لم يستطع أي نظام أن يثنيه عن مبادئه وأفكاره، فاعتقل في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ووضع خلف القضبان في حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، إنه المحامى والحقوقى البارز أحمد سيف الإسلام حمد محامى العمال والفقراء والمعتقلين، الذى وافته المنية أمس عن عمر يناهز 63 عاما. الذى كان آخر وصاياه: "خدوا بالكوا تبرير إهدار كرامة الإنسان شديدة الاتساع، لن نسمح في أى وقت من الأوقات أن نبرر حتى لأنفسنا إهدار كرامة الإنسان، ممكن نبقى أضعف من إننا نواجه موجة القمع، لكن لن نسمح أن يستخدم اسمنا في تبرير موجة القمع ولنطلق على ذلك أضعف الإيمان، إذا لم أستطع أن أواجه القمع المباشر لن أسمح لأحد أن يستخدم اسمي في تبرير هذا القمع، اوعوا تسمحوا لحد يجرفكوا من إنسانيتكم". وكانت آخر رسائله لابنه علاء عبد الفتاح المحبوس حاليا بتهمة خرق قانون التظاهر :"آسف إني ورثتك الزنازين اللي أنا دخلتها.. لم أنجح في توريثك مجتمع يحافظ على كرامة الإنسان .. وأتمنى أن تورث خالد حفيدي مجتمع أفضل من ما ورثتك إياه". سجن علاء، في نفس السجن الذى سجن فيه والده "سجن الاستئناف"، الذى سجن فيه علاء لأول مرة في 2006، وقال سيف: "وكأنني لم أورث لأبني إلا السجن والزنزانة.. تذكرت وأنا أزوره لأول مرة في السجن نفسي وأنا سجين .. كنت أعرف ما هي الإجراءات التي يقوم بها الآن على الجانب الثاني وهم يخطرونه أن له زيارة .. دخلت سجن الاستئناف بعد أربعين عامًا وأنا أعرف إجراءات المسجون ولا أعرف إجراءات السجين". وكانت فترة سجن علاء الثانية من أقسى لحظات حياته سُجن فيها نفسيًا، على حد تعبيره، ليس لسجن ابنه ولكن لشعوره بأن لا شيء يتغير. وكانت كلمات سيف للمعتقلين والمضربين عن الطعام :"مش هيخضنا ولا يقلقنا تصور المستبدين الجدد أنهم خالدين، كل المستبدين السابقين تصوروا هذا التصور الساذج وفى النهاية انتصرت الشعوب عليهم، ممكن نتوه، ممكن نتلغبط، ممكن منشوفش الشمس، ممكن قياداتنا السياسية والحزبية تبيعنا وتبيع القضية علشان مكاسب صغيرة وتافهة، ممكن الإعلام يضللنا، ممكن السياسيين يضللونا، ممكن خلافتنا بينا وبين بعض تعطل مسيراتنا واستعادتنا لحريتنا، لكني متأكد أن الجيل الموجود في السجون النهاردة هو الجيل اللي تربى على تقاليد 2005 و2006 اللي كسرت تقاليد الجيل بتاعي، تقاليد الجيل بتاعي كانت بتعظ مع السدود ضد العمل المشترك مش بس مع المختلفين". شارك الراحل في ثورة 25 يناير، ضد حكم مبارك، ومن بعده ضد الرئيس المعزول، محمد مرسي، وهو والد الناشط الحقوقي علاء عبدالفتاح، والناشطتين مني سيف، وسناء سيف، وزوج الدكتورة ليلى سويف الأستاذة الجامعية والناشطة السياسية. ظل سيف مدافعًا عن حقوق الإنسان من خلال مركز هشام مبارك للقانون، الذى شارك في تأسيسه عام 1999، متوليًا إدارته، ويقدِّم "مركز هشام مبارك للقانون" المشورة وغيرها من أشكال الدعم لضحايا التعذيب وسواه من انتهاكات حقوق الإنسان، وللناجين والناجيات منه، ويعمل على ضمان تقديم الجناة إلى ساحة العدالة، كما يعمل مع غيره من منظمات المجتمع المدني من أجل إلغاء القوانين التي تقوِّض حقوق الإنسان وتتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان التي يكرِّسها الدستور المصري، وأصر أن يترك موقعه القيادى فيه لجيل جديد الشباب المتميز من المدافعين عن حقوق الإنسان. وعقب ثورة 25 يناير قبل سيف عضوية المجلس القومى لحقوق الإنسان، أخذ عهدًا على نفسه أن يجتهد ليظل وفيًا لمعايير حقوق الإنسان قائلا حينها: "عاونوني لأنجز المهمة، لتكونوا صوت الضمير يوقظني من غفلتي، وقوموني بالسيف إذا استدعت الضرورة، قد أكون حالمًا، لِم لا .. ألم تكن ثورتنا حلم بعيد المنال". لكنه لم يستمر في المجلس سوى أيام معدودات وتقدم باستقالته اعتراضا على مواقف المجلس إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، ولكنه ظل المدافع عن حقوق الإنسان منذ عهد مبارك وضد الأنظمة المتعاقبة منذ قيام الثورة كالقابض على جمرة. جرى اعتقال الراحل، عدة مرات وتعرض للتعذيب وهو الأمر الذى دفعه لتكرّيَس أنشطته للدفاع عن حقوق الإنسان، وبعد أن أفرج عنه في العام 1989، بعد أن أمضى فى السجن خمس سنوات بتهمة الاشتراك فى تنظيم يسارى كان قد حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة. كان اعتقاله للمرة الأولى لمدة يومين عام 1972، بسبب مشاركته في مظاهرات الطلاب من أجل تحرير سيناء، ثم تكرر الأمر في عام 1973، بعد مشاركته في الاحتجاج على خطاب الرئيس الراحل السادات لتأخره عن اتخاذ قرار بالحرب ضد إسرائيل، وقضى 8 أشهر متصلة، وفي عام 1983، قضى 5 سنوات في سجن القلعة، بتهمة الانتماء إلى تنظيم يساري، أما المرة الأخيرة كانت في عصر المخلوع مبارك في عام 2011. ينتمى الراحل لجيل السبعينيات جيل التمرد والغضب، ذلك الجيل الذى أطلق انتفاضة 1977 الشعبية وهو الجيل الذى شهد التحولات الحادة والعميقة فى مصر والمنطقة العربية شارك فى قيادة الحركة الطلابية خلال عقد السبعينيات. شارك فى الدفاع عن سجناء الرأى من اليساريين والإسلاميين وعن العمال، وعرف عنه نهمه الشديد للكتابة والقراءة أثرى المكتبة القانونية والحقوقية بعديد من الكتب والدراسات والأبحاث وعشرات من أوراق العمل فى مختلف القضايا الحقوقية والقانونية الدستورية رشحه الكثيرون لخلافة أحمد نبيل الهلالى فى قيادة حركة الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال التقاضى والبحث القانونى، ومن مؤلفاته "مدى دستورية قانون الطوارئ والأحكام العرفية"، "الحبس الاحتياطى". وشارك أحمد سيف الإسلام حمد في فريق المحامين الذي يدافع عن 49 شخصاً يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة العليا (طوارئ) في طنطا، شمالي القاهرة، لتورطهم المزعوم في الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في 6 أبريل2008 تضامناً مع التحرك العمالي في مدينة المحلة الذي نظمّه عمال النسيج وشابتها أعمال عنف. ويستند الادعاء بصورة رئيسية في هذه القضية إلى اعترافات يزعم المتهمون أنها انتزعت منهم تحت التعذيب أثناء احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي في فترة الاعتقال السابقة على المحاكمة، والتى قضى فيها ببراءة 27 متهما وإدانة 22 آخرين من المتهمين البالغ عددهم 49 متهما. ووفق مقابلة أجريت معه نشرتها منظمة العفو الدولية فإن أحمد سيف الإسلام حمد يرى أن التعذيب "مثل السرطان ينخر في شباب الأمة وقدرتها على التغيير والتمرد والانتقاد".. ويقول فى هذه المقابلة إنه وعلى الرغم من ذلك، منبهر جداً بأعداد الشباب المستعدة للانخراط في الحركة الحقوقية، من حيث الطاقة والقدرة والرغبة في التعلم. وفي إشارة إلى المحاكمة الخاصة باحتجاجات المحلة، أعرب أحمد سيف الإسلام عن اعتزازه بأنه عضو في فريق للدفاع يضم أكثر من 20 محامياً شاباً يقومون بمرافعاتهم لأول مرة في قضية رئيسية تهم الرأي العام، وقال: "أعتقد أن هذا أكثر شيء أسعدني، وهو أن أسمع مرافعات الزملاء الشباب لأول مرة وأشعر بالإنجاز والثمرة.. وأعتقد أننا انتصرنا في قضية المحلة، فبغض النظر عن الحكم، فنحن انتصرنا على الصعيد المهني، وأظن أن هذا جائزة كبيرة بالنسبة لي". وقامت المجموعة المتحدة، برئاسة نجاد البرعى، منذ شهرين بتكريم الحقوقي أحمد سيف الإسلام حمد، رئيس مركز هشام مبارك للقانون، ومحمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى، وعضوا المجلس القومى لحقوق الإنسان سابقا، لدورهما البارز وجهودهما لما قدماه لمناهضة جريمة التعذيب على مدار سنوات طويلة. وألقى سيف كلمة قال خلالها :"حزنت لأن الثورة كأنها لم تقم.. الظلم مازال مستمرًا.. فأنا فيما أنا فيه من 72 إلى 2011.. متي ينتهي اعتقال النشطاء والسياسيين؟! متي ينتهي تعذيبهم واعتقالهم متي نعيش في بلادنا أحرارًا؟!"، روى سيف تفاصيل اعتقاله للمرة الأخيرة قائلاً: "آخر مرة كانت يوم موقعة الجمل فبراير 2011 قوات أمن كثيفة جاءت واعتقلتني أنا وكل من معي في مركز هشام مبارك من مراسلين وصحفيين وأخذوا كل الملفات وأجهزة الكمبيوتر، وقتها ضحكت وقلت للضباط الذين يحققون معي: لقد أصابتكم هيستيريا، نظام مبارك ينهار، أيام وقد تكون ساعات وستضطرون للإفراج عنا ومن الجائز أن نعتقلكم نحن، وبالفعل أفرجوا عني بعد يومين". #