أسعار الدواجن والبيض اليوم 28 مايو.. ارتفاع جماعي وأرقام صادمة    حدث ليلا.. إسرائيل تحت النار واشتباكات برفح الفلسطينية وكوريا الشمالية تدق طبول الحرب    طقس اليوم 28 مايو.. هبوط بدرجات الحرارة وأمطار رعدية بهذه المناطق    «زي الجاهز».. طريقة عمل مارشميلو في البيت بألوان مختلفة    «جريفيث»: لا يوجد مكان آمن في غزة.. والهجوم على رفح الفلسطينية غير مقبول    حظك اليوم برج الجدي الثلاثاء 28-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هند البنا: جنود الاحتلال الإسرائيلي يعانون من اضطرابات نفسية بسبب حرب غزة    «الأزهر للفتوى» يوضح المواقيت المكانية للإحرام كما حددها النبي    هند البنا: المجتمع الإسرائيلي يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية    السبت.. مجلس أمناء الحوار الوطني يواصل اجتماعاته    اليوم.. وزير الكهرباء يفتتح محطة رياح خليج السويس بقدرة 252 ميجا وات    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28 مايو في محافظات مصر    محمد رمضان يعلق على أحداث رفح الفلسطينية    يتم إعلانها «اليوم».. تاريخ جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية    مدير المستشفى الكويتي برفح: أُجبرنا على الإغلاق بعد مصرع اثنين من العاملين    هل يجوز الحج بالتاتو المؤقت؟ دار الإفتاء تجيب    تعرف على ترتيب جامعة المنيا في تصنيف الجامعات عالميا    ترتيب هدافي الدوري السعودي بنهاية موسم 2023- 2024    عاجل - وكيل الأمين العام للأمم المتحدة: حذرنا من أن عملية رفح ستؤدي لمذبحة ولقد رأينا العواقب    السيطرة على حريق التهم مخزن أدوات كهربائية في ميت غمر بالدقهلية (صور)    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    بشير التابعي: الأهلي يعيش في حالة استقرار مالي وإداري عكس أي نادِ آخر في مصر    شوبير: الشناوي هو أقرب الأشخاص لقلبي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    مصطفى شوبير: «رايح معسكر المنتخب وأنا الحارس رقم واحد في مصر»    مدرب الألومنيوم: ندرس الانسحاب من كأس مصر بعد تأجيل مباراتنا الأهلي    دويدار مهاجما إدارة الزمالك: «هذه الأخطاء لا يقع فيها مراكز الشباب»    نقابة الأطباء: قانون تأجير المستشفيات الحكومية يتسبب في تسريح 75% من العاملين    عيار 21 يسجل رقما جديدا.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم بالصاغة بعد الانخفاض    مفاجأة كشفتها معاينة شقة "سفاح التجمع" في مسرح الجريمة    نتائج السادس الابتدائي بالعراق 2024 الدور الأول    غرق طالب أثناء استحمامه فى ترعة «السوهاجية» ب سوهاج    الحكومة: زيادة تدريجية بأسعار الكهرباء لتجنب الإثقال على المواطنين بزيادات يصعب تحملها    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024    إستونيا: المجر تعرضت لضغوط كبيرة لتفسير عرقلتها مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا    ذاكرة الكتب.. بعد حادثة مصرع «رئيسى».. «هل إيران جمهورية إسلامية أم سلطنة خمينية»؟    محمود فوزي يرحب بدعوة مدبولي لإشراك الحوار الوطني في ملف الاقتصاد    «دير البرشا» تستقبل بطلات «كان» بمظاهرة حب    وزير الصناعة: بدأت الآن على مسار تصنيع السيارات الصديقة للبيئة (فيديو)    خبير: ملايين المصريين بحاجة إلى دخول عالم الذكاء الاصطناعي    «من حقك تعرف».. هل تتنازل الزوجة عن قائمة المنقولات الزوجية عند طلب الخلع؟    اتصالات النواب تكشف مفاجأة بشأن رابط شوف صورتك بعد سنوات    إدارة المقطم التعليمية تستقبل وفدا من مؤسسة "حياة كريمة"    الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تستعد لإقامة احتفالية بمناسبة عيد دخول السيد المسيح أرض الكنانة    عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك 2024    4 أعراض للإصابة بمرض الربو، تعرف عليها    فوائد مذهلة لتجميد الخبز قبل أكله    ياسمين رئيس أنيقة بالأسود وفنانة تحتفل بعيد ميلاد ابنة شقيقتها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية يكشف لمصراوي أبرز تحديات العمل الأهلي في مصر    هل وصل متحور كورونا الجديد إلى مصر؟.. رئيس اللجنة العلمية يوضح    «صحة القليوبية»: رفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى المبارك    رئيس جامعة المنيا يشهد ختام فعاليات المُلتقى السنوي الخامس للمراكز الجامعية للتطوير المهني    اليابان تدعو لتوخى الحذر بعد أنباء عن إطلاق كوريا الشمالية صاروخ    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل ‫    أخبار 24 ساعة.. وزير الأوقاف: إجمالى المساجد المجددة منذ تولى الرئيس السيسي 12 ألفا    تعرف على فضل وحكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    هل يجوز تعجيل الولادة من أجل السفر لأداء الحج؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء تجيب    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمس نفرتاري أميرة الجهاد

‏1‏كانت الشمس تسطع علي الكون‏,‏ فتنشر اشعتها الذهبية في كل مكان‏..‏ تغزو الحقول فتورق الاشجار‏,‏ وتتفتح الثمار‏..‏ تلمع علي سطح الماء‏,‏ فتكسبه لمعانا‏,‏ وكأنه نثر عليه آلاف القطع الذهبية ذات البريق الاخاذ‏.‏
كانت الاميرة احمس نفرتاري تعشق تلك المشاهد‏...‏ فتستيقظ مبكرا لتستمتع بها‏,‏ وتري الكون في أبهي صورة‏,‏ تتطلع من شرفات القصر في طيبة التي تقع علي ضفاف نهر النيل‏,‏ الي مراكب الصيادين‏,‏ التي تسير في أمان‏,‏ ناشرة قلوعها البيضاء‏,‏ وتري الخدم يروحون ويجيئون‏,‏ يستعدون منذ الصباح الباكر لانجاز ما لديهم من اعمال‏..‏
وكان الامير احمس يستيقظ في الصباح الباكر ايضا‏,‏ وبرغم اعجابه بمشاهد البكور‏,‏ وغلالة الحسن التي تلف الدنيا في هذا الوقت‏,‏ الا انه استيقظ اليوم مبكرا لانه في شوق لرؤية حبيبته نفرتاري فقد مكث فترة غير قصيرة في معسكر التدريب بعيدا عنها‏,‏ يتدرب علي فنون القتال‏,‏ من رمي السهام‏,‏ والحراب‏,‏ والقتال بالسيف‏..‏ وغيرها‏,‏ بل انه احب ايضا ان يتقن صناعة الاسلحة فصاحب الحرفيين‏,‏ والصناع‏,‏ وتعلم منهم الكثير حتي بات من المقربين من عامة الشعب‏,‏وبرغم مكانته الرفيعة كأمير‏,‏ وولي للعهد‏,‏ الا انه كان قريبا من شعبه ربما لصغر سنه‏,‏ او لخصاله الحميدة التي من الصعب ان تجتمع في انسان واحد‏,‏ فهو يجمع بين الرقة والقوة‏,‏ واللين والحزم‏,‏ والقسوة والعطف‏,‏ يتعالي علي الاغنياء والاقوياء‏,‏ ويتواضع للفقراء والمساكين‏,‏ واصحاب العلم‏..‏ وبرغم حداثة سنه‏,‏ الا انه كان اكثر شهرة من اخيه كامس الذي عرف بقوته وصلابته‏,‏ وشجاعته‏...‏ نزل الامير أحمس الي حدائق القصر مجتازا شرفة الاميرة‏..‏ واثقا من رؤيتها اياه‏..‏ ثم تمهل في سيره‏,‏ واختار شجرة سرو بديعة المنظر‏,‏ وجلس اسفلها ينتظر قدوم اخته‏,‏ وحبيبته أحمس نفرتاري كان يري من خلال جلسته أيكات البردي‏,‏ التي تعشقها الاميرة‏,‏ فظل يتأملها لحين قدومها‏,‏ حيث لم تتأخر كثيرا‏,‏
فبمجرد رؤيتها له‏,‏ وهو يمر من امام شرفتها‏..‏ تملصت من يد مربيتها العجوز سادهي ,‏ وكانت المربية تكمل لها زينتها‏,‏ وتضع لها الشعر المستعار علي راسها‏,‏ فرفضتها نفرتاري ,‏ وقالت لها‏:‏
بل ضعي بعض الزهور في شعري‏,‏ واجعليه منسدلا علي ظهري‏,‏ فأحمس يحبه هكذا‏...‏
انتبهت سادهي لقول سيدتها‏,‏ ففعلت مثلما امرتها‏,‏ فهي لا تجرؤ علي مخالفتها‏,‏ وان تغير وجهها بعض الشيء‏,‏ لدي سماعها لتلك العبارة من سيدتها‏,‏ اذ عرفت انها ذاهبة لمقابلة احمس ..‏ فأطرقت حتي اتمت عملها‏,‏ وبمجرد انتهائها‏..‏ جرت نفرتاري من امامها‏,‏ وماهي الا بضع درجات اجتازتها حتي اصبحت في البستان‏,‏ واتجهت مباشرة الي آبكات البردي‏,‏ حيث توقعت جلوس احمس هناك في انتظارها‏,‏ وبالفعل وجدته هناك‏,‏ فتسللت من ورائه بخفه‏,‏ ووضعت كفيها علي عينيه‏,‏ فقال لها احمس :‏
أرجوك‏..‏ ارفعي كفيك عن عيني‏..‏ فأنا اركز النظر في آيكات البردي‏,‏ انه النبات المفضل لدي حبيبتي نفرتاري وعندما انظر اليه اتذكرها‏..‏
فرفعت نفرتاري كفيها في غضب سائلة‏:‏
وهل تنساها بقية الوقت؟
ضحك احمس وتظاهر بالتفكير في الأمر‏,‏ مما جعلها تشتعل غيظا‏,‏وتهم بالانصراف‏...‏
اسرع احمس يمسك بيديها‏,‏ ويجلسها بجواره‏,‏ قائلا لها‏:‏
لكم اوحشتني‏..‏ كنت اتذكرك مع كل حركاتي‏,‏ وسكناتي‏..‏ومحياك ما غاب قط عن ناظري‏..‏
شعرت نفرتاري بالرضا والحبور لوقع كلماته‏,‏ وسألته عن الاحداث التي مرت به طوال فترة غيابه‏,‏ وطالبته بأن يقص عليها حكاياته‏..‏وبدأ أحمس يقص عليها كل شيء‏,‏ ولكنهما لمحا من بعيد الخادمة الصغيرة ورت ,‏ كان يبدو من هيئتها انها تبحث عنهما‏,‏ او عن احدهما‏,‏ في ارجاء البستان‏,‏ وحينما ابصرتهما‏..‏ قدمت اليهما‏,‏ وهي ترتجف وانحنت امامهما قائلة‏:‏
مولاي الامير احمس ,‏ مولاتي الاميرة نفرتاري‏..‏ ان الملكة الام اعح حوتب العظيمة بعثت في طلب الاميرة نفرتاري علي وجه السرعة‏,‏ وقد تعجب رسولها لخروج الاميرة المبكر‏,‏ وكان في سبيله للعودة‏,‏ واخبار الملكة بان مولاتي غير موجودة في جناحها‏,‏ ولكن سادهي استمهلته‏,‏ وقالت لي‏:‏ اذهبي‏..‏ ستجدي مولاتنا في البستان‏..‏ وها أنا قد جئت لاخبرك بالامر‏.‏ قامت نفرتاري من فورها‏,‏ وودعت احمس ,‏ وعلي وجهها امارات القلق‏,‏ والترقب‏..‏
‏2‏
دخلت الاميرة أحمس نفرتاري قاعة العرش‏,‏ كانت الملكة اعح حوتب تجلس بمفردها‏,‏ وحولها بعض وصيفاتها‏,‏ تمسك كل واحدة منهن بمروحة من الريش‏,‏ تدفع بها الهواء تجاه الملكة‏,‏ فما ان رأتها حتي طلبت من الوصيفات الكف عما يفعلن‏,‏ والانصراف‏..‏ فاتجهن جميعهن صوب الباب‏,‏ بينما كانت احمس نفرتاري تتقدم نحو الملكة في خطوات مرتجفة‏,‏ فقد كانت للملكة هيبة كبيرة‏,‏ الي جانب ان نفرتاري تشعر بأن هناك ما يزعج الملكة‏,‏ ويكدر صفوها‏..‏ ولذا كانت الاميرة تحاول ان تتحاشي لقاءها في الآونة الاخيرة‏,‏ ولكن هاهي الملكة تجد في طلبها فليس هناك من سبيل للاختباء‏,‏ او الفرار‏..‏ قرأت الملكة ما تفكر فيه ابنتها في عينيها‏,‏ وسألتها مباشرة‏:‏
أين كنت؟‏...‏
ارتجفت نفرتاري من طريقة الملكة في السؤال ولكنها أجابت‏:‏
كنت في البستان‏...‏
في هذا الوقت المبكر؟
اني احب البكور‏.‏
ولكنك لم تخرجي للبستان منذ فترة‏,‏ وكنت ملازمة لجناحك‏,‏ حتي ظننت انك ستعتزلين حياتنا‏....‏
لم يكن هناك ما يروقني‏,‏ولكن الشمس اليوم بديعة‏,‏ والجو صحو‏,‏ فآثرت الخروج للاستمتاع بالطبيعة‏.‏
هل كنت بمفردك؟
ترددت نفرتاري قليلا‏,‏ ثم اجابت‏:‏
كنت مع احمس ...‏
استشاطت الملكة غضبا‏,‏ وارتفع صوتها‏,‏ وقالت‏:‏
ألم امنعك من مقابلة احمس ؟‏!‏
قالت نفرتاري بتوسل‏:‏
امي‏....‏
قاطعتها الملكة قائلة‏:‏
لا تقولي امي مرة ثانية‏..‏
قالت نفرتاري بإصرار‏:‏
ولكنك امي‏...‏
بل انا الملكة اعح حوتب زوجة الملك الراحل سقنن رع الذي صعدت روحه في ميدان الحرب‏,‏ ومات ميتة ملك عظيم‏,‏ وانا ام الملك كامس ,‏ الذي سيكمل مشوار والده في تحرير الوطن‏.‏
انا لا أعرف لماذا جلالتك غاضبة مني؟‏...‏
لانك لا تستمعين الي كلماتي‏.‏ ولا تنفذين اوامري‏...‏
اومرك أن ألا القي احمس مرة ثانية؟
بل اوامري ان تتزوجي من الملك كامس ...‏
شعرت نفرتاري بان الارض تميد بها‏,‏ وسألت الملكة باستعطاف‏:‏
لماذا يا امي لا ترغبين في سعادتي‏,‏ انت تعرفين اني واحمس متحابان‏,‏ فلماذا تريدين التفريق بيننا؟
لانكما طفلان صغيران‏,‏ لا تدريان ما يجب عليكما عمله‏..‏
وماهو الواجب الذي علينا عمله؟
كامس اخوك الاكبر ملك شجاع‏,‏ وقوي‏,‏ ويجب ان نكون جميعا الي جواره‏,‏ نعضده بزوجة ذات دماء ملكية‏,‏ يرضي عنها الشعب المنقسم علي نفسه‏,‏ تكون لكامس زوجة‏,‏ وأختا تقف الي جواره‏,‏ ووراءه في حروبه القادمة ضد الهكسوس‏,‏ الرعاة‏,‏ المغتصبين‏..‏
يمكنك ان تختاري له اميرة اخري‏.‏
قلت لك ليس هناك اميرة ملكية سواك‏,‏ تصلح لهذا الدور‏,‏ يجب ان تضحي في سبيل الوطن يا نفرتاري‏,‏ لهذا خلقت‏...‏
يمكنني التضحية بحياتي عن طيب خاطر‏,‏ ولكن بحبي؟‏...‏ بأحمس؟‏...‏
قاطعتها الملكة قائلة‏:‏
ان قلبي ينفطر من اجل احمس ولدي الحبيب‏,‏ لكنه صغير‏,‏ وسينسي مع مرور الوقت اما انت فاعرف أنك قوية مثل امك‏,‏ وستؤدين ما هو مطلوب منك‏,‏ لأنك ملكة‏,‏ وابنة ملك‏,‏ وحفيدة ملك‏,‏ ستظلين شامخة طوال حياتك‏,‏ وستؤدين دورك علي أكمل وجه‏..‏
ترقرقت الدموع في عيني أحمس نفرتاري ,‏ وقالت‏:‏
أرجوك يا امي‏..‏ لا تسلبيني حبي الوحيد‏,‏ فمنذ تفتحت عيناي علي الدنيا‏..‏ لم ار سوي احمس ,‏ ولم احب سواه‏,‏ وسنكون معا عونا لكامس في حروبه‏.‏ أرجوك‏..‏ أرجوك يا أمي‏...‏
قالت الملكة بحزم‏:‏
ليس هناك مجال لتوسلات الاطفال هذه‏,‏ بعد عدة ايام‏,‏ سيتم تتويج كامس ملكا علي مصر‏,‏ وسيتم زواجكما في نفس اليوم‏,‏ حيث سيضطر للسفر بعد ذلك لملاقاة الهكسوس‏..‏ الا ترغبين في الثأر لابيك من قتلته؟‏...‏ الا تساعدين الملك علي النيل من أعدائه‏,‏ وأعدائنا؟‏!..‏
هل تسمح لي مولاتي بالتحدث مع جدتي الملكة العظيمة محبوبة رع تتي شيري في هذا الشأن؟
حسنا نفرتاري‏..‏ اتعتقدين ان جدتك سيكون لها رأي اخر‏,‏ وستقف الي جوارك في موقفك هذا؟‏..‏ اذهبي اليها‏,‏ ولكن اعلمي انها منذ وفاة ولدها‏,‏
وزوجي سقنن رع وهي في حالة حزن دائم‏,‏ حتي انها احيانا لا تعي ما يحدث حولها‏.‏
سأحاول معها‏..‏ فأنا اعرف انها تحبني‏...‏
قالت الملكة بنفاد صبر‏:‏
ليس هناك في هذا العالم‏,‏ من يحبك اكثر مني‏..‏ ولكنه الواجب الاقوي منا جميعا يا ابنتي‏...‏ اذهبي اليها‏,‏ ولكني اعرف مسبقا ما ستقوله لك‏.‏
‏3‏
استقبلت الجدة تتي شيري حفيدتها احمس نفرتاري استقبالا حارا‏,‏ وكللت عباراتها بكلمات المديح‏,‏ والود لها‏.‏ وقد كان الحزن باديا علي كل قسمة من قسماتها‏,‏ فحارت نفرتاري ,‏ وتساءلت بينها وبين نفسها‏:‏
ايكون من المناسب‏,‏ طرح موضوعها للحديث‏..‏ ام تترك الجدة لأحزانها؟ وكأنما سمعتها الجدة فقالت لها بحزم‏:‏
لا تقلقي علي يا ابنتي‏,‏ انني قوية وصلبة مثل شجرة سامقة‏,‏ تهزها الريح‏,‏ وتعبث بأوراقها‏,‏ ولكنها ابدا لا تقتلع جذورها‏..‏ قصي علي ما جئت من اجله‏..‏
فتشجعت نفرتاري ,‏ وروت لها كل شيء‏..‏ ثم جلست متكئة علي مقعد وثير في انتظار ردها‏..‏
قالت تتي شيري :‏
انت طفلتي المحبوبة‏,‏ ويصعب علي تقويض فرحتك‏..‏ ولكننا يا ابنتي نحن الحكام لا نملك الاختيار‏,‏ فيما يتعلق بمصائر شعوبنا‏,‏ مكانك الي جوار اخيك كامس وليس هناك من تحل محلك في اداء دورك هذا في ذلك الوقت العصيب‏,‏ فنحن جميعا نعيش محنة الاحتلال‏.‏
ولكن يا جدتي‏..‏
قاطعتها الجدة قائلة‏:‏
استمعي الي‏,‏ والي خبرة سنوات طويلة عشتها‏:‏ هؤلاء الرعاة دنسوا ارضنا‏,‏ وقتلوا ولدي سقنن رع بعد ان عز عليه الاستماع لنصائحي‏..‏
كيف ذلك يا جدتي؟
في يوم من الايام جاءه رسول من ملك الهكسوس ابيبي يخبره ان الملك مستاء من اصوات افراس النهر الموجودة في شرق طيبة حيث تزعجه اصواتها في صحوه‏,‏ وفي منامه‏.‏
وهل يمكن ان تصل اصوات افراس النهر من طيبة الي اواريس؟
بالطبع لا يا ابنتي‏..‏ ولكنه كان يريد ايصال رسالة اليه‏,‏ بانه يعرف بامر التدريبات المسلحة‏,‏ التي تجري في طيبة‏,‏ ويأمره بوقفها‏...‏
وهل استجاب ابي؟
بالطبع لا‏..‏ ولكنه لم يكن مستعدا للحرب بعد‏..‏
وبماذا نصحته؟
نصحته الا يستجيب لاستفزازات أبيبي ورجاله‏,‏ ولا يقدم علي الحرب إلا وهو علي اتم استعداد لها‏,‏ ولكنه لم يستمع الي كلماتي‏..‏ لكم افتقد ولدي‏,‏ ولكن عزائي‏,‏ انه مع رع في رحلته الابدية‏.‏
وهل تريدين الثأر يا جدتي؟
وانت‏..‏ ألا تريدين الثأر من هؤلاء الخادعين الحفاة الذين ينهبون خيرات بلادنا؟
بل اريد الثأر‏,‏ واسعي اليه‏..‏
اذن طريقك اليه هو زواجك من كامس ستكونين اميرة للجهاد‏,‏ ضد هؤلاء الغزاة المحتلين‏.‏
‏(4)‏
كان موكب المحتفلين يجوب مدينة طيبة منذ الامس‏,‏ احتفالا بتتويج الملك كامس خليفة لابيه الملك سقنن رع كذلك لمراسم زواجه من اخته الاميرة احمس نفرتاري التي تتم اليوم‏..‏ وقد قام الكاهن بإجراءات الزواج داخل القصر الملكي وحضرت الاحتفال الملكة تتي شيري وكانت هذه اول مرة تشهد فيها احتفالات بعد احتجابها‏,‏ اثر مصرع ولدها بفأس اسيوية في رأسه اثناء حروبه ضد الهكسوس‏..‏
جلست الاميرة احمس نفرتاري في قاعة الاحتفالات الكبري في القصر علي كرسي فخم مصنوع من الخشب المغطي برقائق من الذهب الخالص‏,‏ تحوطها الزهور‏,‏ والرياحين من كل جانب‏,‏ وهي ترتدي ثوب عرس بديع من الكتان الشفاف الابيض الفضفاض‏,‏ ذا ثنيات طولية تزيد من اتساعه‏,‏ وحول وسطها الرشيق يتدلي حزام عريض‏,‏ مرصع باللآليء‏,‏ والزمرد‏,‏ والعقيق‏..‏ وقد صنعت سادهي من شعرها عدة جدائل‏,‏ ووضعت تاجا صغيرا بين الجديلتين الأماميتين‏..‏
كانت اصوات الصلاصل‏,‏ والطبول‏,‏ والقيثار‏,‏ تصدح في جوانب المكان‏,‏ والمغنيات ينشدن اغاني تبعث علي الفرح‏,‏ والسرور‏,‏ بينما تتمايل الراقصات في خفة‏,‏ واستعراض لوقع خطواتهن‏,‏ واتساقها مع ايقاعات الموسيقي الصادرة من مختلف الادوات الموسيقية‏,‏ وقد راق للمغنية ان تناشد حتحور الهة الحب ان تغدق من عطفها علي هؤلاء المحبين رجالا‏,‏ ونساء‏,‏ وان تجعل حياتهم المقبلة حياة سعيدة‏,‏ عامرة بالفرحة‏..‏ وفي وسط فرحتها الغامرة‏,‏ لاحظت الملكة اعح حوتب ان ابنتها لا ترتدي عقدا‏,‏ فأشارت الي احدي الخادمات فأتت لها بصندوق مجوهراتها‏,‏ حيث اهدت لابنتها عقدا من الاحجار الكريمة مكونا من عدة ادوار‏,‏ كما حلتها ببعض الاساور الذهبية‏,‏ وحينما اطمأنت لزينة ابنتها وتمامها ابتعدت قليلا‏,‏ وهي ترقب الباب الذي سيدخل منه كامس ولدها الحبيب‏,‏ وماهي سوي لحظات حتي دخل كامس في رداء كتاني جميل‏,‏ موشي بالذهب‏,‏ وهو يمسك شارات الملك في يديه الصولجان والعصا المعقوفة ,‏ ويرتدي التاج المزدوج علي رأسه تاج الدلتا والصعيد ربما لتذكير من يراه بانه حاكم مصر الرسمي‏,‏ والاوحد‏,‏ وما هؤلاء الرعاة الا مغتصبون يحكمون لفترة مؤقتة‏,‏ وان طالت‏.‏
جلس كامس علي كرسي ملكي‏,‏ بجوار احمس نفرتاري وبمجرد جلوسه‏,‏ جاء المهنئون يقدمون هداياهم من كل الانواع‏,‏ وكانوا يمثلون كل فئات الشعب‏.‏ ورجال الدولة‏,‏ وقد تقدم من حكام الاقاليم‏:‏ تيتي بن بيبي ,‏و باماي ,‏ و حسي رع وكلهم من امراء منطقة الدلتا‏,‏ التي سيطر عليها الهكسوس مؤخرا‏,‏ قدموا لتهنئة الملك‏,‏ وقدموا جميعا فروض الولاء‏,‏ والطاعة‏,‏ وعرضوا مساعدة الفرعون في حروبه القادمة‏,‏ وكان تيتي اكثرهم تباهيا بنفسه‏,‏ واكثرهم تحدثا‏,‏ حيث اكد للملك ان روحه‏,‏ وجسده‏,‏ وامواله فداء للملك‏,‏ فقال له كامس :‏
ابلغ تحياتنا لوالدك بيبي‏,‏ فنحن نعرف ولاء اسرتكم لنا‏,‏ ولولا ان والدك قد بلغه الكبر‏,‏ واصبح عاجزا عن الحركة‏,‏ لظل في منصبه حاكما للاقليم‏,‏ ولكننا راينا أنك جزءمن نفسه‏,‏ وهو بالتأكيد سعيد‏,‏ لانك انت الذي شغلت منصبه‏.‏
بالتاكيد يا مولاي هو سعيد من اجلي‏..‏ وقد كان يريد الحضور لتهنئة جلالتك بنفسه‏,‏ لولا عجزه عن الحركة‏,‏ لذا ارسل معي الكثير من الزيوت‏,‏ والعطور‏,‏ والحنطة‏,‏ والعسل‏,‏ كذلك بعض القطع الذهبية هدية لمولاي‏,‏ كما انه لم ينس ان يعد بعض القرابين لتقديمها لمولانا العظيم‏,‏ محبوب آمون سقنن رع ليسعد معنا بهذه المناسبة‏.‏
هداياك مقبولة ايها الامير‏...‏
وتقدم بعد ذلك باماي ,‏ وهو امير شاب في نفس عمر تيتي وقدم هداياه‏,‏ وشرع يصوغ عبارات المديح‏,‏ والشكر للفرعون باعتباره واحدا من الرعية‏,‏ التي يغمرها الفرعون باحسانه‏,‏ وانه يتوقع ان يتم الخلاص من الهكسوس علي يده‏,‏ وكان اثناء حديثه يتطلع من طرف خفي لاحمس نفرتاري‏,‏ يرمقها بنظرات كلها اعجاب‏,‏ ووله‏,‏ ولولا خشيته من كامس لخصها بحديثه‏,‏ وسألها عن تلك النظرة الحزينة في عينيها‏,‏ بل لعبر لها عن حبه المشتعل منذ اول مرة رأها فيها‏,‏ وهي طفلة صغيرة تلعب في بستان القصر‏,‏ ولكنه قال محدثا نفسه‏:‏ ان كل ذلك قد فات اوانه‏,‏ وولي‏..‏
تقدم حسي رع بعدهما‏,‏ وقدم هداياه‏..,‏ وكان حسي رع رجلا مهيبا‏,‏ تشع الطيبة من عينيه‏,‏ فتحدث بصدق الي الفرعون‏,‏ واكد له انه رهن اشارته في حروبه المقبلة‏.‏
وبعد وقت غير قليل من السعادة والبهجة التي عمت المكان‏,‏ والبعد قدر الامكان عن حديث الحرب‏,‏ والهكسوس‏,‏ اشارت الملكة اعح حوتب بيدها‏,‏ فاصطف الحرس علي الجانبين يحملون المشاعل‏,‏ ومشي العروسان وسطهما‏,‏ متجهين لجناحهما الخاص‏,‏ كي ينعما ببعض الراحة‏,‏وكانت أحمس نفرتاري في اثناء ذلك تبحث بعينيها عن احمس الذي ذاب وسط الجموع‏,‏ فلم تره منذ بدأت المراسم‏,‏ وكانت تخطو خطواتها الاولي نحو حياتها الجديدة‏,‏ وتتمني من اعماقها منقذا يخرجها في اللحظة الاخيرة من هذه الحياة البائسة‏,‏ وظلت تتمني حدوث تلك المعجزة‏,‏ وظهور ذلك المنقذ‏,‏ ولكن من النادر ان تتحقق المعجزات‏....‏
‏5‏
لم يقض كامس سوي عدة ايام مع عروسه‏,‏ واثناء تلك الايام كان يتابع استعدادات جيشه‏,‏ فهو يجهز نفسه لشن حملة علي منطقة مصر الوسطي ليستعيد بعض المدن التي غزاها الهكسوس‏,‏ ويخلصها من ايديهم‏,‏ ولما اطمأن الي استعداد رجاله‏,‏ قرر الخروج بالاسطول الملكي‏,‏ ووقف مودعا امه الملكة اعح حتب قائلا‏:‏
امي‏..‏ انت فرعون مصر الحاكم الان كما كنت دائما اثناء حروب والدي الملك سقنن رع العظيم‏..‏
بالطبع يا ولدي‏..‏
يمكنك ان تدعي احمس يساعدك‏..‏
استمع احمس الي تلك الكلمات فتدخل غاضبا‏.‏
بل اكون في معيتك ايها الفرعون‏,‏ فلا تحرمني من نيلي ذلك الشرف‏..‏ نظرت الملكة الي ولدها الفرعون‏,‏ ثم ما لبثت ان قالت‏:‏
احمس ولي عهدك يا كامس فلا تحرمه شرف المشاركة في تلك الحملة‏.‏ قال كامس‏:‏
لم اقصد حرمانه ايتها الملكة المعظمة‏,‏ بل اردت استبقاءه هنا ليكون عونا لك‏.‏
قالت الملكة‏:‏
افهم ذلك يا ولدي ولكن لا تنسي ان معي ابنتي الرقيقة‏,‏ القوية في ذات الوقت‏.‏
نظر كامس باتجاه احمس نفرتاري وقال‏:‏
معك كل الحق يا امي‏,‏ فلم ارأصلب من تلك الفتاة‏,‏ ولا ارق منها حقا‏,‏ ستكون
نعم العون لك‏...‏
لم يتحمل احمس ذلك الموقف فاستأذنهم‏,‏ وانصرف ليكون مع البحارة علي متن المركب الملكي‏,‏ ولكنه لم ينس قبل ان ينصرف ان يودعهم جميعا بنظرة طويلة مشبعة بدفء الحب‏,‏ والحنان شملت امه‏,‏ واخته نفرتاري ..‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.