اختار الصحابي عمرو بن العاص قرية "أم دنين" كي يتحصن بها قبل دخول القاهرة عند فتح مصر منذ أكثر من 1400 عاما، لكنه لم يكن يتصور أنها ستتحول هي ومسجدها إلى ساحة للاقتتال الداخلي.. وأن مسجد الفتح سيصبح مغلقا أمام الصلاة وملاذا لمخترقي حظر التجول، بعد اشتباكات بالرصاص في محيطه بين مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي ومعارضيه. عندما دخل الفاتحون مصر وقع اختيارهم على هذه القرية (ميدان رمسيس حاليا) بسبب ما كانت تتمتع به تربتها من خصوبة خاصة وأنها كانت أرضا زراعية وأحد روافد النيل كان قريبا منها في هذا الوقت، فتحصنوا بها بعض الوقت قبل أن يتوغلوا في باقي ربوع المحروسة. بعد عشرات السنين ومع اكتساب هذه القرية أهمية بحكم موقعها وخصوبة تربتها قرر الحاكم بأمر الله الفاطمي في عهد الدولة الفاطمية أن يبني مسجدا في هذه البقعة التي تبلغ مساحتها 40 ألف متر وتم تسميته باسم جامع المقسي. ويرجع سبب تسمية مسجد المقسي (مسجد الفتح) بهذا الاسم بسبب وقوعه بالقرب من قصر شهير مطل على ضفاف النيل يسمى قصر المقسي وبعض الروايات الأخرى تقول إنه نسبة إلى بلدة قديمة من قبل الفتح تسمى المقسي موجودة بالقرب من المسجد وسميت على اسمه. وكان الخليفة يولي أهمية كبيرة لهذا المسجد واختص لنفسه في أحد أجزائه مكانا يطل به على أسطوله في أثناء استعراضه وأحاطه بالنخيل من كل مكان ووقف له كثيرا من ممتلكات الدولة من أجل الإنفاق عليه وعلى ما يحتاجه. عندما دخل صلاح الدين الأيوبي البلاد واتخذ قرارا بإحاطة القاهرة بالأسوار جعل نهاية تلك الأسوار بجوار مسجد المقسي (الفتح حاليا) وعليه عهد إلى الأمير بهاء الدين قراقوش ببناء برج كبير في هذا المكان باعتباره الحدود الجديدة للقاهرة.. وفي عهد الوزير شمس الدين عبد الله المقسي تم تجديد المسجد وطلائه. وأما عن سبب التسمية الثانية وهي مسجد العناني ويعود ذلك إلى الشيخ سيدي محمد بن عنان أحد أولياء الله الصالحين في عهد السلطان المملوكي طومان باي، حيث كان العناني يقيم على سطح هذا المسجد ولا يبرحه إلا لصلاة الجماعة وكان معروفا بين الناس بكراماته وعندما توفي تم دفنه في هذا المسجد، وله ضريح بداخله ما زال قائما إلى الآن ولكن لا يعرف عنه كثيرون. وبعد دخول الحملة الفرنسية لمصر تم هدم عدد كبير من المساجد ومن بينها مسجد العناني ولكنه احتفظ بالضريح قائما، وأقام الفرنسيون بجوار المسجد المتداعي طابية حربية سميت "كامان" على اسم أحد كبار الضباط الفرنسيين في هذه الحملة. أصدر الرئيس المخلوع حسني مبارك قراره بإعادة ترميم وبناء المسجد مرة أخرى وتسميته باسم مسجد الفتح وأسند هذا المشروع إلى شركة المقاولون العرب لتنفيذه وانتهت منه بالفعل بعد ما لا يقل عن عشرة سنوات من العمل فيه. منذ قرون كان مسجد المقسي أو العناني أو الفتح حصنا للمسلمين ضد الغزاة واليوم يتحصن به الإخوان المسلمون أيضا ولكن لأسباب أخرى بالتأكيد مختلفة عن تلك التي كانت قائمة قبل 1400 عام. وكان محيط ميدان رمسيس قد شهد اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة والجيش من جانب وأنصار الرئيس المعزول من الجانب الأخر وشوهد أسلحة مع أنصار الرئيس، فيما تم حرق مبنى الهلال الأحمر قبل أن يتحصن المتظاهرون بمسجد الفتح وتحاصرهم القوات حتى عصر اليوم.