بات الاستقطاب السياسي ورفض الاختلاف سمة حاكمة للمشهد السياسي، والقضية هي تخوين هذا الاختلاف وشخوصه، مهما كانت قيمتها قبل هذا الاختلاف. الموقف السياسي من استقالة الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية، كان كاشفًا عن ذلك. فالرجل الذي كان أيقونة الثورية المصرية، فجأة أصبح متخاذلا وخائنا لتلك الثورة، وأعطي بذلك صورة خاطئة للغرب بأن ما حدث في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة كان خطأ سياسيا. إلا أن هناك قوة ثورية احترمت فيه هذا الموقف السياسي، معتبرة الرجل شخصية وطنية لا يمكن اتهامها بالخيانة، وأن استقالته أتت لرفضه مبدأ العنف السياسي والحلول الأمنية في معالجة القضايا السياسية. وحو ما يعكس تباينا في مواقف تلك القوى من البرادعي كجزء أصغر من تباين أكبر من المشهد السياسي العام. فمن جانبها، اعتبرت مي وهبه عضو اللجنة المركزية لحركة تمرد، استقالة البرادعي في هذه اللحظات التاريخية بمثابة هروب من المسئولية، وغير مبررة بالمرة، في هذا التوقيت السياسي الصعب الذي تمر به مصر، بهذا العمل غير المسئول حسب توصيفها تخلى عن الوطن، ونحن ما دعونا الرئيس عدلي منصور أن يكون البرادعى نائبًا له، وكان يجب أن يتحمل المسئولية الذي وضعها فيه الثوار والشعب المصري. وأضافت مي وهبه، أن البرادعى كان الأولى له من بدلاً من تقديم استقالته، أن يقوم بشرح ما حدث خارجيًا أننا كنا نواجه اعتصام إرهابي مسلح على أرض الوطن، يهدد أبنائه والأمن القومي، أنه كان لآبد من التعامل بحسم مع تلك البؤر الإرهابية، وكان لآبد أن يشرح للغرب أن ما يحدث بمصر ليس انقلابًا عسكرياً ولكنه إرادة شعبية لرفض الإرهاب. وقالت وهبه أيضًا: أننا لا نطالب الدكتور البرادعى بالعدول عن استقالته فمن يريد أن يقف بجانب الوطن في محنته يدلل على وطنيته الحقيقية، ومن يريد أن يرحل فيرحل، وتسقط الأقنعة عن كل من يريد أن يجر هذا الوطن إلى نفق مظلم. أيد هذا الموقف اتحاد شباب الثورة، وقال متحدثها الإعلامي هيثم الخطيب: أن يخرج علينا البرادعى باستقالته في الوقت الذي تتحالف فيه كافه القوى الوطنية لإعلاء مصالحة الوطن فهذا بمثابة استغناء عن الوطن، ورفض الوقوف بجانب القوى الثورية التي أمنت به، موضحًا أن موقفه لن يضعف موقف تلك القوى، إلا أنه أعطى بذلك مبررًا لإخوان الإرهابيين لمزيد من العنف حسب توصيفه. وأضاف الخطيب: أنا أعرف البرادعى على المستوى الشخصي فهو لا يستمع إلى أحد، وأن ما قاله أمس بكونه لم يستشر قبل فض الاعتصام، ومن ثم قدم استقالته، لم يشاور فيها أحد سواء داخل حزب الدستور أو قادة جبهة الإنقاذ، أو حتى شباب الجبهة، كاشف عن تلك الحالة النرجسية أنه لا يسمع إلا صوت نفسه، ويريد أن يكون سيد قرار. وأعتقد حسب توصيف الخطيب أنه فوجئ بأمر فض الاعتصام فقرر تقديم استقالته. ونفى الخطيب ما تردد من أن استقالته كانت لرغبته في الإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسى. وقال أن شباب الثورة لا تطالب البرادعي بالعدول عن استقالته، فنحن نرفض وجود أيدي مرتعشة في الرئاسة ولا نقبل بسياسة الأرض المحروقة أبدًا. وأتفق معه محمد عطية عضو المكتب السياسي لتكتل القوى الثورية بقوله: مع احترمنا وتقديرنا للدكتور البرادعى، ولكن أرى أن تقديم استقالته في ظل الموقف العصيب الذي تمر به البلاد ليست وطنية منه، مهما كانت رؤيته السياسية التي لا تقبلها القوى الثورية، أو الشعب الذي لن ينسى له موقفه هذا بالاستغناء عن الوطن وإنهاء الإرهاب على أرض مصر. ووجهه رسالة إلى البرادعى قائلاً: إن إرادة الشعب المصري أقوى من البرادعي ورؤيته السياسية ومحاولته أن يدخل البلاد إلى نفق مظلم ومحاوله التدخل الأمريكي. وأضاف أنه من المعروف عن البرادعى أنه شخصيه غير متحملة للمسئولية، والدليل على ذلك أنه عندما تولى منصب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية فشل في إقناع الغرب، أن ما حدث في مصر ليس انقلابًا عسكرياً وأنها إرادة الشعب المصري. وفيما قال أحمد السكري عضو المكتب السياسي لحزب الغد وعضو تكتل القوى الثورية البرادعى إذا كان البرادعى حريصًا على الوطن، كان لآبد أن يحترم إرادة الشعب لا أن يقفز عليها. كما قال عصام الشريف المتحدث باسم الجبهة الحرة للتغير السلمي إن موقف البرادعى بمثابة هروب من المسئولية الوطنية بالوقت الذي يخوض فيه الوطن حربًا على الإرهاب. واعتبر تكتل القوى الثورية الوطنية، الاستقالة بمثابة خذلان للجميع بهذه المرحلة. وقالت عبير سليمان، أمين تنظيم التكتل، إن ممثلي المكتب السياسي للتكتل رأوا أن تلك الاستقالة إعلاء للمصلحة الخاصة دون الالتفات للمصلحة العليا للوطن، وأن التوقيت يعتبر نوعًا من التخلي عن إدارة المشهد أو المشاركة فيه بتطوير وتحسين وتدارك ينجى مصر من أزمة دفعت لها البلاد من جانب جماعة الإخوان المسلمين غير المسئولة التي تستثمر أي حالة عبث مختلق ومتنام لتصدير تلك الأزمة خارجيًا لخدمة موقفهم. إلا أن هناك قوى ثورية تفهت موقف الرجل، ورفضه محاولات تخوين الرجل لموقف الأخير. ومن هؤلاء محمود عفيفي عضو جبهة 30 يونيه الذي قال: أننا نتفهم جيدًا موقف البرادعى فهو شخصية تكره العنف، وكان يتمنى أن تحل الأمور بالمصالحة الوطنية والحل السياسي. وأضاف ولكن يؤخذ على البرادعى أنه لم يتشاور مع شباب الثورة، وفضل الاستقالة بعد صمته بفض الاعتصام في رابعة والنهضة. ونفى عفيفي ما يتردد من التشكيك في وطنية البرادعى، واتهامه بالخيانة مشيرًا، أنه أخطا بتسرعه في تقدم استقالته، وهذا لا يعنى تشويه صورة الرجل أو تخوينه. وأيده بهذا الموقف خالد المصري، مدير المكتب الإعلامي لحركة شباب 6 أبريل الذي قال: أن الحركة تتفهم جيدًا قرار الدكتور محمد البرادعي بالاستقالة من منصبه بمؤسسة الرئاسة. فهو له انحيازات إنسانية وحسابات للحريات والعدالة تتعارض مع إسالة الدماء، بخاصة أن يتم ذلك وهو مشارك في الحكم.