كان للهجرة أثرها العظيم في إقامة أمة الإسلام سواء الهجرة إلي الحبشة أو إلي المدينة. ولا شك أن الهجرة بصفة عامة هي أكبر جهاد حيث يترك الانسان وطنه وأهله وماله إلي مكان مجهول لا يعلم عنه شيئا ويعيش مع أناس من غير دينه وأهله يتعامل معهم لمدة قد تصل إلي سنوات كما حدث مع المسلمين الذين هاجروا إلي الحبشة يقول تعالي( والذين هاجروا في الله من بعدما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة) النحل/41 الهجرة إلي الحبشة وأسبابها فحينما بلغ من كفار قريش ما بلغ, وتعذيبهم للمسلمين الضعفاء وملاحقة من لهم عزوة حتي أنهم لم يستطيعوا ممارسة حقوقهم في العبادة أشار رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي المسلمين أن يهاجروا إلي الحبشة حيث أن فيها ملك لا يظلم عنده أحد وهو النجاشي( أصهمة) أي( عطية) باللغة العربية والذي حماهم من كل سوء وتحمل الكثير من أجلهم ثم احتضنهم في داره ستة عشر عاما مارسوا فيها حرية العبادة في أمان كما أنه أسلم, وأرسل للنبي صلي الله علي وسلم يعلن اسلامه ووعده بنشر الدعوة ولكنه توفي في حياته النبي صلي الله عليه وسلم. هذا, وقد كانت الحبشة أقرب البلاد لمكة بعد عبور البحر الأحمر, كما كانت هناك صلات قديمة بين قريش في مكة والحبشة سياسية وتجارية.. أما الهجرة الأولي فقد كانت في العام الخامس من البعثة, وكان عدد المهاجرين أحد عشر رجلا, وأربع نسوة فيهم عثمان بن عفان, وزوجته رقية بنت محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم, وصلوا إلي البحر الأحمر بين ماش وراكب فاستأجروا سفينة بنصف دينار إلي الحبشة, ثم عادوا إلي مكة حينما نمي إلي أسماعهم إسلام أهل مكة, فلما عادوا لم يجدوا ماسمعوه صحيحا سوي إسلام حمزة بن عبد المطلب( عم النبي صلي الله عليه وسلم) وإسلام عمر بن الخطاب( رضي الله عنهما) ثم لقي المهاجرون ما لقوا, من العنت والعداء أشد ما لقوا من قبل, فهاجروا مرة ثانية إلي الحبشة. وفي هذه الهجرة كان عدد المهاجرين ثلاثة وثمانين رجلا, وثماني عشرة امرأة فيهم عثمان بن عفان, ورقية, وجعفر بن أبي طالب, فيهم من خرج بأهله وفيهم من خرج بنفسه وتناسلوا حتي وصل عددهم بعد ستة عشر عاما إلي ستمائة مسلم مهاجر. وقد توفي في بعضهم في الحبشة أو في الطريق إليها أو في الطريق إلي مكة أو إلي المدينة وقد أمن المسلمون علي أنفسهم في الحبشة وعلي دينهم وأولادهم وحمدوا جوار النجاشي, وكان فيهم أم سلمة رضي الله عنها وزوجها أبو سلمة, وأم حبيبة وزوجها عبيد الله بن جحش. وقد أرسلت قريش وراءهم عمرو بن العاص, وعمارة بن الوليد, وقيل عمرو, وعبد الله بن أبي ربيعة بهدايا نفيسة إلي النجاشي إلا أنه سمع خطيبهم( جعفر بن أبي طالب) حيث تلي عليه سورة( مريم), وما كان من دعوة النبي صلي الله عليه وسلم إلي التوحيد, ونبذ الأصنام وأداء الأمانة وغيرها من خلق الاسلام فرفض النجاشي تسليمهم لهما وظلوا في أرضه وحمايته حتي أرسل النبي صلي الله عليه وسلم بعد فتح خيبر يطلب منه إرسالهم إلي المدينة فأرسلهم, وأعلن اسلامه للنبي صلي الله عليه وسلم وعادوا يشكرون جواره. رابط دائم :