انتهت أسطورة خط باريف ولم يبق منه سوي ذرات الرمال، لم يبق سوي رائحة دماء زكية وأصداء تكبيرات جنودنا البواسل علي أرضه، لم يبق منه سوي "تبة الشجرة" الموقع الحصين الوحيد الباقي من مانع بارليف الأسطوري. رحلة لمنطقة يبنغي للمصريين زيارتها ليري تلك المساحات الشاسعة من الرمال وكم تحمل من دماء وتكبيرات الشهداء المصريين البواسل. " تبة الشجرة" أو "الأفعي" كما أطلقوا اليهود عليه، تلك المنطقة التي تقع علي بعد 10 كم من مدينة الإسماعيلية، الموقع العسكري الصغير الذي أطلق عليه ذلك الاسم لأنها حينما كانت تري من الجو كانت ممراته علي شكل شجرة ذات 15 أو 19 فرعا. "خط بارليف" الذي انتهي في إحدى جولات الصراع العربي الإسرائيلي لاسترداد الأرض والكرامة في السادس من أكتوبر 1973، ذلك التحصين العسكري الذي تم بناؤه لتأمين الضفة الشرقية لقناة السويس ومنع عبوره من القوات المصرية، سقط وفي أقل من ست ساعات. لم يتبق من أقوي حصن في التاريخ سوي منطقة "تبة الشجرة" والنصب التذكاري للجندي المجهول، ليكون شاهدا علي ماقام به جنودنا البواسل خلال حرب اكتوبر المجيدة، وليبق هذا المكان ليكون مزارا سياحيا ويذكرنا بتلك الأسطورة. مزار "تبة الشجرة" يضم موقعين حصينين متصلين بواسطة أنفاق محصنه، يضم الموقع الأول مقر القيادة وغرفة العمليات المزودة بالأجهزة المخصصة للاتصال بالوحدات والقيادات الفرعية والقيادة الجنوبية والقيادة العامة وكذا الأجهزة والمعدات الإلكترونية ومجموعة الوثائق والخرائط . والموقع الثاني مخصص للعمل الإداري ويضم مكتب للقائد وأماكن مبيت للأفراد وصالة للطعام ونقطه طبيه ونقطه وقود والمغسله. اسطورة خط باريف الذي تكلف إنشاؤه نحو500 مليون دولار، عبارة عن ساتر ترابي امتد بطول160كم وعمق داخل سيناء نحو10كم أما ارتفاعه فتراوح بين10و20 مترا حسب إمكانية العبور من المنطقة المقابلة، أقيم الخط بزاوية ميل قدرها 80درجة مما يجعل محاولة تسلقه أمرا صعبا. واحتوي الخط على33 نقطة حصينة تبعد كل منها عن الأخري بمسافة6كم تقريبا، تتكون كل نقطة من عدة طوابق تختفي أغلبها تحت الأرض، وتعلو حتي تصل إلي ارتفاع الساتر الترابي الذي يصل الفراغات التي بينها. ولقد تم تحصين هذه النقاط بالأسمنت المسلح والأحجار الصلبة بالإضافة إلى قضبان السكك الحديدية المنتزعة من سكة حديد سيناء مع شكائر الرمال مما جعلها تتحمل القصف المباشر بالقنابل حتي عيار ألف رطل. وضمت كل نقطة وسائل استطلاعية لرصد أية محاولة للعبور بالإضافة إلى أسلحة خفيفة وثقيلة ومدافع مضادة للدبابات والطائرات وغيرها، وكانت تتصل سلكيا ولا سلكيا بالمواقع الخلفية بعمق إسرائيل " قلاع حصينة بنيت وسط الساتر الرملي". وأقيمت بخط بارليف خزانات تحت سطح الأرض يسع كل منها200 طن من النابالم أو الجازولين، كانت هذه الخزانات متقاربة ومتصلة بشبكة من الأنابيب تنتهي تحت سطح مياه القناة. هذه المواد الملتهبة حين تشتعل تطفو علي سطح المياه لتصل درجة حرارتها إلي700درجة مئوية، ويصل ارتفاع نيرانها إلى نحو متر فوق سطح القناة، أي تتحول القناة إلي أتون. الاطلاع علي هذه المعلومات المخيفة عن خط باريف تجعل أي أنسان مكبل الايدي ومشلول التفكير في العبور، تجعلك أيضا هذه المعلومات تنحني تبجيلا واحتراما لجنود بواسل وضعوا ارواحهم فداء لهذا الوطن العظيم. جنود لم يفكروا إلا في تحرير هذا الوطن وتحطيم اسطورة هذا الخط المنيع الذي جعل العالم بأسرة يهاب ويخاف حتي الاقتراب من اسرائيل. وهنا كانت صوت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك يعلو ويملئ المكان وهي تقول: "إن تصور عبور القوات المصرية إلي الضفة الشرقية للقناة يعتبر إهانة للذكاء!!" ليرد عليها موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي" أن الخط سيكون الصخرة التي تتحطم عليها عظام المصريين، وأن المصريين لا يعرفون أي جحيم سوف ينصب عليهم عندما يضعون أقدامهم علي الضفة الشرقية للقناة". وينهي رئيس الأركان دافيد بن إليعازر كلامهم بمقولته الشهيرة "إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري"، دون أن يتخيل أن يتحول هذا الخط إلي أثر لم يبقي منه سوي منطقة "تبة الشجرة"، وبعض الرمال واللوحات التذكارية. لم يدركوا أبدا أن في يوم "كيبور أو عيد الغفران" سيذوقون ويلات الضربات القاضية علي يد المصريين في اقل من ست ساعات، مستغليين عنصر المفاجأة، واختراق السائر الترابي في 81 مكانا مختلفا وازالة 3 ملايين متر مكعب من التراب عن طريق مضخات مياة ذات ضغط عال. وبعد انتهاء تحطيم هذا الصرح الكبير خرج اللواء باقي زكي يوسف صاحب فكرة اسقاط خط بارليف في حرب أكتوبر المجيدة ليؤكد أن الاستراتيجيات العسكرية العالمية وضعت ملحمة انهيار الخط -الذي قيل ان القنابل الذرية لا تؤثر في مناعته- في مقدمة المناهج التي تدرس في المناهج والأكاديميات العسكرية. وقال في تصريحات له أن القوات المسلحة المصرية جسدت من خلال التخطيط والابتكار وتكامل أداء قطاعاتها ملحمة لعبقرية شعب بأكمله قادر عل تجاوز أعتي الحصون والعقبات بارادته وخبراته وفي منظومة متتالية أذهلت العقول العسكرية. وفي النهاية كتبت علي رمال بقايا هذا الحصن الزائل وعلي هذه الرمال الطاهر مقوله المؤرخ العسكرى الإسرائيلى المعروف أورى ميلشتاين بان انتصار الجيش المصري فى حرب اكتوبر عام 1973 كان عن جدارة.