«بوكو حرام» ذات فكر منغلق وصعب أن تسمع الآخر.. ونسعى لحل الخلافات بالحوار وليس بالدم وضعنا نموذجا يحتذى به فى إرساء قواعد التعايش السلمى بشهادة كثير من دول العالم الأزهر له تقديس خاص فى المجتمع التشادى منذ القدم ولنا فيه ركيزة ورواق كامل التحديات التى تواجه الإسلام كثيرة وأصعبها عندما يتعلق الأمر بفهم أبنائه له فهمًا صحيحًا أحد أكبر علماء الدين فى قارة إفريقيا، ومن أوائل علماء القارة الذين يتسمون بجهودهم الوسطية فى تعزيز السلام فى القارة، كرمه الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية عام 2019، ومنحه وسام الدولة للعلوم والفنون خلال احتفالية المولد النبوى الشريف. إنه الدكتور محمد خاطر عيسى، رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بدولة تشاد، الذى يشغل أكبر منصب دينى فى تشاد. حاورناه فى القاهرة، على هامش زيارته لمصر أثناء حضوره مؤتمر «حوار الأديان والثقافات»، وطرحنا عليه العديد من التساؤلات وناقشنا معه أهم التحديات التى تواجه دولة تشاد بشأن مواجهة الجماعات الإرهابية، ومسألة الفهم الصحيح للإسلام، وأهمية الحوار وحماية الشباب من الفكر المتطرف. • إلى أى مدى يؤثر الحوار فى القضاء على العنف والتطرف فى ظل وجود عدد من الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام وغيرها؟ هذا السؤال مهم جدا، فقد تزايد فى هذا الزمن ظهور الجماعات الإرهابية التى نشأت بمسميات ووجوه متعددة، والعملة واحدة، فكلها تنطلق من بوتقة ورحم واحد، وتعيث فى الأرض فسادا، ونحن بحمد الله فى تشاد عندنا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وهو مجلس قوى وكبير يقف أمام هؤلاء بالحوار والإقناع، وإن كانت هذه الجماعات لا تهتم ولا تعبأ بهذا الأمر. أنشأنا هذا المجلس وفى إطاره تم إنشاء هيئات داخلية، كل هيئة تقوم بواجبها تجاه المجتمع فضلا عن وجود اتحاد لأئمة المساجد. ولا ننسى دور المرأة فى المجلس، عندنا ثلاث هيئات تترأسها ثلاث سيدات، وكلهن يمارسن واجباتهن فى صيانة الأسرة وتوعية النشء، وأنشأنا أعظم شىء وهو منبر الأديان الذى يلتقى فيه مسيحيون ومسلمون، والمسيحيون عندنا لهم مذاهب، فنحن أبناء وطن واحد. • هل لغة الحوار كافية للتعامل مع هذه الجماعة خصوصًا أنها تنتهج فكرًا لا يمت للدين بصلة؟ هذه الجماعة لها فكر منغلق، وبالتالى صعب أن تسمع من الآخر، ونسعى لوضع آلية للتفاهم ودعوة الآخرين للحوار لحل الخلافات وليس بالدم وكتم حق الآخر. • تم تكريمك أخيرًا من الرئيس السيسس وقلت «إنه أنقذ الأمة من براثن التطرف»، كيف تثمن جهوده فى القضاء على الجماعات الإرهابية وتطهير سيناء منهم؟ هذا مجهود كبير ورائع يحسب للرئيس السيسى والجيش المصرى، وما بذله أبناء مصر - حكومة وشعبا - له أثر كبير، فقد جنب الأمة الكثير من المخاطر التى كانت تحيط بها من كل صوب وحدب. فلو استطاعت هذه الجماعة الظلامية أن تسيطر على الأمور فى مصر، فهذا معناها أن المنطقة جميعها كانت ستقع فى دوامة كبيرة، ونحن نثمن تجربة الرئيس السيسي فى القضاء على الإرهاب، التى جنبت المنطقة الكثير من المخاطر. أما الملتقيات العلمية والدينية، فهى التى تضع المنهجية التى نستطيع أن نسير عليها كما حدث فى ملتقى الأديان والثقافات الذى نظمته وزارة الأوقاف المصرية برعاية كريمة من رئيس جمهورية مصر العربية. • ما أهم التحديات المعاصرة فى دولة تشاد؟ التحديات تواجه الإسلام كثيرة سواء من أبنائه أم أعدائه، وأصعب شىء أن يكون التحدى من أبنائه، ويتمثل هذا التحدى فى مسألة الفهم الصحيح للإسلام والتوجه الصحيح وفهم النصوص والتنوير الصحيح للمجتمع، هناك شباب حائر لا يعرف إلى أين يتجه، وهناك نساء سيطر عليهن الجهل، وهما فئتان تمثلان جزءا كبيرا من المجتمع، لذلك لابد أن نعلمهم العلم الصحيح. • وماذا عن جهود مجلسكم تجاه الشباب؟ هناك جهود كبيرة تقدم للشباب من خلال المجلس، منها تأسيس جمعيات شبابية تجمع نفسها وتوحد كلمتها، وعندنا جمعيات مدنية وهناك جمعية الأصالة، والتى تهتم بأصالة المجتمع وثوابته التى كان عليها. وهناك جمعية الأبرار، وهى معنية بالناحية الأمنية ونعمل لأفرادها دورات تدريبية، وتتكون من شباب يصل عددهم إلى الآلاف هى جمعية الشباب الصوفي، وهذا المنهج السليم الذى ينبغى أن يكون عليه، بالإضافة إلى ذلك أنشأنا خلايا قرآنية، وكذلك المدارس وحلقات العلم وأنشأنا إذاعة القرآن الكريم، ولدينا ركن فى التلفزيون الوطنى والإذاعة الوطنية. ومثل هذه المنابر تقوم بالتوعية والتثقيف للشباب رغم أن هناك مؤثرات كبيرة مثل وسائل التواصل الاجتماعى، لكننا استطعنا أن نتغلب على كثير من هذه الصعاب. • ماذا عن مشروع التعايش السلمى وبيت العائلة الذى أنشأتموهم أخيرا؟ قطعنا فيه شوطا طويلا جدا، واستطعنا من خلاله أن نرسى قواعد التعايش السلمى بيننا وبين المسيحيين، واستطعنا أن نثبت هذه الحالة، فى الزيارات المتبادلة نتشارك مع الإخوة المسيحيين، حتى فى اجتماعاتنا الرسمية والمناسبات فيما بيننا، من ضمنها زيارة الكنائس والمساجد، والحقيقة هناك كثير من الدول زارتنا منها أمريكا وفرنسا والسفارات كلها شهدت لنا، بأننا وضعنا نموذجا ينبغى أن يحتذى فى التعايش السلمى. أما بالنسبة لبيت العائلة، فعندنا عاداتنا فى داخل الأسرة التشادية نحن أسر ممتدة ولدينا ارتباط بالأسرة. • ما الجهود التى اتخذتها تشاد تجاه تجديد الخطاب الدينى؟ وضعنا خطة لهذا الأمر، ودعونا له منذ وقت طويل، وقطعنا شوطا كبيرا فيه، فمنذ زمن نتعاون مع الأزهر فى تدريب الأئمة والدعاة وتثقيف الشباب، والآن عندنا مجموعة كبيرة من العلماء وكذلك الطلبة الذين ندفع بهم إلى الأزهر الشريف للدراسة والتدريب. • وماذا عن دور معهد السلام الأزهرى لديكم؟ ليس معهدا واحدا بل لدينا 3 معاهد كبرى تضم أكثر من 3 آلاف طالب، والأزهر له تقديس خاص بالنسبة للمجتمع التشادى، علاقة المجتمع التشادى بالأزهر منذ القدم، ولنا ركيزة ورواق كامل فيه، المعاهد الأزهرية ثلاثة، وهى تؤدى دورها كاملا مكتملا، والآن تخرجت فيها أعداد كبيرة جدا، نحو 400 طالب من المعهد كل عام. • لك جهود ملموسة بشأن الدعوة فى القارة الإفريقية بما تنصح شباب الدعاة؟ أريد منهم أن يرجعوا لسيرة الرسول، ويعرفوا منطلقات الدعوة ويتسلحوا بسلاح العلم والمعرفة، والآن اختلط الحابل بالنابل وهناك دعاة مدعون، كل واحد يدعو لمذهبه، وعليه فالشباب الآن بين مفترق الطرق ينبغى عليه أن يتسلح بسلاح العلم ويعرف الحق الصحيح، وأن يبتعد عن الفكر المتطرف. • من تصريحاتك أن "الصحابة تعرضوا لبناء الشخصية الدينية وليس الشخصية الوطنية"، ماذا تقصد؟ الشخصية الدينية والوطنية، الإسلام دين ومنهج حياة، والإنسان إذا عرف الدين الصحيح لن يجد فرقا بين الدين والدنيا، ولن يجد فرقا بين الدين والدولة . الدين المحافظة، وكون الإنسان يسعى للمحافظة على الكليات الست، وهذا هو المطلوب، والسياسة رعاية شئون الأمة، وتقسيم الدين والدولة تقسيم غير صحيح، ما دعا إليه الصحابة "الوطنية" التى تتمثل فى الدين، فالرسول عندنا أخرجوه من مكة قال:"أخرجونى من أحب البلاد إلىّ فأسكنى أحب البلاد إليك"، لذلك الصحابة يدعون إلى التمسك بالدين والمجتمع. • ما دوركم فى تفعيل وثيقة الأخوة الإنسانية؟ هذه الوثيقة عملنا فيها مؤتمرات وملتقيات وشاركنا فيها، وكذلك وثيقة "مكة" نحن بحمد الله لدينا مشاركات فى هذا الأمر، ونقدم الكثير والكثير.