أكّد مراقبون أنّ زيارة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكراذة المرقسية، إلى الإمارات تشكّل عودة تدريجيّة لدور القوّة المصرية الناعمة للقيام بدورها الإقليمي، لاسيما بعد سقوط جماعة الإخوان. وقال سامح فوزي، مدير مركز دراسات التنمية وعضو مجلس الشورى السابق، في تصريح ل"العرب" إن الزيارة دليل على رغبة البابا في الحفاظ على الامتداد العربي للكنيسة، والذي حققته في عهد البابا السابق شنودة، والتأكيد على عمق الامتداد الحضاري والروحي في منطقة الخليج. وأشار فوزي إلى أن الكنيسة جزء من القوّة الناعمة المصرية في محيطها العربي والأفريقي، مشدّدا على أن الأمر سيظل متوقفا على مدى قدرة الدولة المصرية على الاستفادة من عوامل القوة الناعمة لديها، سواء كانت الكنيسة أو الأزهر أو الفن أو الثقافة، وأن تعزف هذه المؤسسات في منظومة واحدة متكاملة بدلا من أن تغرد منفردة أو تنكفئ على مساراتها. ولفت إلى أنّ البابا كان أحد الوجوه المضيئة في المشهد السياسي عند الإطاحة بالإخوان، وهو بذلك يقدم نفسه في هذه اللحظة على أنه رمز مصري يزور الإمارات التي ساندت مصر بشدّة خلال تلك الفترة. وكان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قد أكّد، مساء أمس الأحد، أنّ دولة الإمارات تقف دائما إلى جانب الشعب المصري في كلّ الظروف، وذلك خلال استقباله البابا تواضروس الثاني والوفد المرافق له. وجرى خلال المقابلة، التي حضرها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي والشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وجمع من كبار المسؤولين الإماراتيين، استعراض دور رجال الدين في التقريب بين أتباع الديانات المختلفة وترسيخ مبدأ التسامح والسلام بين شعوب العالم. وحظيت زيارة البابا تواضروس لدولة الإمارات باهتمام بالغ في الأوساط السياسية والشعبية والقبطية في مصر، نظرا إلى ما لهذه الزيارة، الأولى من نوعها، من دلالات سياسية. ومن جانبه، قال الكاتب والمفكر القبطي، جمال جمال أسعد، في تصريح ل"العرب"، إن زيارة البابا تواضروس للإمارات سابقة لابد أن نتوقّف أمامها، خاصة بعد ثورة 30 يوينو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي، مبرزا موقف دولة الإمارات الداعم لمصر في مواجهة الجماعة الإرهابية. وأكد أسعد أنّ زيارة البابا تواضروس للإمارات لها معانيها ودلالاتها السياسية رغم أنّ الكنيسة والبابا لا علاقة مباشرة لهما بالسياسة، وتأتي ضمن التحرّكات المصرية ونتيجة للمردود السياسي للموقف الإماراتي في 30 يونيو 2013. وقال سامح فوزي: أتمنى أن يعود مثل هذا الدور للقوة الناعمة المصرية خاصة وأن الكنيسة تحوّلت في عهد البابا شنودة من كنيسة محليّة إلى كنيسة عالمية لها وجودها وتمثيلها في أوروبا وكندا وأستراليا وأميركا الجنوبية. من جانبه، قال الكاتب والناشط القبطي، سليمان شفيق، إنه لا يوجد شيء في الدينا ليس له بعد سياسي، معتبرا أنّ الرسالة السياسية في زيارة البابا إلى الإمارات هي تأكيد المصريين، باختلافهم أقليات ومذاهب عديدة، على امتنانهم لموقف الإمارات المساند لمصر أيام محنتها. وأكد شفيق أنّ الإمارات تولي اهتماما الآن لدور القوة الناعمة الإقليمية مع مصر بعد العداء الملحوظ من بعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، لافتا إلى أن الإمارات أمامها مساحة أكبر من غيرها لقبول الآخر تفوق باقي دول المنطقة. وبدوره، قال المفكر القبطي كمال زاخر إن الزيارة لها دلالات عديدة على مستويات مختلفة، وتأتي كردّ قاطع على من يحاولون حصر الإسلام في رؤية ضيّقة متطرفة، ونبذ الآخر ويزيح تهمة الإقصاء التي يحاول بعض المتأسلمين إلصاقها بالإسلام وهو منها بريء.