إذا كان يوم31 مايو كل عام يوافق عيد ميلاد الاذاعة المصرية فإنني أعتبر ان يوم الأول من يونيو من كل عام يعتبر أيضا عيدا من أعياد الاذاعة ففي مثل هذا اليوم من عام1947 تحررت الاذاعة من الادارة الأجنبية التي كانت تدير شئونها لتصبح مقاديرها بأيدي ابنائها المصريين كانت الاذاعة علي مدي ثلاثة عشر عاما منذ النشأه في31 مايو1934 وحتي يوم31 مايو سنة1947 خاضعة لادارة اجنبية وذلك حسب العقد الذي تم إبرامه بين الحكومة المصرية وشركة ماركوني الانجليزية صاحبة الخبرة في شئون البث الاذاعي واللاسلكي. بمعني ان تصبح الشركة الانجليزية وكيلة عن الحكومة المصرية في إدارة الاذاعة ويذكر في هذا السياق ان الفضل في الموافقة علي إنشاء الاذاعة يعود الي اسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء في مطالع الثلاثينات من القرن الماضي فأستاذنا الرائد الاذاعي الأول محمد فتحي يقول في كتابه تاريخ الاذاعة المصرية ان مستر ديلاني مدير شركة ماركوني قال له إنه كان يتصل منذ عام1924 برؤساء وزراء مصر ليتعاقد علي إنشاء خدمة اذاعية في مصر علي اساس قومي مثل الاذاعة البريطانية الا ان أحدا منهم لم يعطه أذنا صاغية الا اسماعيل صدقي, ويبدو من ذلك ان الرجل كان سابقا عصره أوليس هو صاحب ومنفذ فكرة كورنيش الاسكندرية الذي جعل من المدينة عروسا للبحر المتوسط؟ وتفتتح الاذاعة في31 مايو سنة1934 وتمر في مراحل التطور مرحلة بعد مرحلة وتقدم للسامعين الثقافة والتسلية وتفتح أبوابها راصدة أحوال المجتمع...مثلا أحس المسئولون عنها ان المصريين شديدو التدين ولذلك اهتمت الاذاعة بتقديم التلاوة القرآنية صباحا ومساء وكان ظهور قارئ في حجم الشيخ محمد رفعت علي أمواج الأثير في سنة1935 شيئا مبهرا بالنسبة للمستمعين وبعده توالي تقديم اساطين القراء عبر الميكروفون مثل الشيخ علي محمود والشيخ طه الفشني وغيرهما من عمالقة التلاوة والتجويد, ويذكر أن الاذاعة كانت سباقة الي معرفة رأي المستمعين فيما تقدمه من برامج ومايرغبون في تقديمه من برامج فكانت تستفتي الجمهور وتعرف رأيه بل ان الاذاعة كانت تتلقي رسائل المتلقين ومنها ماكان ينقد البرامج ومنها مايطلب أغنيات ومطربين معينين ولعل ذلك ماحدا بالاذاعة الي تقديم برامج مثل مايطلبه المستمعون. ونعود الي أول يونيو سنة1947 الذي اعتبر واحدا من أعياد الاذاعة ففيه انتهي عقد شركة ماركوني وانتقلت الاذاعة من الادارة الأجنبية الي الادارة الوطنية وأصبح أمرها بأيدي أبنائها من الكوادر الاذاعية الرائعة التي تكونت علي مدي السنين منذ النشأة ولذلك لم يكن هناك أي عنت او تعب في انتقال الادارة الي ايديهم فهناك سعيد لطفي وعلي خليل ومحمد فتحي وعبد الوهاب يوسف وحافظ عبد الوهاب والحديدي والمشري وصفية المهندس وتماضرتوفيق وعبد الحميد يونس وغيرهم الي جانب اداريين وفنيين ومنسقي برامج وشكلت الدولة مجلس اعلي يشرف علي أمور الاذاعة ومنه انبثقت لجان تبحث وتقرر مايقدم من برامج ثقافية وسياسية واجتماعية وفنية ومن الطريف ان الراديو منذ63 عاما لم يكن منتشرا في القري حتي أن وزير الشئون الاجتماعية الذي كانت الاذاعة تابعة لوزارته أشار في حديث له إلي أنه من الواجب ان يكون هناك راديو في كل قرية بل ان الرجل ناشد الموسرين وأصحاب الأراضي في الريف وجمعيات التعاون ومحبي الفلاح بالتبرع بأجهزة راديو للقري وجاء في كتاب تاريخ الاذاعة للدكتور حلمي شلبي ان الوزير قال في حديثه ان الاسي يملأ قلبه وهو يرقب هذه القري وقد شملها السكون القاتل في الليل وان وجود راديو في القرية سيجعل أبناءها يسعدون بما تقدمه الاذاعة من آي الذكر الحكيم والأحاديث النافعة والاغنيات الجميلة وتبدأ الاذاعة تاريخا جديدا لها منذ اول يونيو سنة1947 فزادت من نشرات الاخبار كما وكيف وأنشأت أركانا للطفل والمرأة والريف وقدمت أحاديث تهتم بالموضوعات التي تهم المواطنين وعرفت المصريين بحضارتهم وعرفتهم حضارات الدول الأخري اضافة الي برامج ترفيهية وحفلات غنائية وصور صوتية ودراما اذاعية وياإذاعتنا الحبيبة هذا جانب من ذكرياتك العطرة نقدمها لك احتفاء بأعيادك وما أبعد الفرق بين القرية المصرية سنة1947 عندما استجدي الوزير الموسرين ليتبرعوا بجهاز راديو لكل قرية وماعليه قري مصر الآن حيث غابات الأطباق تعلو أسطح المنازل وما ابعد الفرق بين اذاعة كان يديرها ويقدم برامجها حوالي مائة من العاملين مذيعين ومهندسين واداريين ومخرجين الي اذاعة تصل كفاءتها الي حوالي ستة آلاف من الاذاعيين منتشرين في ربوع مصر يملأون الأثيرببرامجهم وحراكهم وتفاعلهم مع احداث الوطن وهموم آمال المواطنين.