كشفت دراسة مصرفية حديثة عن العديد من السلبيات التي تزامنت مع دخول البنوك الأجنبية السوق المصرية من بينها تعارض المصالح فيما بين رغبة البنوك غير المصرية في تحقيق أرباحها المخطط لها، وبين رغبة الحكومة المصرية في تحقيق إيجابيات اقتصادية بمساهمة ومساعدة من البنوك. وقالت الدراسة، التي أعدها الخبير المصرفي أحمد آدم، إن التعارض ظهر واضحًا عندما ارتفعت معدلات التضخم بمصر وبشكل كبير نتيجة للارتفاع العالمي في أسعار الغذاء خلال عام 2008، موضحًة أن البنك المركزي المصري عندما أراد رفع سعر الفائدة على الودائع بالبنوك للحد الذي يخفف من وطأة الارتفاع المستمر في معدلات التضخم لم تستجب البنوك غير المصرية . وأوضحت الدراسة أن البنوك الأجنبية لم تستجب لرفع سعر الفائدة نظرًا للسيولة الكبيرة الموجودة بالبنوك والتي تجد طريقها بصعوبة للاستثمار نظرا لما ترتب على أزمة التعثر التي حدثت ببدايات القرن الحالي، وأدت لندرة نسبية في عدد العملاء الذين يمكن لهم الحصول على قروض وتسهيلات ائتمانية وارتفاع البنوك بأسعار الفائدة بصورة متتالية، كما كان يرغب "المركزي" كان سيؤثر سلبًا على صافي أرباح البنوك، مما دفعها لعدم الاستجابة للمركزي، بينما استجابت بنوك القطاع العام في إطار دورها القومي والاجتماعي، والذي يعيقها كثيرًا عن المنافسة. وكشفت الدراسة عن صور أخرى من تعارض المصالح ستطفو على السطح خلال الفترة القادمة خصوصًا مع انخفاض الاستثمارات المباشرة الأجنبية التي كانت الحكومة المصرية تعتمد عليها في تخفيض معدلات البطالة وتحقيق معدلات نمو اقتصادية معقولة، وهذا الانخفاض تريد الحكومة علاجه بزيادة الديون المحلية وتمويل الزيادة من الجهاز المصرفي المصري وكذلك دخول البنوك كشريك في المشروعات وخصوصًا المتعلقة بالبنية التحتية. وأضافت الدراسة أن من عيوب البنوك الأجنبية وجود تسرب واضح للاستثمارات الأجنبية المباشرة من داخل مصر لخارجها بالتماشي مع زيادة عدد البنوك الأجنبية والعربية العاملة بمصر وبلغ هذا التسرب نهاية العام المالي (2008/2009) ما قدره 4.7 مليار دولار، بينما كان يبلغ خلال عام 2004 ما قدره 2 مليار دولار فقط، بسبب تسهيلها عملية تحويل أية استثمارات لخارج مصر وخصوصًا للدول التي منها جنسيات البنوك العاملة بمصر. وربطت الدراسة بين دخول البنوك الأجنبية والعربية وزيادة وحجم الواردات إلى مصر مما أدى لزيادة العجز بالميزان التجاري بشكل أثر سلبًا على ميزان المدفوعات، ورغم أن هناك أسباب مهمة أخرى لزيادة الواردات بخلاف البنوك غير المصرية العاملة بمصر، إلا أن سرعة فتح الاعتمادات المستندية الخاصة بالاستيراد وتدبير العملات الأجنبية اللازمة كان سببًا مهمًا من أسباب زيادة الواردات واتساع هوة العجز بالميزان التجاري فقد زادت الواردات فيما بين عام 2003 وعام 2008 بمعدل نمو 257%، فقد زادت من 14.8 مليار دولار عام 2003 إلى 52.8 مليار دولار عام 2008. كما أكدت أن البنوك غير المصرية ساهمت في تسرب موارد الدولة من العملات الأجنبية للخارج، حيث واكب دخولها الجهاز المصرفي زيادة في حجم الإيداع لدى البنوك بالخارج في ظاهرة سلبية غير منظورة لتوافر العملات الأجنبية حاليا وتزايد الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية، إلا أنها ستصبح ظاهرة واضحة فيما لو تناقصت موارد الدولة من العملات الأجنبية. كما أن سداد التزامات للبنوك الأم في الخارج من موارد البنوك العاملة بمصر وبالعملة الأجنبية شكلًا آخر من أشكال تسريب الموارد من العملات الأجنبية للخارج.. ولفتت إلى تأثيرها السلبي على معدلات البطالة، فرغم أن برنامج الخصخصة بدأ في مصر بمنتصف تسعينيات القرن الماضي ونتج عنه شريحة جديدة من أصحاب المعاش المبكر و الذين خرجوا قبل بلوغهم سن المعاش ولتعويضهم عن صغر معاشهم يتم صرف مبلغ مالي كمكافأة نهاية خدمة يتم استثماره في الغالب أو يتم إيداعه بالبنوك، وعائد الاستثمار شهريًا يستعوض انخفاض المعاش الشهري لمن خرج مبكرًا. وأضاف: رغم أن هذه الشريحة من أصحاب المعاش المبكر أخذت في الزيادة حتى باتت مؤثرة يحسب لها ألف حساب عند أي قرار يتعلق بخفض سعر الفائدة بالبنوك، إلا أن برامج تحفيز العاملين بالقطاع المصرفي للخروج على المعاش وخصوصًا بالبنوك التي تم بيعها للبنوك العربية والأجنبية كانت لها تأثيرات سلبية أشد وطأة من كل ما سبقها، وذلك لأن تهافت الشركات على أصحاب الخبرات المصرفية الذين خرجوا للمعاش المبكر قد جعل كل فرصة عمل يحصل عليها كادر مصرفي بشركات غير البنوك تحجب أكثر من 10 فرص عمل لحديثي التخرج، مما أثر سلبا على معدلات البطالة، ولفتت إلى إعطاء البنوك الأجنبية خصوصًا ذات رأس المال الأجنبي ميزات نسبية للمستثمرين الأجانب حيث تتميز بانخفاض تكلفة ودائعها وبشكل كبير نظرًا، لأن لديها ودائع غير مكلفة بنسبة كبيرة ضمن إجمالي ودائعها التي تتشكل من حسابات التشغيل للشركات الكبرى وكذلك مارجات الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان مما يمكن هذه البنوك من تخفيض عائد خدماتها المصرفية وعوائدها على القروض والتسهيلات الائتمانية الممنوحة لكبار عملائها، وبالتالي فهي تمنح دائمًا وأبدًا المستثمرين من أبناء جنسياتها ميزات وتخفيضات على خدماتها المصرفية وأسعار عوائدها على القروض والودائع، بما يجعل لهم ميزة لمنتجاتهم أمام منتجات منافسيهم من المحليين. وأوضحت أن وجود البنوك غير المصرية ساوى بين تأثير الديون المحلية والخارجية للحكومة على سيادة الدولة، فعدم قدرة الأخيرة على سداد الديون المحلية يحمل نفس أثر غياب قدرتها على سداد ديونها الخارجية من تدخل لصندوق النقد الدولي والمؤسسات العالمية للتقييم ورغم بعد هذه السلبية حاليًا، إلا أنه احتمالها قائم لحدوثها في ظل تفاقم الديون المحلية واعتماد الحكومة المصرية على البنوك في تمويلها عبر شراء أذون وسندات الخزانة الحكومية ومنح الهيئات الحكومية وشبه الحكومية لقروض وتسهيلات ائتمانية.