عطاؤه لم يقتصر على الدبلوماسية وحقوق الإنسان فى مصر فقط، بل تخطاها ليشمل العالم بأسره، إنه الدكتور بطرس بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الذى رحل عن دنيانا اليوم الثلاثاء بعد مسيرة حافلة من العطاء. وكان الدكتور بطرس بطرس غالي، قد تعرض لوعكة صحية عقب دخوله للمستشفى أخيرا، مصابا بكسر مضاعف في الساق اليسرى، حيث عانى من اضطرابات بالقلب وخلل في وظائف الكليتين، ورفض مقترحا للسفر إلى العاصمة الفرنسية باريس لتلقى العلاج، وفضل البقاء فى مصر. وقد تلقى بطرس غالي اتصالا هاتفيا الخميس الماضى من الرئيس عبد الفتاح السيسي عند دخوله إلى مستشفى في القاهرة، وذلك للاطمئنان على حالته الصحية. ولد الدكتور بطرس بطرس غالي، لعائلة قبطية وأم أرمينية، فى الرابع عشر من نوفمبر عام 1922، كان جده بطرس نيروز غالى رئيسا لوزراء مصر فى أوائل القرن العشرين، والذى اغتاله شاب يدعى إبراهيم الوردانى إثر موافقته على تمديد امتياز شركة قناة السويس 40 عاما إضافية من 1968م إلى 2008م في نظير 4 ملايين جنيه تدفع على 4 أقساط. أظهر غالى شغفا بدراسة القانون منذ صغره، فكان ذلك دافعا لالتحاق بمدرسة الحقوق العليا، وكانت آنذاك ملتقى غايات الشباب للحصول على أعلى المناصب بالدولة، فحصل على "إجازة الحقوق" بما يعادل "الليسانس" حاليا من جامعة أحمد فؤاد الأول "القاهرة" عام 1946، واتبع ذلك بالحصول على درجة الدكتوراة من فرنسا في عام 1949. عمل غالى أستاذًا للقانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة في الفترة من (1949 - 1977)، أسس خلالها مجلة السياسة الدولية الفصلية بجريدة الأهرام، وعُين مديرًا لمركز الأبحاث في أكاديمية لاهاي للقانون الدولي (1963-1964)، وظل حتى وفاته رئيسا لمجلس إدارة الأكاديمية، وهو أعلى مجمع فقهي قانوني في العالم، ويجاور محكمة العدل الدولية بلاهاي، إلى جانب ترؤسه لعدد من المنظمات والهيئات الدولية مثل رئيس الجمعية الإفريقية للدراسات السياسية، ونائب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي، ونائبا لرئيس الاشتراكية الدولية، وعضو لجنة تطبيق اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية، وعضو أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية في باريس، ورئيس معهد القانون الدولي منذ عام 1975 حتى 1987. الحصيلة الديلوماسية التى اكتسبها غالى أهلته ليكون وزير دولة للشئون الخارجية فى عهدي الرئيسين السادات ومبارك، فى الفترة من أكتوبر 1977 وحتى مايو 1991، رافق خلالها الرئيس السادات في رحلته إلى القدس، ولعب دورا أساسيا في التوصل إلى اتفاقات السلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد عام 1978، ثم إنجاز معاهدة السلام عام 1979. المحطة الأبرز فى مسيرة غالى حينما انتخب أمينا عاما للأمم المتحدة فى الفترة من 1992 - 1996 بمساندة فرنسية قوية، ليصبح أول عربي وإفريقى يتولى هذا المنصب، في فترة سادت فيها الصراعات وحروب الإبادة الجماعية في رواندا والصومال وأنجولا ويوغوسلافيا السابقة. تعامل غالى مع تحديات ضخمة وأزمات كبيرة منذ اليوم الأول لانتخابه فى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، ومع ذلك فقد شهد إنجاز معاهدة أوسلو للسلام بين الفلسطنيين والإسرائليين، وبموجبها حصلت السلطة الفلسطينية على شرعيتها كسلطة ممثلة للشعب الفلسطينى. وتعامل مع ملفات ملتهبة مثل اندلاع الحرب بين البوسنة والهرسك من مارس 1992 – 1995. كما شهد الدكتور بطرس غالى انتهاء نظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا وانتخاب نيلسون مانديلا رئيسا للبلاد عام 1994. الفيتو الأمريكى منع غالى من الفوز بمنصب الأمين العام لفترة ثانية، فالولاياتالمتحدة لم تشأ أن يستمر غالى فى منصبه، فوفقا للدكتور نبيل العربي في كتابه "صراع الدبلوماسية" فإن تقرير "قانا" الذي أعده الدكتور بطرس غالي، وفضح به جرائم الاحتلال الإسرائيلي في مجزرة "قانا" بجنوبلبنان عام 1996، والتي راح ضحيتها 106 من المدنيين، أحرج إسرائيل أمام الرأي العام العالمى، وأزعج الولاياتالمتحدة، وبالتالي اعترضت الولاياتالمتحدة، على التجديد للدكتور بطرس غالي، وبعدها بأيام جرى اقتراع غير رسمي وفقا للعرف داخل المجلس، وحصل كوفي عنان على 12 صوتا مؤيدا، ورفضت مصر المضي قدما في خطوات ترشيح غالي لولاية ثانية، حتى لا تخسر كوفي عنان التي أجمعت القوى الدولية عليه. حصل غالى على الدكتوراه الفخرية من جامعات أوبسالا السويدية، ورينيه ديكارت في باريس، وحصل على عدة أوسمة من كل من بلجيكا وإيطاليا وكولومبيا وجواتيمالا وفرنسا. أما مصر التى لا تنسى جهود أبنائها المخلصين فقد منحت غالى قلادة النيل، وهى من أعلى الأوسمة المصرية على الإطلاق. وبعد انتهاء ولايته فى الأممالمتحدة، أصبح غالى أول أمين عام لمنظمة الفرانكوفونية من 1997 وحتى 2002، إلى جانب رئاسته لمجلس حقوق الإنسان في مصر حتى عام 2011.