انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف مناطق حيوية في تل أبيب وبئر السبع بإسرائيل | فيديو    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    عيار 21 بعد الانخفاض.. سعر الذهب بالمصنعية اليوم الجمعة في الصاغة    أسعار اللحوم اليوم 3-5-2024 للمستهلكين في المنافذ ومحلات الجزارة    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    طائرات الاحتلال تستهدف محيط مسجد "أبو شمالة" في تل السلطان غرب رفح الفلسطينية    ملف يلا كورة.. قرعة كأس مصر.. موعد مباراتي المنتخب.. فوز الزمالك.. وطلب الأهلي    جمال علام: أناشد جماهير الأندية بدعم منتخب مصر.. والاتحاد نجح في حل 70% من المشكلات    خالد الغندور: محمد صلاح «مش فوق النقد» ويؤدي مع ليفربول أفضل من منتخب مصر    إبراهيم سعيد: مصطفى شوبير لا بد أن يكون أساسي فى تشكيل الأهلي علي حساب الشناوي وإذا حدث عكس ذلك سيكون " ظلم "    أحمد الكأس: سعيد بالتتويج ببطولة شمال إفريقيا.. وأتمنى احتراف لاعبي منتخب 2008    «تغير مفاجئ في الحرارة».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر والظواهر الجوية المتوقعة    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    «دفاع الشيوخ»: اتحاد القبائل العربية توحيد للصف خلف الرئيس السيسي    «زي النهارده».. اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو 1991    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    تحذير شديد اللهجة حول علامات اختراق الواتساب    ميزة جديدة تقدمها شركة سامسونج لسلسلة Galaxy S24 فما هي ؟    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    ماما دهب ل ياسمين الخطيب: قولي لي ماما.. انتِ محتاجة تقوليها أكتر ما أنا محتاجة أسمعها    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بسعر 829 جنيها، فاكسيرا توفر تطعيم مرض الجديري المائي    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    أمين «حماة الوطن»: تدشين اتحاد القبائل يعكس حجم الدعم الشعبي للرئيس السيسي    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    خطوات الاستعلام عن معاشات شهر مايو بالزيادة الجديدة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجليات مصرية : الشجرة كون.. والأغصان مصائر
نشر في المصري اليوم يوم 01 - 09 - 2009

على الجدار القبلى لمسجد الطنبغا الماردينى زخارف بالغة الرهافة، يستوقفنى منها نقش أبيض اللون على خلفية بيضاء أيضا، أى بارز قليلا لشجرة توازيها أخرى، شجرة واضحة تماما كأنها فى حديقة، بالتأكيد هذا تأثير فاطمى، حيث كان تشخيص الأشياء شائعا إلى درجة أننا نرى على إفريز من الخشب وصل إلينا من القصر الفاطمى الكبير، مشهد عازف على العود، مجلس طرب، كان هذا المنظر من مقتنيات متحف الفن الإسلامى المغلق منذ سنوات طويلة ويعلم الله وحده ماذا جرى لمحتوياته التى كانت تتجاوز المائة ألف قطعة، ويقال الآن إن عدد القطع التى ستعرض بعد الافتتاح المرتقب ثلاثة آلاف!!
على أى حال ندعو الله أن يمد فى أجلنا حتى نرى الافتتاح المرتقب ونستعرض ما سيكون. ما غاب وما حضر من تحف وآيات. فلأستغرق فى تأملى تلك الشجرة.
الشجر موجود على جدران المساجد. وعلى النوافذ التى يتخللها الزجاج المعشق بالجبس، مرات أراها صراحة كما أشهدها الآن فى مسجد الطنبغا الماردينى، ومرات بالتجريد كما أتاملها حول قبة قلاوون، أشجار متفرعة، تتجه أغصانها إلى جميع الاتجاهات، وأشجار نحيلة مستطيلة خضراء يسر لونها الناظرين، فارسية المنشأ شجرة التيوليب، أراها واضحة جلية فى النوافذ العليا بقبة قايتباى، والحمد لله أن تلك النوافذ من الزجاج الملون المعشق بالجبس لم يتمكن منها اللصوص الذين فككوا كرسى المصحف الذى يعد من تحف العالم الإسلامى، عملوا بهدوء ودأب وفى أمان حتى تركوا الإطار مثل قفص الدجاج بعد أن كان تحفة لا يخلو منها أى مؤلف عن الفن الإسلامى، مرة أخرى، لأعد إلى الأشجار. ليس مثل الشجرة كرمز، ورد ذكرها فى القرآن الكريم.
«فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...»
سورة النساء آية 65
«لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون»
سورة النحل آية 10
«أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون»
النحل آية 68
«والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس»
الحج آية 18
«الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون»
يس آية 80
«والنجم والشجر يسجدان»
الرحمن آية 6
«ثم إنكم إيها الضالون المكذبون، لأكلون من شجرٍ من زقوم»
الواقعة آية 51، 52
«فأنبتنا به حدائق ذات بهجة، ما كان لكم أن تنبتوا شجرها»
النمل آية 60
«ولا تقربا هذه الشجرة فتكون من الظالمين»
البقرة آية 35
«ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين»
الأعراف آية 19
«ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين»
الأعراف، آية 20
«فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما»
الأعراف آية 22
«وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة»
الأعراف آية 22
«ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة»
إبراهيم آية 24
«ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض»
إبراهيم آية 26
«وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة فى القرآن»
الإسراء آية 60
«قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى»
طه آية 120
«وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن»
المؤمنون آية 20
«كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة»
النور آية 35
«فلما أتاها نودى من شاطئ الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة»
القصص آية 30
«ولو أنما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله»
لقمان آية 27
«أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم»
الصافات آية 62
«إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم»
الصافات آية 64
«وأنبتنا عليه شجرة من يقطين»
الصافات آية 146
«إن شجرة الزقوم، طعام الأثيم»
الدخان آية 43
«لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة»
الفتح آية 18
«أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون»
الواقعة آية 72
هذه هى الآيات التى ورد فيها لفظ الشجر طبقا لمختلف طرق نطقه، الشجر، الشجرة، ونلاحظ أن المرحوم العلامة محمد فؤاد عبدالباقى، أورد لفظ شجر بمعنى مشاجرة أو شجار، فى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم والذى أنفق عمره فى إعداده خلال النصف الأول من القرن الماضى، ويعد بحق من جلائل الأعمال، أعد هذا الفهرس فى زمن خلا من الحاسوب، وأى عنصر مساعد، نلاحظ الآية الأولى من سورة النساء التى ورد فيها لفظ شجر بمعنى اشتباك أو صراع، هنا ننظر فى اللغة، أن تعاقب الشين والجيم والراء يعبر عن اصلين متداخلين، يقرب بعضهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخل الشىء بعضه فى بعض، ومن علو فى شىء وارتفاع، فالشجر معروف، الواحدة شجرة وهى لا تخلو من ارتفاع وتداخل وأغصان، والشجر كل نبت له ساق، وسميت مشاجرة لتداخل كلامهم بعضه فى بعض..»، هذا ما جاء فى معجم؛ مقاييس اللغة، غير أن قاموس الزمن والعصور القديمة يحتفظ لنا بمعانى متعددة للشجرة تتجاوز وجودها المادى المرئى.
الوجود الرمزى
أذكر رؤيتى أول مرة لمقبرة الفنان سنجم رع فى دير المدينة بالأقصر، كان ذلك فى سبعينيات القرن الماضى، وقد بدأ ترددى على الأقصر منذ عام 1961 من خلال رحلة المدرسة الثانوية، وكانت هذه الرحلات وسيلة مهمة للتعرف المباشر على مصر، على معالمها وتاريخها، فى عام ثمانية وسبعين زرت دير المدينة لأول مرة، قرية كاملة كانت تتبع معبد هابو، خصصت للفنانين الذين يرسمون المقابر الملكية فى وادى الملوك، وكانوا يقضون أعمارهم فى هذا المكان المنعزل، لا يتصلون بأحد ولا يتصل بهم أحد، بحكم بما يقومون به كانوا مطلعين على أهم أسرار الدولة الفرعونية، أماكن دفن الملوك ومعهم ثرواتهم وكل ما كان يخصهم فى حيواتهم، لذلك كان اختيارهم يتم وفقا لشروط دقيقة أولها طبعا الموهبة والثقة، سنجم رع كان أحد هؤلاء وقد دفن بالقرب من منزله، ولا تزال مقبرته موجودة، ألوانها واضحة، جميلة، قام برسمها هو،
 أى أنه شغل المعلم لنفسه، لن أفيض فى الحديث عن المقبرة التى تحوى تصوراً كاملاً، لعله الوحيد فيما رأيت لتصور المصرى القديم عن حقول يارو، حقول السعادة الأبدية، إنها تصور الجنة فى العالم الآخر طبقا لما اعتقده المصريون القدماء ولعل هذا التصور هو أقدم تمثل للعالم الآخر، وللجنة بالتحديد، حيث السعادة الأبدية التى يحظى بها المبرأ بعد مروره بكل خطوات ومراحل المحكمة الاوزيرية التى يتم أمامها وزن القلب للاطلاع على الحسنات والسيئات.
المشهد الذى فوجئت به يتضمن شجرة ضخمة بكامل تفاصيلها، تقترت ملامحها كثيرا من شجرة الجميز، والجميز شجر مقدسى فى مصر القديمة. غير العادى، غير المألوف أنه من جذع الشجرة تنبثق أنثى، امراة جميلة، المرأة هى حتحور ربة الجمال والأنوثة والرفاه، أنثى من شجرة وشجرة من أنثى، لوحة غريبة تتجاوز جميع ما عرفته من الفن الحديث، اللوحة عمرها أكثر من خمسة وثلاثين قرناً.
المشهد الثانى الذى أبهرنى بجمال خطوطه وقوتها فى واحدة من أجمل أماكن العالم، مقبرة تحتمس الثالث مؤسس الأمبراطورية المصرية بعد تحرير مصر من الهكسوس، المقبرة تعد فى رأيى الأجمل فى وادى الملوك، ما يعنينى منها ذلك الرسم.
الملك يرضع من شجرة
الملك تحتمس يرضع من شجرة
جاء فى موسوعة الأساطير والرموز الفرعونية «المشروع القومى للترجمة عدد 482» أن الشجرة فى الفكر المصرى القديم كان لها أهمية كبرى، وأنها فاقت وضع الأشجار فى كل الثقافات والديانات الأخرى، ذلك أن رمزيتها تعتبر الأكثر ثراء، أنها تضرب فى الأرض بجذورها.
ومن تربتها تستمد الحياة فى الوقت الذى تتفرع فيه الأغصان إلى أعلى حيث الضوء والهواء لتستمد الحياة أيضا، أوزيريس سيد العالم السفلى فى العقيدة المصرية القديمة ولد فى شجرة، وفوق أوراق الشجرة المقدسة بعين شمس، سجل تحوت رب العلم، الزمن المتعلق بدورات الحياة، ومصير الكائنات الحية. التفاصيل المتعلقة بالأشجار فى الفكر المصرى القديم تحتاج إلى موسوعة كاملة، لنتدكر أن المخاض قد أتى مريم العذراء تحت جذع النخلة، وفى الموروث الشعبى يقول المصريون إن ثمرة شجر الجميز سوداء لأنه حزن على وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعند الصوفية المسلمين أصبح للشجرة معان متعددة.
شجرة الكون
لأن الشجرة تضرب بجذورها فى الأرض، وترتفع باغصانها إلى أعلى نحو السماء، اعتبرها المتصوفة المسلمون جسرا رمزيا لما بين العالمين، ونجد التصور الأكمل لهذه الرمزية عند الشيخ الأكبر محيى الدين ابن عربى الذى استخدم رمز الشجر للدلالة على الكون، كان يرى الكون كله باعتباره شجرة، فى عام 1964 قررت لجنة الفلسفة فى المجلس الأعلى للثقافة أن تقيم احتفالا عالميا بمناسبة مرور ثمانية قرون على رحيل الشيخ الأكبر ابن عربى، ولأسباب عديدة لم يقم هذا الاحتفال ولكن أصدرت اللجنة كتابا تذكاريا يضم عددا من الدراسات كتبها ثلاثة عشر عالماً.
كما وضعت خطة لإصدار الموسوعة الصوفية «الفتوحات المكية» وبدأ التنفيذ على الفور الذى قام به الدكتور إسماعيل يحيى، وصدر من الفتوحات أربعة عشر مجلداً، ثم توقف المشروع لأسباب غامضة، وفقط مخطوط لمجلدين سلمهما الدكتور إسماعيل يحيى، قبل وفاته، المجلدات الأربعة عشر التى صدرت تعادل مجلداً واحداً من المجلدات الأربعة التى صدرت فى القرن التاسع عشر عن مطبعة بولاق، فى الكتاب التذكارى نشر الدكتور محمد مصطفى حلمى دراسة عميقة فريدة بعنوان كنوز فى رموز، توقف فيها أمام مفهوم الشيخ الأكبر للشجرة، الرسالة صغيرة الحجم، عالية القيمة، لغتها الرمزية فريدة فى النثر العربى، وأننى لأورد منها مثالاً، يقول الشيخ الأكبر واصفًا شجرة الكون.
«فلما كانت هذه الحبة بذر شجرة الكون، وبذر ثمرتها، ومعنى صورتها، احببت أن أجعل للمكون مثالاً، وللموجود تمثالاً، ولما ينتج منه من الأقوال والأفعال والأحوال منوالاً، فمثلت شجرة نبتت عن أصل حبة بكن، وكل ما يحدث فى الكون من الحوادث كالنقص والزيادة، والغيب والشهادة، والكفر والإيمان، وما يثمر من الأعمال وزكاة الأحوال، وما يظهر من أزاهير القول، والتوق والذوق ولطائف المعارف، وما تورق به من قربات المقربين، ومقامات المتقين، ومنازلات الصديقين، ومناجاة العارفين ومشاهدات المحبين، كل ذلك من ثمرها الذى أثمرت، وطلعها الذى أطلعت:
فأول ما أنبتت هذه الشجرة التى هى حبة كن ثلاثة أغصان: غصن ذات اليمين فهم أصحاب اليمين، وآخر غصن منها ذات الشمال، ونبت غصن منها معتدل الإقامة على سبيل الاستقامة فكان منه السابقون المقربون، فلما ثبت واستعلى جاء من فرعها الأعلى، وجاء من فرعها الأدنى، عالم الصورة والمعنى، فما كان من قشورها الظاهرة وستورها البارزة، فهو عالم الملك، وما كان من قلوبها الباطنة، ولباب معانيها الخافية فهو عالم الملكوت، وما كان من الماء الجارى فى شريانات عروقها الذى حصل به نموها، وحياتها وسموها وبه طلعت ازهارها واينعت ثمارها، فهو عالم الجبروت، الذى هو سر كلمة «كن».. يواصل ابن عربى إلى أن يتحدث عن وحدانية الذات الإلهية، يقول ما نصه:
«فهو مقدس فى وجوده عن ملامسة ما أوجده، ومجانبته ومواصلته ومفاصلته، لأنه كان ولا كون، وهو الآن كما كان، لا يتصل بكون، ولا ينفصل عن كون: لأن الوصل والفصل من صفات الحدوث، لا من صفات القدم، لأن الاتصال والانفصال يلزم منه الانتقال والارتحال، ويلزم من الانتقال والارتحال التحول والزوال، والتغير والاستبدال، هذا كله من صفات النقص لا من صفات الكمال، فسبحانه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا..».
ثم يتحدث الشيخ الأكبر عن النور المحمدى، يقول ما نصه:
«كل ما يحدث فى شجرة الكون من نمو وزيادة، وإزهار وإثمار أفكار، ومتشابه شوق، ومحكم ذوق، وصفاء أسرار، ونسيم استغفار، وما ينمو به من الأعمال، وتزكو به الأحوال، وما تورق به من رياضات النفوس، ومناجاة القلوب، ومنازلات الأسرار، ومشاهدات الأرواح، وما ينبت به من أزاهير الحكم، ولطائف المعارف.
 وما يصعد من طيب الأنفاس، وما يعقد من ورق الإيناس، وما ينشأ من رياح الارتياح، وما يبنى على أصلها من مراتب أهل الاختصاص، ومقامات الخواص، ومنازلات الصديقين، ومناجاة المقربين، ومشاهدات المحبين، كل ذلك من لقاح الغصن المحمدى، متوقد من نوره، مستمد من نماء نهر كوثره، مغذى بلباب بره، مربى فى مهد هدايته، فلذلك عمت بركاته وتمت على الخلائق رحمته.
«وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..»
تلك نماذج من رؤية صوفية للشجرة كما عبر عنها الشيخ الأكبر فى رسالته «شجرة الكون» دائماً كانت الشجرة مصدر إيحاء ومنطلق رموز، إننى اتأمل أشكالها المختلفة فى المساجد المصرية، ما أريد التأكيد عليه أن كل خط نراه أو دائرة أو رسم لشجرة أو حرف من حروف الخط، كل هذه الأشكال التى تملأ الفراغات فى مساجدنا خاصة ودور العبادة كافة ليس وسيلة لملأ الفراغات، إنما هى رموز ورسائل من زمن إلى زمن، ومن جيل إلى جيل، ومن إنسان ولى إلى إنسان يسعى الآن وسيلحق بمن سبقه ليبدأ أخذ السعى فى زمن مغاير، لذلك أدعو إلى التأمل والتبصر فيما وصلنا من فنون ومعان على جدران المساجد، إذ إنها تتضمن الإرث كله.
ثلاثية
أستعد لمفارقة مسجد الطنبغا الماردينى، متجها إلى مسجد قجماس الاسحاقى والذى سماه الناس «أبوحريبة» نسبة إلى الشيخ أحمد أبو حريبة المدفون فيه، الحقيقة أن المساجد الثلاثة.
مسجد ألجاى اليوسفى
مسجد الطنبغا الماردينى
مسجد قجماس الاسحاقى
هذه المساجد الثلاثة تشكل ثلاثية مهمة فى معمار القاهرة القديمة خاصة، والمعمار الإسلامى عامة، كل منها ينفى إلى الآخر، مسجد الجاى اليوسفى ببساطته وتجريده وتركيزه على عنصر الاتزان والتوازن، مسجد الطنبغا الماردينى بما يحتويه من نقوش مشبعة بالرموز، وانفراده بذلك السياج الخشبى الرائع والذى اعتبره رمزاً فريدا بأشكاله وتضاريسه، أما مسجد قجماس الأسحاقى «أبو حريبة» الذى نتجه إليه الآن فهو ذروة الإبداع المنمنم فى هذه الثلاثية، لكن قبل الوصول إليه، استدعى مما دونته تفاصيل تتعلق بالشخصية التى أشرت إليها من قبل، النشو الذى استلهمت بعضا منه فى روايتى الزينى بركات، إنه شرف الدين بن عبدالوهاب النشو وتفاصيل صعوده فى العصر المملوكى رغم أنها واقعية تماماً، إلا أنها رمزية أيضاً، إذ إنها تشير إلى آخرين لكنهم يسعون فى عصرنا، لعل تأملها يفسر بعضا من أسباب تعلقى بالعصر المملوكى،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.