شفتي حندق. ما كان يلفت نظري دائما انه قادر علي ان يقتحم عليك سرحانك و شرودك, بل و تجهمك في بعض الاوقات بفعل تقلبات الزمان او المزاج الشخصي, و لكن حندق دائما يفتح عليك الباب من الداخل ولا يجعلك تتبرم او تبدي ما لا يريحه, فربما هذا ما اسميته في احدي مقالاتي الصحفيه بالخلطة السحريه لحندق' كثير من السذاجه مع كثير من الطلاوة وصفر من الافتعال'. سألني مرة في سرعة مباغتة' ممكن اطلع في الجورنال؟' رددت عليه' لماذا؟' لكنه رد في سذاجه بريئة..... كده' و لو اني عارف انه شيء لن يحدث ولا في الاحلام'. ربما تداعت هذة الخواطر في ذهني اليوم حينما مررت بالشارع في نفس المكان و فوجئت بجمع كبير يقف في ذهول و قد غطوا شيئا ما بورق جرائد حتي لا يصدم المشهد المارة قبل وصول سيارة الاسعاف, و لما سألت ماذا حدث, وجدت من يقول انه حندق, صدمته سياره مسرعة. هزني ان اتذكر عبارة حندق حينما قال' عارف انه شيء لن يحدث ولا في الاحلام, و ها أنا ذا اتذكر ما قاله, و انشر قصته في الصفحة الأولي, و اعذروني فلم تكن معي اي صور و إلا لقمت بنشرها عليكم وفاء لغلام بريء لم ينل من الحياة أكثر من الحلم المؤجل.