كنت أظن أنني فرغت من ذكرياتي حول العام الأول من العمل كرئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام حينما نشرت مقال سنة أولي أهرام في هذا المكان منذ أسبوعين حتي جاءني ما نشرته صحيفة الدستور حول تعيين لاعب كرة القدم جدو في المؤسسة مقابل توقيعه للنادي الأهلي ومضت الصحيفة في قصتها بأن ذلك واحد من أساليب وكالة الأهرام للإعلان للتعامل مع الأزمة الاقتصادية للنادي العريق, وخطتها للاستيلاء علي مؤسسة الأهرام في آن واحد. والحقيقة أن الأمر بدا غريبا للغاية حيث لا يمكن تعيين أحد بالأهرام دون توقيع رئيس مجلس الإدارة, ولما كنت لم أوقع علي هذا القرار, فإن معناه هو إما أن الصحيفة قد وقعت في خطأ ورطها فيه من لا يريد خيرا لا للنادي الأهلي, ولا للأهرام, ولا حتي للاعب جدو; أو أنها مارست نوعا من الكذب الصريح. وعلي أي الأحوال لم يمض وقت طويل حتي قام اللاعب بتكذيب الخبر بشكل واضح لا لبس فيه, وهو ما كان يعني أن صحيفة الدستور سوف تقوم بالاعتذار عن الخبر الكاذب, والتوضيح للقارئ عن الملابسات التي أدت إلي وقوعها في هذا الخطأ الجسيم, خاصة أنها لم تتجشم عناء سؤال أحد من المسئولين في الأهرام عن حقيقة الخبر. ولكن المفاجأة لم تكن فقط أن الصحيفة لم تتراجع عن الخبر, أو تقدم اعتذارا لقارئها أو للأهرام, وهي التي لا تكف عن توزيع اتهامات الكذب يمينا ويسارا كل يوم, وإنما سارت في طريقها تكرر نفس الاتهامات بعد أن نزعت عنها قصة جدو التي لم يكن لها أساس. ومرة أخري جري الاتهام نقلا عن مصادر غير معلومة من الأهرام, ولم يجر مرة واحدة التحقق من هذه المعلومات من مصادرها الأصلية, بالطبع إذا ما كانت هناك معلومات من الأصل, وأن الأمر كله لا يزيد علي خيالات واختراعات كاذبة. وكان الاتهام هذه المرة مركزا علي سيطرة وكالة الأهرام للإعلان علي الأهرام لصالح النادي الأهلي مصحوبا بموسيقي تصويرية عن عمليات إنفاق واسعة تجري فاقت عهودا سابقة. وكان ذلك تحديدا هو الذي أعادني مرة أخري إلي سنتي الأولي في قيادة الأهرام حينما اتخذت قرارا لا رجعة فيه بأنه حتي يسير الأهرام في طريقه نحو الازدهار فلا بد أن يتصالح مع تاريخه, لا يستثني فيه عهد ولا يستبعد. وإذا كان الأستاذ محمد حسنين هيكل قد أعطي الأهرام سمعتها العالمية, فإن الأستاذ إبراهيم نافع أعطاها أكبر عملية توسع استثماري عرفته في تاريخها, أما الأستاذان صلاح الغمري ومرسي عطا الله فقد قاما بمهمة إعادة التوازن المالي والاقتصادي للمؤسسة بعد اختلال نتج عن الانكماش الاقتصادي من جانب آخر. ومما شجعني علي هذا التوجه أنه خلال الأيام الأولي لتولي المنصب جاءتني مذكرة وافية من مجلس الشوري وردت فيها نتائج التحقيقات حول أوضاع الأهرام وكانت واضحة وصريحة ليس فقط بأنه لا وجه لإقامة الدعوي تجاه أحد, بل إنها وجهت اللوم لمن طرح الموضوع أصلا. والحقيقة أن المسألة كلها لم تكن قضية عهود مضت بقدر ما كانت قضية عهد سوف يبدأ يريد ليس فقط مصالحة مع الماضي, وإنما أيضا انطلاقة نحو المستقبل. وكنت أعرف أن الأجواء مسممة, وأن هناك من سوف يسئ فهم القصد والنية, ولكن تقديري كان أنه لا يصح أبدا إلا الصحيح, وأن القيادة للرجال لا تكون بالانصياع, وإنما بطرح الأهداف واستراتيجيات الوصول إليها. وكان هذا هو ما حدث بالفعل وسط ضوضاء خارجية كانت إلي حد كبير متربصة بالأهرام دون غيره من المؤسسات الإعلامية الكبري, وفي حدود العلم فإن أحدا لم يتابع أمورا كثيرة حدثت في مجالس إدارات صحف أو محطات تليفزيونية أخري, بل إن أحدا لا يعلم ماذا يجري في صحيفة الدستور علي وجه التحديد, ولا المدي الذي وصلت إليه في التعامل مع الصحفيين العاملين فيها. والعجيب أن سجل العام كان داحضا لكل إدعاءات الدستور, فرغم انخفاض إيرادات المؤسسة خلال الربعين الأول والثاني بسبب الأزمة الاقتصادية, فإن المؤسسة كلها لم تشعر بهذا النقص نتيجة الضبط الكبير لعمليات الإنفاق وترشيدها. وعلي عكس ما قيل تماما من أن الإنفاق وصل إلي مستويات ضارة, فإن الإنفاق مع نهاية العام كان قد تم تخفيضه بمقدار120 مليون جنيه عن العام السابق عليه والذي كان مشهودا له بالتقشف والزهد. ومما يحمد لهذا التخفيض أنه حدث مع زيادة دخول العاملين في المؤسسة بشكل ملموس, ولأول مرة كانت هناك ميزانية واضحة لعمليات التطوير المتعددة, فضلا عن ميزانيات للاحتياطي والطوارئ, كما جرت إضافات كبيرة علي موازنة العلاج والصحة في المؤسسة كلها. وخلال أسابيع من الآن سوف يتم عرض ذلك كله علي الجمعية العمومية للأهرام, كما أنه جري تقديم موازنة عام2010/2009 إلي الجهاز المركزي للمحاسبات مع الميزانية التقديرية للعام2011/2010 لأول مرة في مواعيد قياسية لم تحدث من قبل. ما هي المسألة إذن لكي تجعل صحيفة الدستور عملية خفض في الإنفاق تتحول إلي عملية إسراف في الإنفاق, ولماذا تصر علي توجيه الاتهامات إلي مؤسسة لها مجلس إدارتها المنتخب, وتخضع لرقابة مؤسسات قومية محترمة. وحتي تكون الأمور واضحة فإن الأهرام علي استعداد لنشر كل المعلومات عنه مهما كانت دقتها بشرط واحد هو أن يطبق ذلك علي جميع المؤسسات الصحفية والإعلامية الأخري. وببساطة فإننا علي استعداد لفرض جميع شروط الشفافية علي مواردنا وإنفاقنا, ولكن احترام شروط المنافسة يستدعي أن يطبق ذلك علي الجميع حتي يقوم العدل ويستوي الميزان. وقد كان ذلك هو قصة السنة كلها, حيث كانت قصة الأهرام دائما هي الأسهل, وكان هناك من صعد فجأة بقصة السير كتفا بكتف مع الأهرام وهو يعلم أننا لا نستطيع بحكم كوننا مؤسسة مسئولة أن نعلن الأرقام الدالة علي الفارق الهائل بين الأكتاف. وبالنسبة لنا كانت كل الأخبار الطيبة للصحافة المصرية طيبة لنا أيضا خاصة ونحن نطبع ونوزع الغالبية الساحقة منها, بل إن الكثير منها طلب أيضا أن نتولي إعلاناتها. ولم يكن ذلك راجعا لحب خاص للأهرام, وإنما أيضا احتراما لدرجة الاحتراف الموجودة فيه والتي لا تفرق بين النادي الأهلي ونادي الزمالك, ولا بين معلن أو آخر, واعتبارهم جميعا من أفضل عملائنا الذين نوفر لهم أفضل خدمة إعلانية مقابل عائد لمؤسسة الأهرام. ولم تكن هناك مصادفة أبدا أن الأستاذ حسن حمدي ظل رئيسا لقطاع الإعلانات سواء في العهد الحالي أو في العهود الثلاثة السابقة للأساتذة إبراهيم نافع وصلاح الغمري ومرسي عطا الله رغم الفارق بينها في التوجه والرؤية. هكذا فإن القضية ليست فقط ما حصل عليه النادي الأهلي من الأهرام مقابل حقوق إعلانية, ولكن ما حصل عليه الأهرام من النادي الأهلي مقابل هذه الخدمة. ولكن جماعتنا في الدستور لا يعرفون دائما أكثر من نصف القصة, وعلي أي الأحوال فإن أحدا لم يسألنا أبدا عن النصف الآخر, وفي كل الأحوال فإننا لا نعرف قصصا سرية, ومن يرد أن يعرف عن الأهرام أكثر فإن المعرفة تأتي من العنوان الصحيح شريطة أن تطرق كل الأبواب, وتتاح كل المعلومات. ومن يرد أن يكتب عن الأهرام فعليه متابعة مشروعات التطوير الجارية في المؤسسة في مجالات التحرير والإعلان والتوزيع والطباعة وتحسين أحوال العاملين ورعاية أسرهم ماديا وصحيا. ومن يرد أن يعرف أكثر فعليه أن ينتظر تفاصيل السنة الثانية في الأهرام إذا شاء الله. إذا كان الأستاذ محمد حسنين هيكل قد أعطي الأهرام سمعتها العالمية, فإن الأستاذ إبراهيم نافع أعطاها أكبر عملية توسع استثماري عرفته في تاريخها, أما الأستاذان صلاح الغمري ومرسي عطا الله فقد قاما بمهمة إعادة التوازن المالي والاقتصادي للمؤسسة ولأول مرة كانت هناك ميزانية واضحة لعمليات التطوير المتعددة, فضلا عن ميزانيات للاحتياطي والطوارئ, كما جرت إضافات كبيرة علي موازنة العلاج والصحة في المؤسسة كلها.وخلال أسابيع من الآن سوف يتم عرض ذلك كله علي الجمعية العمومية للأهرام [email protected]