طفل يصارعه المرض ويستغل ضعفه وقلة حيلته وعجز من يعوله عن تدبير نفقات علاجه وأسرة لا تجد قوت يومها تحتاج الطعام والشراب والكسوة, بل قري ونجوع بأكملها يعيش سكانها علي حافة الموت. محاصرين بالجوع ومياه الصرف التي لا يوجد غيرها للشرب ليظلوا في عزلة عمن حولهم ولا يشعر بهم وبحاجاتهم أحد.. هؤلاء وغيرهم ممن عاشوا معاناة المرض والفقر والجوع والحاجة ومازالوا يعيشونها يأتي عليهم أجود الشهور كل عام بهدايا ربانية حيث يسارع المسلمون في تقديم الصدقات ومساعدة المحتاج بكل صوره فيما يسمي بالتكافل الاجتماعي, الأمر الذي يظهر معه جدوي وحكمة الصيام حيث يشعر المسلم بحاجة غيره ويسعي لمساعدته في سد حوائجه فمثلا يتسابق المسلمون لتقديم وجبات الإفطار لبعضهم البعض لكسب ثواب إفطار صائم.. ولكن ماذا بعد رمضان ؟ هل يفكر أحدنا في إطعام جائع وليس مجرد صائم يعلم موعد إفطاره ؟ هل يستمر هذا التكافل فيما بيننا أم أنه يقل تدريجيا وننسي من بعده الحاجات الإنسانية البسيطة التي حرم منها البعض منا؟ وبعيدا عن الزكاة المفروضة علي كل مسلم ومواقيتها الشرعية نتحدث عن التكافل الاجتماعي بعد انقضاء الشهر الكريم لعل وعسي أن يكون تذكرة للجميع بأن الفئات المحرومة مازالت في أشد الحاجة للتكافل.. في البداية يقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر إن القربات والطاعات في الإسلام لا تعرف حدود الزمان ولا المكان مستشهدا بقول الله تعالي يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وقال الرسول صلي الله عليه وسلم أحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل, وقوله( ص) خير الناس أنفعهم للناس وأيضا قول النبي صلي الله عليه وسلم: من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه, ومن ستر مسلما ستره الله تعالي. ويري أحمد محمودكريمة أن شهر رمضان يشهد حالة من التنافس في الخيرات والمسارعة في القربات لمضاعفة الثواب ولكن ما أن ينقضي الشهر الكريم حتي يبدأ البعض في تناسي هذه الطاعات والقربات بعد رمضان ومن أهم هذه السلوكيات هي التكافل الاجتماعي التي تقوم علي أساس قضاء الحاجات فيما بين المسلمين وتقديم يد العون للفقراء والمساكين وكل من هو في حاجة للإعانة والإغاثة كإطعام الجائع وإكساء العاري وعلاج المريض وفك كرب المدين مشيرا إلي أن كل هؤلاء تتوزع حاجاتهم وتتوزع علي مدار العام علي المستوي الفردي والجماعي. ويقول: إن من أسرار التشريع الإسلامي تنوع سبل الزكاة ما بين نقدية وأنعام بقر وجاموس وإبل وغنم وماعز وزكاة المحاصيل الزراعية والثروات المعدنية وصدقات التطوع, هذا التنوع ينظم توزيع المساعدات علي مدار العام, وشدد علي ضرورة إلتزام المسلمين بالزكاة الحولية وإخراجها في مواعيدها الشرعية. ويؤكد الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقا أهمية استمرار التكافل الاجتماعي بين الناس بعد شهر رمضان لأنه من السلوكيات الدينية التي تحسن من وضع المجتمع حيث يقوم علي مساعدة الغير من الفقراء والمرضي وإتباع سنة الرسول صلي الله عليه وسلم حيت كان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان. وفسر أبو الحسن الإكثار من الصدقات والخيرات في رمضان لأن الصدقة7 أضعاف في الشهر الكريم لذا يبحث المؤمن دائما عن الأجر المضاعف, ولكنه يؤكد أن رمضان شهر التعود فإذا اعتاد المسلم فعل الخير سيستمر بعده ولن تنقطع صلته بالمحتاجين والفقراء فيكون رمضان درسا في العطاء والسخاء والعطف علي المحتاجين, ونبه علي عدم الاكتفاء بزكاة الفريضة الموجودة طوال العام ولكن ينبغي أن يستمر عطاء المسلم لأخيه المسلم الذي يحتاج إليه. وعلي جانب آخر توضح الدكتورة عزة كريم استشاري علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن ظاهرة التكافل الإجتماعي تقل تدريجيا بعد انتهاء شهر رمضان نظرا للخصوصية الدينية التي يتمتع بها شهر رمضان الأمر الذي يجعل المسلمون كافة يبذلون أقصي ما لديهم لجمع أكبر قدر من الحسنات من خلال عمل الخير وإلتزام الطاعات وهو شيء نفسي يظهر بداخل كل منا بسبب التعبد بشكل قوي في رمضان أكثر من غيره من الشهور حيث تزداد فيه العبادات الأمر الذي يؤدي إلي زيادة السلوكيات الدينية السليمة لذلك يزداد التكافل الإنساني فيه, وضربت مثلا بموائد الرحمن التي تقام في شهر رمضان فقط رغم أن المحتاجين لتوفير المأكل والمشرب موجودين طول العام فماذا عن الشهور الآخري؟! وشددت كريم علي ضرورة توجيه دعوة إعلامية علي مدار العام لتذكير الناس بإطعام المساكين والتبرع للمرضي والمحتاجين وكفل الأسر الفقيرة التي لا تملك قوت يومها فالتكافل الاجتماعي سلوك ديني قبل أن يكون فرض متعلق بزكاة المال, وأشارت إلي أهمية دور الإعلام لجذب انتباه الناس لهذه الفئات المحرومة التي ننشغل عنها كثيرا من خلال الدعاوي والبرامج الدينية حيث يندر وجودها علي الشاشة إلا في رمضان رغم أنها تلعب دورا هاما في تذكرة الناس. وتقول إن رمضان لابد وأن يكون نقطة الانطلاق نحو سلوك مستديم طوال العام ليستمر شعور كل فرد بغيره, وأضافت علينا أن نعتاد سلوك الشهر الكريم في كل شيء خاصة في هذه الظاهرة التي تضمن تغير المجتمع للأفضل. رابط دائم :