لطالما كانت كتابات العقاد محل جدل وخلاف قديما وحديثا، فثمة من يرونه أحد المجددين في الفكر الإسلامي، ومن يرون إسهاماته مجرد إرهاصات أدبية، مستندين في ذلك إلى كون العقاد لم يكن متخصصا، بخاصة أنه لم يتمكن من إكمال تعليمه، ولم يواصل الطريق الأكاديمي المتفق عليه. منذ 126 عاما، وتحديدا في 28 يونيو 1889، شهدت محافظة أسوان ميلاد عباس محمود العقاد، أحد أشهر الكتاب والمفكرين المصريين، بل والعرب في العصر الحديث، الذي تعددت إسهاماته في مجالات شتى بين الأدب والفكر والسياسة والتاريخ الإسلامي. "بوابة الأهرام" التقت عددا من النقاد، الذين أدلوا برأيهم حول إسهامات العقاد الفكرية والدينية. يرى الناقد الدكتور مدحت الجيار أن كتابات العقاد عن الإسلام كانت بمنطق التجديد وبمنطق الرؤية المستقبلية، ولم يكن للعقاد أن يعود إلى الخلف، لكنه أراد أن يكون الإسلام في القرن العشرين غير الإسلام في القرون السابقة. وأضاف: لم يدعم العقاد أي اتجاه من الاتجاهات التي نرفضها الآن بل يدعم أفكارا أساسية تجعل من الإسلام مظلة حقيقية للفكر المستنير بخاصة أنه نقل عن الفكر الغربي مناهج جديدة، وكان يسير في هذا الاتجاه على درب الإمام محمد عبده. وعن المقارنة بينه وبين د.طه حسين يقول الجيار: إذا كان طه حسين قد ركز على المناهج التي تؤسس للنظر للتراث فإن العقاد كان صاحب خلفية فلسفية استطاعت أن ترى مستقبل الإسلام فيما هو قادم. في حين يقول الناقد أحمد الخميسي: تتكون حياة العقاد الفكرية من مرحلتين مرحلة البداية حين كان متعاطفا مع الوفد، وكان في هذه الفترة _التي تمتد حتى 1930 تقريبا_ ابنا لليبرالية المصرية. وأضاف: بعد ذلك حدثت انتكاسة لم تصب العقاد وحده، ولكنها أصابت الكثيرين من أبناء جيله، في هذه المرحلة يتحول العقاد من ابن لليبرالية إلى كاتب إسلامي يرفض التعددية. وعن إسهامات العقاد في الفكر الإسلامي يقول الخميسي: إسهامات العقاد هي إسهامات مؤرخ، فالعقاد رجل قارئ ومثقف، لكن لا يمكن لنا أن نحسبه على المجددين في الفكر الإسلامي من أمثال الإمام محمد عبده، فكتابات العقاد تندرج تحت بند الأدب أو الأدب التاريخي. أما عن رأيه في المقارنة بين العقاد وطه حسين فيقول الخميسي: المقارنة بين العقاد وحسين غير صحيحة، فمن الصعب أن تقارن مثلا بين عادل كامل ونجيب ومحفوظ، أو بين هيكل ومحمود تيمور، فكل من العقاد وطه حسين كان له اتجاهه وله ما يميزه، وما يجمع بينهما أنهما كانا قطبين كبيرين اجتمعا في زمن واحد. أما الناقدة الدكتور أماني فؤاد فقالت: إن عدم ميل العقاد إلى الصدام مع رجال الدين والمجتمع حولته إلى باحث تقليدي غير مُجدد، وبالتتبع لأعماله خصوصًا "العبقريات"، نجد أنها مجرد إعادة طرح لسير حياتهم، متجردة من المنهج والتناول، حتى أن الإضافات قليلة ومعظمها نفسية لا تخضع لمنهج فكري معين. وأسندت فؤاد تقليدية العقاد إلى عدة وجوه، فرغم كونه عصاميًا في تكوين ثقافته الفكرية، فإن عدم خوضه للدراسة الأكاديمية كان له دور في تلك التقليدية، مضيفًا أن معارك العقاد كانت "لفظية"، فاللغة تبدو في ظاهرها عنيفة، إلا أنه بالبحث عن جوهرها يتلاشى، قائلًة: معارك العقاد لفظية لم يحققها على أرض الواقع. على الجانب الآخر، رأت فؤاد أن طه حسين تفوق على العقاد من وجهة الفكر الديني، حيث كان أقدر على المواجهة وأكثر جرأة في مواجهة التراث العربي والثقافة المصرية، مخضعًا هؤلاء لمذهب "الشك". وقالت: أميل لطه حسين في منهج الإبداع، فمواقفه تنبئ بكونه باحثًا حقيقيًا، أثقل من العقاد ومتفوقا عليه. ويقول الناقد الدكتور حسين حمودة: من الصعب الحديث عن عباس العقاد بحياد كامل؛ لأنه لم يكن محايدا أبدا، لا فى أغلب مواقفه الفكرية والأدبية والسياسية، ولا فى أغلب كتاباته المتنوعة، ومنها المؤلفات التى كتبها حول عدد من الشخصيات الإسلامية والعربية، مثل العبقريات: "عبقرية محمد"، و"عبقرية عمر"، وغيرها. ويوضح حمودة ل"بوابة الأهرام" أن هذه المؤلفات جاءت تعنى بالملامح الفردية للشخصيات التي تناولها العقاد، وهو اهتمام واضح تماما، ومهيمن تقريبا، لا يوازيه اهتمام مماثل بالسياق المتنوع الذى ارتبط بهذه الشخصيات، وارتبطت به، وكان له تأثير ملموس فى حياة ومسيرة أغلب هذه الشخصيات. وعقد حمودة مقارنة بين شخصية واحدة أو اثنتين من الشخصيات الإسلامية التى تناولها كل من طه حسين والعقاد، ملاحظًا التباين جليا بين طريقة كل منهما فى التفكير والتحليل وأيضا فى الكتابة. وفي سياق متصل، رأى حمودة أن طه حسين في كتابه "الفتنة الكبرى"، بجزئيه: "عثمان" و"على وبنوه"، شهد عناية كبرى بالسياق المتنوع الأبعاد، الذى كان له تأثير كبير على مواقف هذين الصحابيين. ولعلنا لا نجد مقدارا مقاربا لهذه العناية فى كتابى العقاد: "عبقرية الإمام على بن أبى طالب" و"عثمان بن عفان". واستطرد: فضلا عن ذلك، فكتاب "الفتنة الكبرى" يستند إلى جهد هائل ورؤية ثاقبة فى تفنيد عدد كبير من الروايات التاريخية التى أحاطت بملابسات فترة عثمان وعلى، كما تأسس هذا الكتاب خلال بناء محكم جدا، وعلى لغة مشبعة بالجمال. وأنهى عباراته قائلًا: العقاد، عبر تجربته الواسعة ومواقفه المدوية، وقراءاته المتنوعة وكتاباته أيضا، قد استطاع أن يصوغ "أسطورته الخاصة". لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :