تقع جزيرة إلفنتين، جوهرة الجنوب، في قلب نهر النيل في مواجهة مدينة أسوان بصعيد مصر، وتبلغ مساحتها حوالي 1500 م طولاً و500 م عرضًا. وعرفت هذه الجزيرة في العصور الفرعونية باسم "آبو" وتعني "الفيل" أو "عاج (سن الفيل)" التي تحولت في اللغة اليونانية إلى كلمة "إلفنتين" التي تحملها الجزيرة إلى الآن؛ وذلك على اعتبار أن تلك الجزيرة كانت ميناء مهمًا لاستقبال العاج الإفريقي المستخرج من سن الأفيال. وكانت الجزيرة بالفعل نقطة محورية على الطرق التجارية إلى الجنوب من مصر، فضلاً عن أنها كانت مقرًا أساسيًا لكل البعثات الحكومية والعسكرية والتجارية المتجهة جنوبًا أو العائدة إلى أرض الوطن. وأعطى تكوين الجزيرة الجيولوجى -إذ نشأت المدينة على صخرة جرانيتية- أهمية كبيرة لإلفنتين؛ حيث استخدمت أحجارها الجرانيتية السوداء والرمادية والحمراء في عدد من الأعمال الإنشائية والفنية قديمًا وحديثًا. وفي العصور الفرعونية تركز النشاط العمراني الرئيس من بناء معابد ومقابر في الجزء الجنوبي من الجزيرة، في حين لم يضم الجزء الشرقي من الجزيرة سوى تجمع سكني صغير، ومركز تجاري حمل اسم "سونو" ( فعل يعني "يتاجر") في اللغة المصرية القديمة، و"سييني" في اللغة اليونانية، وصار "أسوان" في اللغة العربية- الاسم الحالي لمدينة أسوان الجميلة. ويبلغ ارتفاع التل الأثري في إلفنتين حوالي 12 مترًا. ويرجع أقدم آثار الجزيرة إلى عصور ما قبل التاريخ (حضارة نقادة)، وإلى نفس العصر تعود بدايات معابد المعبود "ساتت" سيدة إلفنتين التي سوف يضاف إليها من قبل ملوك مصر من عصور مختلفة. وفي عصر الأسرات المبكر، تم تأسيس قلعة في الجزيرة كنقطة حراسة بها حامية للإشراف على الحدود الجنوبية وللسيطرة على طرق التجارة. وفي عصر الأسرة الثالثة، بني هرم مدرج صغير الحجم غرب الجزيرة للتعبير الرمزى عن السلطة المركزية ممثلة في شخص الملك. ثم أسس خلفه مبنى إداري وجبانة يعودان إلى عصري الدولتين القديمة والوسطى. ولعل من بين أبرز معالم الجزيرة بقايا معبد المعبود خنوم سيد إلفنتين. ويعتبر المعبود خنوم من أهم الآلهة في مصر القديمة، وتزوج المعبودة "ساتت" سيدة إلفنتين، ثم أصبحت المعبودة "عنقت" - ربة جزيرة سهيل - ابنة لهما. وفي عصر الدولة الوسطى، بني معبد لخنوم، وأعيد بناؤه في عهد الملك تحتمس الثالث من عصر الدولة الحديثة، وحدثت له إضافات عديدة في عهد الملك نختنابو الثاني في الأسرة الثلاثين، بينما زينت البوابة الأثرية بنهاية عهد الإسكندر الرابع، فضلًا عن إضافات قام بها الملوك البطالمة والأباطرة الرومان. ويبلغ طول المعبد في مرحلته النهائية حوالي 123م. وفي عام 1908، وجد الأثريون الفرنسيون جبانة للكباش المقدسة الخاصة بالمعبود خنوم بين معبدى خنوم وساتت. وفي العصر الصاوي (الأسرة 26)، أقيم مقياس للنيل بالجزيرة. وفي عام 1946، اكتشف الأثري المصري الراحل لبيب حبشي "مقصورة الكا" الخاصة بالموظف الشهير "حقا إيب" الذي كان مسئولًا عن الرحلات الملكية الناجحة إلى الجنوب، الذي قدس بعد وفاته على هذه الجزيرة، وأصبح وسيطًا بين البشر والآلهة من قبل ملوك وأشراف الدولة الوسطى. ووجد العديد من الآثار النذرية داخل مقصورة "حقا إيب". وبدأت الحفائر الأثرية في إلفنتين بواسطة بعثة ألمانية بين عامي 1906-1908 بحثًا عن البرديات الآرامية ثم تلتها بعثة فرنسية. وتشير البرديات الآرامية التي عثر عليها في الجزيرة إلى وجود مرتزقة ومعبد لإلههم بداية من فترة الاحتلال الفارسي الأول لمصر في عام 525 قبل الميلاد. وفي أوائل القرن السادس الميلادي، بنيت كنيسة صغيرة في فناء معبد خنوم. وبعد ذلك انتشر الإسلام. ولايمكن بدقة تحديد نهاية العمران في إلفنتين؛ نظرًا لزوال الطبقات العليا من التل الأثري، وأغلب الظن أنها لا تبعد كثيرًا عن القرن التاسع أو العاشر الميلادي. وبداية من عام 1969 إلى الآن، يقوم فريق أثري من المعهدين الألماني والسويسري في القاهرة بحفائر علمية منظمة تهدف إلى إعادة اكتشاف آثار إلفنتين وكتابة تاريخها الثري عبر ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام. ويوجد بالجزيرة متحف إلفنتين الذي يضم عددًا من الآثار المتميزة، وسوف يتم تطويره حتى يكون مناسبًا لوسائل العرض المتحفي الحديثة، وبه ملحق يعرض أهم الآثار المستخرجة من الحفائر الحديثة.