حصلت "بوابة الأهرام" على نسخة من إستراتيجية تنمية وإدارة الموارد المائية حتى عام 2050، التى أقرها مجلس الوزراء وقام بعرضها على الرئيس حسنى مبارك أخيرا، تمهيدًا لإقرارها فى صورتها النهائية، و تحمل ثلاثة سيناريوهات (حرج، متوازن، متفاءل) للتعامل مع مختلف الأوضاع المائية مستقبلًا. ترصد الاستراتيجية خطة وزارة الرى فى إدارة موارد مصر المائية سواء نهر النيل، أو الامطار، أو السيول، والمعوقات التى قد تعرقل مستقبل مصر المائى خصوصًا الزيادة السكانية، التى تؤثر سلبًا على تنمية موارد الدولة من المياه، لكن "الرى" حددت مخططات متنوعة لأى سياريوهات حرجة فى هذا الشأن. الاستراتيجية تم إعدادها بخبرة مصرية كاملة، كما يقول الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والرى، وتستهدف تنمية موارد مصر المائية حتى 40 سنة مقبلة، خصوصًا وأن نصيب الفرد من المياه 700 متر مكعب سنويًا، ومن المتوقع انخفاضها إلى أقل من 350 مترًا مكعبًا سنويًا بحلول عام 2050 . ووضعت وزارة الرى فى الاستراتيجية سيناريوهات ثلاثة، تشتمل تصورات مختلفة للأوضاع والمتغيرات المستقبلية، لكن السيناريوهات، ليست بدائل للحلول بقدر ما تمثله من تنبؤات بمدى حساسة الوضع المائي عام 2050. السيناريو الأول "الحرج"، افترضته الاستراتيجية أن يحدث فى حال استمرار المعدلات الحالية للزيادة السكانية، مما يعمل على إبطاء معدلات التنمية، وسيحدث ذلك السيناريو، عند عدم تنفيذ أى مشروعات استقطاب فواقد فى أعالى النيل، والتوسع فى استغلال المخزون الجوفى العميق، تحقيق تحسن بطئ فى تعميم الطرق الحديثة فى رى الحدائق بالوادى والدلتا فى ظل النمو البطئ للاقتصاد، وتحقيق نجاح نسبى فى تقليل معدل الاستهلاك الفعلى للفدان من المياه، واستمرار تلوث المجارى المائية، والمشاركة المحدودة للقطاع الخاص فى إدارة مياه الرى، وصعوبة جذب الاستثمارات المحلية والاجنبية، لضعف النمو الاقتصادى. السيناريو الثانى "المتوازن"، ويفترض فى هذا السيناريو أن يكون مستوى تطبيق السياسات المقترحة لتنمية الموارد المائية متوسطًا، بينما يظهر السيناريو الثالث بنظرة متفائلة، ويعتمد التفاؤل هنا على أن يكون مستوى تطبيق السياسات المقترحة مرتفعًا، وذلك من خلال نقاط مهمة، منها نجاح مصر والسودان فى استكمال المرحلتين الأولى والثانية من مشروع قناة جونجلى، مما يزيد حصة مصر بحوالى 4 مليارات متر مكعب سنويًا، والتوسع فى حصاد مياه الأمطار والسيول لتزداد الى حوالى 1.50 مليار متر مكعب فى العام، غلى جانب التوسع فى تحلية مياه البحر والمياه الجوفية، والتوسع فى الصناعات التى تعتمد على المنتجات الزراعية التى لا تستهلك كميات كبيرة من المياه. حسب تحليل كل سيناريو، اتضح زيادة العجز المائى من 19 مليار متر مكعب حاليًا، إلى ما يزيد عن 23 مليار متر مكعب فى السيناريو الحرج، وانخفاض العجز إلى 17.20 مليار متر مكعب للسيناريو المتفائل، لكن التلوث يبقى أهم المخاطر التى تواجه المستقبل المائى فى مصر، حاضرًا ومستقبلًا. العجز فى الموارد المائية، حسب الوضع الحرج، سيتسبب فى عدم حدوث أى توسعات زراعية، مما يعنى عدم القدرة على توفير الاحتياجات المائية لاستكمال المشروعات التى يجرى تنفيذها حاليًا، مثل مشروع تنمية جنوب الوادى بتوشكى، ومشروع ترعة السلام. السيناريو المتوازن، فيؤكد أن المخاطر التى قد تحدث، لن تسمح بمساحة زراعية أكثر من 9 ملايين فدان، والسيناريو المتفائل، يشير ألى أن الموارد المائية لن تكفى لاكثر من 10 ملايين فدان. السيناريو الثالث "المتفائل"، وتحقيقه ليس بالمعجزة، لكنه يتطلب زيادة دور البحث العلمى بمفهومه الشامل فى المساهمة لإيجاد حلول علمية وممكنة للمشاكل التى تعوق تحقيق الإدارة الرشيدة للموارد المائية فى مصر، والتنسيق بين روابط مستخدمى المياه والجمعيات التعاونية الزراعية، واتخاذ التدابير الملائمة من الآن لمواجهة الزيادة السكانية المتسارعة والتى يصاحبها زيادة فى الطلب على المياه، بحيث لا تصبح الموارد المائية عبئًا مقيدًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فى مصر. يتطلب ما سبق - وفقا للإستراتيجية وكلام د.علام - التعاون مع دول حوض النيل لإقامة مشروعات استقطاب الفواقد، لزيادة موارد مصر مائيًا، إلى جانب تحلية مياه البحر والمياه الجوفية المسوس، لتكون أحد الدعائم الرئيسية المستقبلية للأمن المائى، وترشيد الاستخدامات المائية فى جميع القطاعات، وإعادة تأهيل البنية القومية للنظومة المائية، لتقليل الفواقد، ويستدعى كل ذلك، مكافحة تلوث المجارى المائية، الذى يعد أمرًا حتمياً للحد من تدهور المياه فى مصر. سيناريوهات المستقبل، جاءت مصحوبة بمحاورستة رئيسية، قامت على أساسهم الإستراتيجية، ويندرج تحت المحاور مجموعة من السياسات المقترحة فى الفترة المقبلة، ويدور المحور الأول حول تنمية الموارد المائية، من خلال مشروعات كبرى لاستقطاب الفواقد وزيادة إيراد مصر من نهر النيل، والتوسع فى استغلال المياه الجوفية الضحلة فى الوادى والدلتا، إضافة الى التوسع فى ااستكشاف خزانات مياه جوفيه، والاهتمام بحصاد مياه الأمطار والسيول فى أودية الصحراء الشرقية وسيناء، والتوسع فى إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى، إلى جانب التوسع فى إنشاء محطات تحلية لمياه البحر والمياه الجوفية. المحور الثانى، يعمل علي ترشيد الاستخدامات المائية, من خلال التنسيق مع وزارة الزراعة, للحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه، وتطبيق نظم الرى الحديثة فى كل الأراضى الجديدة، وتطوير رى الحدائق والتوسع فى مشاريع تطوير الرى السطحى فى أراضى الوادى والدلتا، والتنسيق مع وزارة الإسكان لرفع كفاءة شبكات توزيع مياه الشرب، وزيادة الرسوم على الإسراف المائي . ومع زيادة حالات التلوث المائى، خاصة فى نهر النيل، خصصت استراتيجية وزارى الرى، محوراً خاصاً لمكافحة تلوث الموارد المائية, من خلال التنسيق مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي لترشيد استخدام الأسمدة والمبيدات، وتفعيل العقوبات علي المصانع التي تلوث المجاري المائية، والتوسع في مشروعات تغطية الترع والمصارف التي تتخلل الكتل السكانية بالقري والمدن، والاستمرار في إزالة الأقفاص السمكية من النيل وفرعيه، ووضع ضوابط إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في الزراعة، طبقا للكود المصري، ودعم جهود التوسع في إنشاء مدافن صحية للمخلفات والنفايات الطبية. المحور الرابع فى استراتيجية "علام" يدور حول استكمال وإعادة تأهيل البنية الأساسية للمنظومة المائية, من خلال إعداد وتنفيذ خطة متكاملة لكل محافظة, لإعادة تأهيل شبكتي الري والمصارف، والتوسع في إنشاء شبكات الصرف المغطاة, وإحلال وتجديد الشبكات القائمة، واستكمال البنية القومية لمشروع غرب الدلتا بمشاركة القطاع الخاص واستكمال البينة القومية لمشروعي تنمية جنوبالوادي "توشكي" وترعة السلام. وفيما اعتبر خبراء أن إدارة المياه فى مصر تحتاج إلى تطوير يتناسب مع حاجات مصر من المياه فى الفترة المقبلة، ركز المحور الخامس علي هذه النقطة بتطوير منظومة الإدارة المائية, من خلال تطوير النظام المؤسسي للتشريعات المائية، والتوسع في برامج تنمية الموارد البشرية, ورفع كفاءة الأداء، وتفعيل مشاركة المنتفعين, من خلال توفير البيئة المواتية والدعم السياسي، وقيام المستثمرين بتحمل تكاليف البنية الأساسية لإمدادت المياه للمشاريع الاستثمارية . وارتكزت الاستراتيجية فى محورها السادس والأخيرعلى التكيف مع التغيرات المناخية, من خلال متابعة البحوث العلمية لتطوير النماذج الرياضية, الخاصة بتأثير المتغيرات المناخية، ونشر الوعي بقضايا التغيرات المناخية, والحاجة إلي ترشيد استهلاك المياه، وتنفيذ أعمال الحماية للمناطق الساحلية المعرضة لخطر الغمر المائي، والمحافظة علي نظم الحماية الطبيعية, مثل الكثبان الرملية لحماية المناطق الساحلية, والتنسيق مع وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي لاستنباط سلالات زراعية جديدة تتحمل الحرارة والملوحة والجفاف. لكن، ورغم كل ما يدور من صراع إفريقى على مياه، والبعض يتكهن بحدوث مشكلات مائية فى دول عدة، يبقى الأمل يراود الجميع، في أن يكون السيناريو المتفائل هو القائم من الآن وحتى عام 2050، لكن، الواقع يؤكد أن ذلك لن يحدث، إلا إذا أخذ الجميع عهدًا على أنفسهم بأن تسير الإستراتيجية على طرق واحد.. طريق التنفيذ الدقيق.