لااعرف علي وجه الدقة من الذي اشار عليا المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي, بالعودة واحتراف السياسة في مصر, فالرجل الذي غادرنا منذ سنوات بعيدة بحثا عن منصب دولي, بمقابل مادي كبير, يعود الي مصر وهو يحمل بداخله بعض الذكريات عنها, ولايتذكر من صورتها الا بعض الطشاش لدرجة انه في جولاته يبدو وكأنه سائح اجنبي وليس مواطنا مصريا. وحين زار الأزهر وخان الخليلي في اول ظهور له في الشارع, بدا انه يحاول اللعب علي المشاعر الدينية للمصريين, وعاد وكرر نفس الامر في عيد القيامة المجيد حين اصر علي حضور القداس في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.. لكن يبدو ان هذه الزيارات لم تكن كافية لتشعره انه عاد الي وطنه فقرر اكتشافه من جديد. واذا كان البرادعي يريد لعب دور سياسي فالمفروض ان يزور القري والعشوائيات, ويسافر الي الصعيد الجواني, ويجلس علي ناصية ارض مزروعة بالقصب ويتبادل الحديث مع الفلاحين في الزراعات ولامانع ايضا من مص عودين قصب فعصير القصب هو المشروب الرسمي المصري, ويمصه المصريون للحصول علي السكر من اجل الطاقة الرخيصة, وتسليك الاسنان بدلا من الفرشاة والسواك الذي لايزرع في مصر. لكن الدكتور البرادعي قام امس بزيارة غريبة لمصر القديمة, حيث زار جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة والمتحف القبطي, وكنيسة يهودية.. تماما كما يفعل السائحون الاجانب. وتحرص شركات السياحة علي تنظيم زيارة للسائحين لهذه المنطقة التاريخية المهمة في مصر, لان من يزورها مرة واحدة, يمكنه رؤية كل تاريخ مصر مجتمعا في مربع واحد, في مكان قديم وشوارع ضيقة مرصوفة بالحجر تتراص علي جانبيها الاثار الشامخة من مختلف العصور. لم يدل الدكتور البرادعي بأي تصريحات صحفية عن زيارته, ربما يفكر هل يتحدث كسائح انبهر بروعة المكان, ام كناشط سياسي لايزال يبدأ رحلة الصعود من الصفر, لكن في كل الاحوال لو كان طلب المشورة قبل الرحلة التاريخية والاثرية لنصحته بزيارة خارطة ابوالسعود في نهاية هذه المنطقة من ناحية الملك الصالح. في هذه المنطقة يوجد محل شهير لبيع سندوتشات الكبدة والمخ, صحيح انها كبدة مجمدة ومستوردة, وغالبا منتهية الصلاحية, وقد يؤدي تناولها الي مشاكل صحية جمة, لكن اهالي المنطقة اعتادوا عليها واصبحت من اهم ملامح المنطقة. وليس بعيدا عنها الجيارة التي كانت في يوم من الايام أحد اوكار تجارة المخدرات, وذاعت فيها شهرة كتكت وشقيقته حورية اباطرة تجارة المخدرات في الجيارة.. وهي مع كبدة ابوالسعود تشكلان تاريخا في المنطقة يعرفه الناس جيدا ويتحدثون عنه.. ومن يريد ممارسة السياسية لابد ان يتقرب من الناس.. وان يبدأ بربع مشكل كبدة ومخ.. ثم يحاول البحث عن مقهي ليأخذ نفسين شيشة لزوم الحبس والهضم بعد الطعام, نظرا لاختفاء الحشيش وانهيار امبراطورية كتكت. وكما يفعل السائحون بعد زيارة الازهر وخان الخليلي يجلسون علي مقهي الفيشاوي ويشربون السحلب ويدخنون الشيشة كل حسب صحته معسل قص او تفاح.. لايفوت اي سياسي مستجد وعابر منطقة تاريخية او شعبية ان يمارس بعض طقوسها.. لكن علي مايبدو لانها المرة الاولي التي يسيح فيها البرادعي في مصر القديمة, فانه لم يعرف عاداتها وتقاليدها!