إذا كان هناك من يقول إن المشكلة في الحياة هي الاختيار، فقد حسم أحمد فؤاد نجم أمره مبكرًا واختار أن يقف دومًا مع رجل الشارع وألا يهجر أبدًا ومهما كان الثمن خندق الدفاع عن مصر والمصريين والأمة العربية ككل. وهذا الاختيار لا يقدم عليه "عندما يكون الطغيان في ذروته ولا تكون البطولة مجانية" سوى قلة قليلة من البشر في كل مكان وزمان وعدد أقل من المثقفين الحقيقيين مثل أحمد فؤاد نجم والشاعر الشيلي بابلو نيرودا، فيما تتعدد أوجه الشبه بين هذين المبدعين في "رحلة التحول من الحقيقة إلى الأسطورة". وفي أيام الهروب من قبضة السجان والتخفي من العسس كان ل"الفاجومي" أن يجد دومًا ملاذه وسط البسطاء في شوارع وحارات وأزقة المحروسة وأن يمنحوه كل ما بمقدورهم من دعم لأنهم أدركوا بالفطرة النقية أن هذا الشاعر الجسور واحد منهم يدافع عنهم ويعبر عما يتمنون أن يعلنوه. فهو عاشق مصر دون تكلف وهو "بطل شعبي" يحق للمصريين أن يصنعوا منه أسطورة كلما استدعوا سيرته أو بحثوا عن مدد يعينهم في مواجهة الصعاب والشدائد وهو الحنون على رجل الشارع وأبناء السبيل والذي فهم "الخريطة السرية لمصر والشفرة البالغة الخصوصية للمصري" ومع كل شبر عرفه في هذا الوطن كان يزداد حبًا للوطن. ولن يكون من قبيل المبالغة وضع أحمد فؤاد نجم في ذات الدرجة العالية الرفيعة التي يحظى بها شاعر بقامة بابلو نيرودا وستصدر الكثير من الكتب والأعمال حول "أسطورة الفاجومي" تمامًا كما هو الحال مع نيرودا الذي قضى عام 1973 وتتوالى الكتب والكتابات عنه حتى راهن اللحظة وآخرها كتاب "بابلو نيرودا: عشق الحياة" الذي صدر بالإنجليزية للمؤلف آدم فينشتاين. وسواء في مصر أو في شيلي كان "الفاجومي" وبابلو نيرودا مهمومين بقضية التعبير عن الإرادة الوطنية في مواجهة قوى الهيمنة الأجنبية فضلاً عن أن كلاهما كان وسيبقى لسان حال الشعب في مواجهة السلطة التي تعبر عن مصالح عصبة فيبدو الوطن وكأنه تحول الى ملكية خاصة للحاكم وعصبته!.