صعايدة وفلاحين... صنايعية ونجارين.. زوار لأهل البيت والحسين كلهم متجمعين في كلوت بك وعماد الدين في لوكاندات لاتصلح سكنا للبني آدمين إلا ما قل منها وندر تشير الاحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة ان منطقة وسط القاهرة تضم وحدها اكثر من100 فندق وبنسيون صغير تنتشر علي طول المسافة التي تربط ما بين اقسام الازبكية وعابدين والموسكي وأن أغلب هذه اللوكاندات والبنسيونات يتركز في شارع عماد الدين وكلوت بك الذي يمتد من ميدان رمسيس وحتي منطقة العتبة, حيث يضم شارع كلوت بك وحده ما يقرب من ثلاثين بنسيونا وفندقا صغيرا, من اشهرها لوكاندة محمد علي أو كلوب الغلابة كما أسماها اسماعيل ياسين في أحد أفلامه. وبنسيون النيل وكوكب الشرق فضلا عن لوكاندة سوهاج الكبري, وكذلك فندق الاندلس ولوكاندة المنتزه الكبري. أما عن رواد وسكان هذه البنسيونات واللوكاندات فهم تلك الطبقة التي لاتستطيع تحمل المبيت في فنادق النجوم الثلاث أو الخمس, أو حتي الواحدة إن وجدت, لذلك فخدمات هذه الفنادق لا تذكر, فهم لايقدمون سوي السرير الذي يبدأ سعره من8 جنيهات لليلة الواحدة. ليس هذا فحسب إذ يمكنك إذا كنت من هواة الخدمة الفندقية من الدرجة الثالثة أن تشترك مع أي شخص في الحجرة الواحدة إذا كان سعرها لا يناسبك, فهناك حجرات تبدأ من15 جنيها وتنتهي ب60 جنيها حسب عدد الأسرة وتبعا لوجود حمام أو عدمه, وكله بثمنه. المشهد الأول بدأنا جولتنا من شارع عماد الدين وهو الأشهر في هذا المجال, وتحديدا من عمارة رقم5 والتي تضم أكثر من4 لوكاندات, في البداية ذهبنا لفندق السعادة الذي يقع في أخر طابق, ورغم وجود تليفزيون وعدد من الزبائن يشاهدون مباريات كأس العالم فإن الزبالة كانت في كل مكان, ومع هذا لم يبد أنها تثير أيا من هؤلاء الملتفون حول شاشة التليفزيون, وعندما سألنا عن المسئول حتي نتحدث معه خرج لنا شخص من الحمام مازال يربط حزام بنطلونه, فقد كان يبدو انه معتاد علي إكمال ملابسه في الريسبشن المجازي, غير انه اعتذر عن عدم الحديث معنا ربما بعدما لمس عدم جديتنا في سكني فندقه الشهير. أما فندق مترو والذي يقع في نفس العمارة فكان حاله أفضل وأنظف نسبيا من فندق السعادة الذي يبدو أنه لا يحمل من اسمه شيئا, وفي مترو كان في استقبالنا صالة كبيرة تضم مجموعة من الكراسي ومكتب قديم وضع عليه تليفون بقرص مما يمكن مشاهدته في أفلام زمان, التليفون علي قرصه الدوار قفل أغلق بأحكام, ومن وققفتنا في الصالة تمكنا من مشاهدة حمام كان أشبه بدورات المياه العامة الموجودة في محطات القطار, حمام بلدي طبعا, أما المطبخ فحدث ولا حرج فرغم وجود بوتاجاز وثلاجة من العصور القديمة فإنك لن تتحمل إعداد كوب شاي داخل جدرانه. ما هي إلا ثوان واستيقظ عم بشري عبد الشهيد الذي حضر منذ أكثر من25 عاما من محافظته قنا للعمل في القاهرة, وكان قد نام علي كنبة موجودة في الصالة بجوار المكتب الذي عرفنا منه فيما بعد أنه مكتب الإدارة, وبعد أن قدم لنا كوب شاي واجب الضيافة بدأ كلامه معنا قائلا المباني والعمارات هنا كلها تاريخية بنيت منذ عام1860 وكانت أملاكا لليونانيين ومازالت تحتفظ بهذا الطابع القديم الأصيل, حتي الأثاث الخشبي للغرف يوناني عريق, لذلك فكل الفنادق والمباني تابعة لهيئة الآثار, أما عن زبائن هذه الأماكن فيقول عم بشري زمان كانوا ممثلين ومؤلفين وأجانب من كل الدنيا أما الآن فالزبون تغير مع الزمن, فأكثر الناس إقبالا علينا هم الاخوة الصعايدة, منهم من حضر لانهاء ورق من مجمع التحرير أو من إحدي السفارات أو الوزارات وإقامته قد تستغرق يوما أو يومين. وعن أسعار البنسيون قال الأسعار هنا تقريبا متقاربة تبدأ من10 جنيهات وقد تصل الي60 حسب عدد السراير, فمثلا عندي حجرة بسريرين سعرها لليلة15 جنيها وأخري بأربعة سراير وحمام تصل الي60 جنيها وبعد ان أنهي عم بشري كلامه أخذنا جولة في الغرفة لنري دولابا وسريرا في كل غرفة عمره من عمر العمارة تقريبا. المشهد الثاني فندق لوريس أو فيكتوريا سابقا والذي يقع أمام فندق مترو مباشرة, لايختلف عنه في مستوي النظافة التي تستطيع معها أن تشم رائحة المنظف, ومن داخل لوريس قابلنا سمير يونان وهو الشاب المسئول عن الفندق الذي لا تختلف أسعاره عن أسعار مترو ولكنك لن تجد فيه غرفا بحمام, أكثر المترددين عليه هم اخواننا السودانيون الذين اصبحت بين سمير وبينهم عشرة وصداقة طويلة, يقول سمير ان اجراءات قبول أي زبون واحدة في كل الفنادق, وهي صورة من إثبات الشخصية والدفع مقدما أما البنات فاستضافتهن ممنوعة إلا إذا كان معه أبوها أو أخوها وطبعا ما يثبت صلة القرابة, وهذا عرف منعا للإحراج. لفت انتباهي رقم تليفون معاون مباحث قسم الأزبكية والذي يبدو ان رقمه مهم جدا في حياة الفنادق, فالرقم موجود في كل فندق, أخبرنا سمير بملاحظتنا فقال هذا لخدمة النزيل إذا تعرض لأي مضايقات وكذلك لخدمتنا إذا حدث أي شيء مريب أو غير سليم, ونحن هنا نقدم لقسم الشرطة الذي نتبعه دفتر النزلاء مرتين في اليوم مرة الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ومرة في التاسعة مساء لمعرفة كل النزلاء بصفة دورية. إبراهيم أمين من محافظة الأقصر زبون دائم تحول الي صديق لفندق لوريس, قال لنا بحكم عملي كسائق قطارات أتردد علي هذه الفنادق منذ أكثر من25 عاما, حيث كانت الغرفة ب60 قرشا. كلوت بك الحال في شارع كلوت بك أو كلو بيه كما ينطق لا يختلف كثيرا غير ان عدد الفنادق وكذلم الرواد أكثر بكثير, عماراته أيضا مازالت تحتفظ بطابعها التاريخي القديم, ومن داخل لوكاندة البرنسات قال لنا نهاد نبيل المسئول عن ادارتها هذه المناطق رغم أصالتها وتاريخها فإنها للناس الغلابة الذين لايملكون حتي امكان الأكل في مطاعم الفول والطعمية, ويكتفون بشراء ساندوتش من علي عربية الفول, وخصوصا هنا في كلوت بيه لأنه أرخص من عماد الدين. وعن الاقبال علي هذه الفنادق قال الوضع تغير عن زمان... الإقبال قل كثيرا لكن لدينا موسم تكتظ فيه كل بنسيونات الدرجة الثالثة وهو الموالد والأعياد.. أما الزبائن الآن فهم جاءوا غالبا لإنهاء أوراق من السفارة أو للعلاج في أحد المستشفيات. وعن خدمات الفندق قال لنا كل الفنادق هنا لا تقدم أي خدمات سوي المبيت والقليل يقدم كوب الشاي بجنيه, أما الحمامات فهي مشتركة لكل النزلاء وبالدور وكذلك المطبخ إذا أراد أحد أن يسخن ماء لنفسه أو يسخن طعامه الذي يحضره معه من الخارج. المشهد الأخير لم يختلف وضع باقي الفنادق عن البرنسات إلا أنه يوجد فندق واحد يستقبل البنات بعد أن خصص لهن مكانا خاصا, ويقوم بغلق الباب عليهن من الخارج للأمان وهو فندق المغربي الذي ذهبنا اليه فوجدنا لافتة تقول إنه مغلق اليوم.