انتهت لجنة الخمسين تقريباً من أعمالها، وقاربت على رفع المسودة النهائية لمشروع الدستور، تمهيداً لطرحه في استفتاء عام، ويبدو أن هيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة لم تعجبهما النصوص التي تقررت لهما، رغم أن لجنة الخمسين أمهلت الجميع فرصة للتوافق، ولكنهما استمرا في طلباتهم البعيدة عن وظائفهم وطبيعة مهامهم. ويقول الدكتور محمود فوزى، المستشار بقسم التشريع بمجلس الدولة، إن تهديد أعضاء هيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة بالإضراب عن العمل، وبعدم تمثيل الادعاء أمام المحاكم التأديبية أو تمثيل الدولة أمام محاكم مجلس الدولة، يجعلهم يبدوا وكأنهم مكاتب استشارات قانونية خاصة رهن مزاج أصحابها، أو أن ممارستهم لأعمال وظائفهم خاضعة لأهوائهم ورغباتهم، فإن رضوا عن الدولة مارسوها، وأن سخطوا منها وغضبوا عليها امتنعوا عن القيام بواجبهم. حول شعارات "المصلحة العامة" و"العدالة الناجزة" و"حماية مال الشعب" التى ترفعها الهيئتان، أشار المستشار فوزى، إلى أنه بات من المعلوم أن ترتيب مصر في مؤشر الدول الأكثر فساداً في تراجع مستمر، فبعد أن كنا فى عام 2001 في المرتبة 57 من أصل 174، أصبحت مصر عام 2012 في المرتبة 118 من أصل 174 دولة. وقال المستشار فورزى، ل"بوابة الأهرام" إن هذا التراجع دلالة لا تحتاج إلى مزيد من البيان إلى جهود إحدى الهيئات التي تحمل أمانة مكافحة الفساد وتتمتع بحصانة القضاة، فلم تؤد واجبها بحسب النتائج، بل راحت تبحث عن اختصاصات لا يصح قانوناً أو منطقاً اسناده لها، وليس لها فيها حق، وقامت باستخدام أساليب غير لائقة في سبيل الوصول إلى مبتغاها، فتارة تتهم مجلس الدولة بالتقصير والتأخير، وتارة تتهمه بالفساد ورعايته. وتارة أخرى تتاجر بقضية المرأة واعتلائها منصة القضاء التأديبى، ولو أنهم كانوا صادقين في قضية تولي المرأة منصة القضاة لكانوا أسندوا إليها مهمة الإدعاء التأديبي أمام المحكمة التأديبية بمجلس الدولة. وأعرب عن استغرابه، قائلا عندما نسألهم لماذا لا تلحقون المرأة بقسم الدعوى التأديبية حتى يمكنها أن تمثل النيابة الإدارية على منصة القضاء التأديبي كخطوة على الطريق؟، يجيبون بإجابة عجيبة، وهي أن هذه مسألة تنظيمية تخص الهيئة، ولا يحق لأحد التدخل فيها. وحول الدعاوى التأديبية التي تأخرت لسنوات طويلة في مرحلة التحقيقات،أشار إلى أن يجيبون يبررون أنه يوجد تأخير ولكن ما نسبته من مجموع الوقائع التي تم تحققها، وأن التحقيق بالنيابة الإدارية يتوقف بقوة القانون لتحقيقات النيابة العامة والإحالة للمحاكمة الجنائية، وكأن هاتين الحجتين تسريان فقط على عمل النيابة الإدارية ولا تسريان على المحكمة التأديبية. وأشار إلى أن مجلس الدولة أوضح أكثر من مرة، أن الدعوى الجنائية توقف الدعوى التأديبية، وأن كل دعوى متأخرة لها سبب، قائلا:"لكن الله غفور رحيم بالنسبة لهم وشديد العقاب بالنسبة لمجلس الدولة". بالنسبة لهيئة قضايا الدولة،أشار الدكتور فوزى، إلى خروج رئيس ناديهم، مطالباً بتطبيق مقررات مؤتمر العدالة الأول عام 1986 بتطبيق نظام القضاء الموحد، ملوحاً بتهديد مجلس الدولة بالإلغاء وضمه الى محاكم القضاء العادي، ونسي الرجل أن العالم كله يتجه نحو تخصص القاضي، لدرجة أن المملكة المتحدة ذاتها، وهي الدولة الرائدة في مجال تطبيق نظام القضاء الموحد، أصبحت تفرد دوائر متخصصة للمنازعات الإدارية. وأشار إلى أن اشتراك أعضاء محاميي قضايا الدولة أو النيابة الإدارية في إعداد موازنة القضاء أو إدارة صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لرجال القضاء والبت في صرف أو عدم صرف هذه الخدمات لبعضهم ينطوي علي تدخل من غير القضاة في شئون العدالة وهو الأمر المحظور بنص المادة166 من الدستور. وأوضح أن إطلاق صفة الهيئة القضائية تجاوزاً علي هاتين الإدارتين لأول مرة كان مرتبط ارتباطاً وثيقًا بقرارات مذبحة القضاء للإطاحة باستقلال القضاء وتكرر ذلك في بعض التشريعات اللاحقة وانتفاع أعضائها مالياً نتيجة لذلك ومزاحمتهم القضاة في حقوقهم وضماناتهم. واعتبر كونهما جهتين إداريتين من فروع السلطة التنفيذية ويستحيل دستورياً اعتبارهما من فروع السلطة القضائية بأي حال من الأحوال بل أنهما شوكتان فى قلبها وضعا فى غفلة من الزمن لذبح استقلال القضاء ويضحى إخراجهما واجب على المشرع الدستورى لا بديل عنه، والقول بغير ذلك لا يعدو أن يكون محض تبرير لمطالب طائفية يمكن السعي لتحقيقها دون التمسح بالصفة القضائية. وحول تلويح أعضاء الهيئتين بالامتناع عن الإشراف على الانتخابات، وكأنهم بعد بشارتهم في جمعيتهم العمومية بسقوط الدستور وبدعوتهم للمواطنين بالتصويت بلا على الدستور لعدم الاستجابة لرغباتهم أصبحوا صالحين لهذا الإشراف. واستشهد المستشار فوزي بقول الله تعالى في مُحكم آياته في سورة التوبة:"ومنهم من يلمزك في الصدقات، فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون، ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا إله من فضله ورسوله، إنا إلى الله راغبون"، مشيرا إلى أنه في الآية الكريمة يلوم الله بعض الطوائف على عدم الرضي بما قدّر لهم الله، ويستهجن غضبهم لأنفسهم إذا ما شعروا وقدروا أنهم الأحق ببعض الصدقات دون غيرهم. وشدد المستشار فوزى، على وجوب الاحتكام للعقل والبعد عن المصالح الشخصية، خصوصا أن المطالب الفئوية التى يتم الإلحاح في طلبها في أوقات ضعف الدولة، وسيولة أوضاعها السياسية والاقتصادية، لا يجب أن تصدر عمّن يدعي الدفاع عن المصلحة العامة، وعن مقدرات هذا الشعب. اختتم المسشار فوزى، حديثه قائلا:قد عَرَض كل فريق طوال الفترة الماضية حُجّته، وبيّن أسانيده، فليس أقل في هذا الوقت الحرج من عمر البلاد من أن يرضى بالنتيجة التي قدرها الله، وأن هذا الشعب لن ينسى أبداً من يحاول تعطيل مسيرته بوضع العراقيل في وجه اكتمال خارطة طريقه، لا لمصلحة حقيقية، ولا لحق مُعترف به، إنما لمصلحة فئوية مزعومة لا يُقرها عقل.