برلماني: الدولة تسعى لتحسين التجربة السياحية وترسيخ مكانتها بالخريطة العالمية    إزالة 17 حالة تعد جديدة على نهر النيل بدمياط    «إجيماك» تتفاوض مع بنوك محلية للحصول على قرض بقيمة 700 مليون جنيه    واشنطن «غير أكيدة» من وضع قوات كييف...رئيسة ليتوانيا: هذه هي مساعدات أمريكا الأخيرة    غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة بجنوب لبنان    مدرب يد الزمالك يعقد جلسة فنية مع اللاعبين قبل لقاء الترجي    حملات تموينية على الأسواق في الإسكندرية    مفاجأة إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز ضيفة «صاحبة السعادة» في شم النسيم    الطلاق 3 مرات وليس 11..ميار الببلاوي ترد على اتهامات شيخ أزهري    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    ختام امتحانات النقل للمرحلتين الابتدائية والإعدادية بمنطقة الإسماعيلية الأزهرية (صور)    غدا انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة بالتجمع    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    مجرم في كهرباء الجيزة!    السر وراء احتفال شم النسيم في مصر عام 2024: اعرف الآن    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب النسخة العاشرة    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    أمن أسيوط يفرض كرودا أمنيا بقرية منشأة خشبة بالقوصية لضبط متهم قتل 4 أشخاص    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    بايدن: لن أرتاح حتى تعيد حماس الرهائن لعائلاتهم    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    الصين: مبيعات الأسلحة من بعض الدول لتايوان تتناقض مع دعواتها للسلام والاستقرار    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مات مبتسما لأنه كان متصالحا مع ذاته.. نهى يحيى حقى: أبى علمنى ثقافة الاعتذار


كان يحكى همومه وأوجاعه بطريقة فكاهية
الفول ولحمة الراس والخبيزة والملوخية أكلاته المفضلة
"كان يحكى همومه وأوجاعه بطريقة فكاهية، تجعلنى أضحك، لأنه كان يتمتع بملكة السرد وروح الدعابة" هكذا تحدثت الكاتبة "نهى يحيى حقى" عن والدها متعدد المواهب رائد القصة القصيرة، والإنسان النادر فى كل الأزمان الصعبة.
وبصوت خافت، وكلمات يملأها الحزن الممزوج بالفخر، سردت لنا جوانب إنسانية عظيمة فى حياة يحيى حقي، ربما لا يعرفها الكثيرون، فتحت نهى يحيى حقى صندوق الذكريات المليء بكل ما هو نفيس لدى مبدع كبير، فقد كان بالنسبة لها الأب الحنون الذى فتح لها أبواب عوالم مختلفة. كان دائما يغرس فيها حب الآخر، وكيفية جبر الخاطر، ويعلمها كيف تطبطب بالكلمات على من حولها، كان يرى الموسيقى تسمو بالنفس البشرية، فكتب كتابه "تعالى مع إلى الكونسير".
كان يحيى حقى يتعامل مع الأنماط الاجتماعية المختلفة، لذلك أحبه الجميع، وقد قالت زوجته الفرنسية إنه: "مات مبتسما لأنه كان متصالح مع ذاته".
كيف كانت علاقاتك بوالدك؟
بكلمات ملؤها الحزن قالت: القدر لعب دورا غريبا معى منذ نعومة أظفارى، ماتت أمى وعمرى ستة أشهر، وكان وقتها والدى يعمل فى القنصلية المصرية بفرنسا بحكم عمله كدبلوماسى وقتها، وتولت أمر تربيتى جدتى لأمى لسنوات حتى تزوجت، طبعا أول مرة التقيت فيها بوالدى كان عندى ثلاث سنوات وشعرت وقتها بشيء من الخوف والريبة، لكنه بطريقته الطيبة استطاع أن يحتوينى، وعندما بلغت سن السابعة، كنت قد تعودت عليه.
كان يهبط لمستوى سنى ليتعرف إلى طريقة وشكل تفكيرى فى التعامل مع الأشياء من حولى، بدأ يصطحبنى إلى عالمه، فكان يحرص على أن أزور حديقة الحيوان والسيرك، وأتعرف إلى هذا العالم، وضرورة الرفق بالحيوان.
كان يعلمنى قيمة الاستماع، لذلك أحضر لى راديو خاصا بى، فى وقت لم يكن أحد لديه راديو خاص به، باستثناء الراديو العجوز الموجود فى بيت جدتى، وكان يراقب جيدا ما كنت أسمعه، كما كان يحرص على دخولى عالم القراءة والكتابة، بدأ يشترى لى فى سن مبكرة من عمرى مجلات السندباد والقصص القصيرة.
هل قرأت قصصا لوالدك فى صغرك؟
للأسف لم أقرأ لوالدى فى صغري، وقتها كانت كتبه صعبة بالنسبة لي، لكنه كان يشترى لى كتبا باللغة الفرنسية، لأننى كنت أدرس بها، ومن أهم الكتب التى أتى بها لى كتاب "مذكرات حمار" كما قرأت "مذكرات دجاجة" لإسحاق الحسينى، كل هذه الكتب دفعتنى أكثر للقراءة، كما جعلنى والدى أهتم بكل شيء من حولي، ليس الإنسان فقط، بل عالم النباتات أيضا.
التأمل والاستماع من أهم العناصر التى كانت تميز عالم يحيى حقي، فما مدى حرصه على أن تهتمى بهذه الأشياء فى حياتك؟
والدى كان يحب التأمل، ولديه ملكة الوصف بشكل غير عادى وكان يفضل الاستماع لكل من حوله، لدرجة أنه كان يعطى إحساسا لكل واحد بأنه أهم شخص عنده، ذات مرة كنت أسير معه فوجدته يقف مرة واحدة، ليستمع إلى صوت البلبل ويتأمله، وكذلك صوت العصافير، كان يهتم بالحيوان وينادى بالرفق به.
سافرت معه إلى فرنسا وهناك اصطحبنى إلى متحف الإنسان، وكان بجانب برج إيفيل، هذا المتحف من يدخله يخرج منه عالما، لأنه كان يشاهد الحضارة وقصة الإنسان، وكيف تدرج عبر العصور فى شكله وهيئته عبر العصور المختلفة، أيضا أدخلنى متحف الشمع، واستمتعت به جدا، لأنى كنت أرى الشخصيات التى درستها أمامي، وكذلك دخلت متحف اللوفر وحكى لى تفاصيل كل لوحه به، كان يقف أمام اللوحات الشرقية كثيرا.
لماذا كان يحيى حقى مهتما بدرجة كبيرة بمسرح الطفل؟
والدى كان مهتما بدرجة كبيرة بعالم الأطفال، كان يحبهم بشكل كبير، وكان يحنو على أطفال العائلة والجيران وكل أطفال الحي، ويسعى دائما لعمل شيء يسعدهم ويدخل البهجة فى نفوسهم، وكان يفضل الطفل الذى لديه خيال واسع، يستمع له جيدا ليتعرف على عالمه، لذلك حرص على إرسال بعثة إلى خارج مصر لتعلم فن العرائس "الماريونيت" صراحة كنت محظوظة لوجودى فى عالمه.
من أقرب لك يحيى حقى المبدع أم الدبلوماسي؟
ضحكت قبل أن تقول: يحيى حقى الإنسان، كنت أتأمله جيدا عندما كان يقص على همومه، ورغم كم الوجع فيها، كان يحكيها بطريقة تجعلنى أضحك، له كتاب عبارة عن مجموعة مقالات مجمعة، من بينها مقال كان يرثى فيه والدتى السيدة نبيلة، ويصف لحظات موتها، ودموعه التى انهمرت لجلال وعظمة هذه اللحظة، وكتب قائلا: "إن للموت رائحة".
كان يقول: تربيت فى منزل ليست فيه عقدة الخواجة.. ما تعليقك؟
والدى كان مهذبا فى حديثه، لم أسمعه يوما ينطق بكلمة خارجة عن اللائق، ولم ألمس عنفا يوما فى حديثه، أو تعامله معى، كان يعلمنى دائما أن أطبطب بالكلمات على من حولي.
كان يعشق السيدة زينب، فقد نشأ فى هذا الحى العريق، وأمضى سنوات من عمره هناك، وسط الأنماط الاجتماعية المختلفة، ولأنه كان يحب التأمل والاستماع، فكان يتأمل حياتهم اليومية، ويتابعها عن كثب، ويستمع لكلمات الباعة الجائلين، وحى السيدة زينب كان يقطنه علية القوم وكبار الكتاب وقتها، ومنهم يوسف السباعى وعلى باشا مبارك، لم يكن حيا شعبيا بالمعنى الحرفى الذى نشاهده اليوم.
لبائع العرقسوس حكاية مع يحيى حقي؟
فعلا كان والدى دائما يحب الذهاب إلى السيدة زينب ليشاهد بائع العرقسوس، يمسك بيده الصاجات، وكان يصفه بسولست مصر الأول، كان ينظر إليه باعتباره فنانا، يعزف مقطوعة موسيقية خلال تجواله لبيع مشروبه من العرقسوس، فضلا عن أنه كان يعشق سماع أصوات الباعة الجائلين، وكان يحب الأكلات الشعبية، خصوصا "لحمة الراس" والفول والطعمية والملوخية والرجلة والخبيزة، رغم أن زوجته فرنسية كانت تصنع له أطعمة رائعة من المطبخ الفرنسى، كان يحزن جدا عندما يسمع أحدا يقول له إنه تركى أو يشبهه بالأتراك، كان يقول: "جابوا منين كلمة تركي، أنا مولود فى حى شعبى، ومعجون بمياه مصر لو عصرونى بمعصرة قصب لوجدوا آخر نقطة فى دمى مصريا حتى النخاع".
كان مهتما بمصريته جدا، طبعا سافر إلى بلدان عدة أسهمت بشكل كبير فى تشكيل وجدانه، وجعلته يهتم بعالم الفن، شاهد حضارات متعددة ومتميزة، لكنه لم يذب فيها، لأنه كان يقول إنه جاء من أهم حضارة فى العالم وهى الحضارة الفرعونية والقبطية وعاش فى عصور النهضة، صحيح تذوق من الحضارات المختلفة وتعلم منها لكن مصر بحضارتها سكنته حتى آخر يوم فى حياته.
كان مهتما أيضاً بالفن الكلاسيكى، والفن الشعبى؟
عام 1954 عمل مديرا لمصلحة الفنون كانت نواة لوزارة الثقافة، فقرر أن يقدم عملا فنيا مصريا لكل أفراد الأسرة المصرية، يهدف إلى تعريف المواطن المصرى بأهمية الفن الشعبى، وقتها كان زكريا الحجاوى، يعتبر رائد الفن الشعبى فى مصر، فأسند إليه والدى هذه المهمة، سافر وجاء بموسيقى كل محافظة والرقصات الشعبية التى تميز كل محافظة من محافظات مصر، وعملوا مسرحية كتبها على أحمد باكثير وقدموها على مسرح الأوبرا، وغنت وقتها شهرزاد لأول مرة دون ميكروفون وخرجت الرقصات الشعبية عن جميع محافظات مصر، منها التحطيب، فن الحجالة، بعد ذلك جاءت لهم فرصة للمشاركة فى مهرجان الشباب بموسكو، وكانت راقصة مصر الأولى فى الفن الشعبى وقتها الفنانة "نعيمة عاكف" وكانت معها راقصة بديلة "فريدة فهمى" طبعا ما حدث أن الفنانة نعيمة عاكف مرضت بإنفلونزا شديدة، فرقصت بدلا منها "فريدة فهمى" ونالت إعجاب الجمهور هناك، طبعا كان مدرب الراقصات محمود رضا، ومن هنا بدأ يفكر فى تكوين "فرقة رضا" وبدأت الفرقة تولد، ومن هنا بدأ يظهر شكل جديد للفن الشعبى، أيضا كان يحيى حقى يهتم بالفن الكلاسيكى، وكان يقول: "الموسيقى تطبطب على المشاعر والأحاسيس وتترجم ذلك إلى تصرفات راقية مع الآخرين".
خلال سفرك معه إلى فرنسا كيف كان الناس يتعاملون معه هناك؟
كنت أرى الجميع يحبه ويثنى عليه، ليس المثقفون فقط بل الناس البسيطة أمثال بائعة الورد والجرائد وغيرهم، عندما توفى والدى سافرت إلى فرنسا لأزور زوجته "جان" فى بلدتها التى كانت تبعد عن باريس بمائة كيلومتر، جاء سكان الحى لتقديم واجب العزاء فى والدي، بمن فيهم أصحاب محلات البقالة والباعة هناك، فهو كان يصاحب هذه الفئات ويتبسط فى تعاملاته معهم.
هل يمكن ان يكون يحيى حقى متفهما لما نراه الآن من موسيقا عجيبة؟
أنا متأكدة لو أن والدى كان يعيش فى الزمن الحالي، لم يكن لتعجبه مسلسلات العنف والمهرجانات، لأنه كان يركز ويهتم بمشاعر النفس البشرية ومدى رقيها.
إلى أى مدى كان يحيى حقى يحب نجيب محفوظ ويقدره؟
والدى كان دائما يقول: "أنا سعيد بأننى فى عصر فيه كاتب مثل نجيب محفوظ" لا يجود الزمان بمثله، وكما كان الغرب يتباهى بشكسبير وفيكتور هوجو، والدى كان يتباهى بنجيب محفوظ وبعالمه الروائي.
كيف كنت ترين جلساتهم؟
كانوا يجتمعون دائما فى المقاهي، كنت أشاهد والدى دائما مع توفيق الحكيم ومجموعة من الكتاب فى مقهى "بترو" فى الإسكندرية، كانوا يعيشون العصر الذهبى للأدب والإبداع، كانوا يكملون بعضهم البعض، كنت أعتبرهم بمثابة عقد لؤلؤ، كل حبة تكمل الأخرى ليكتمل العقد، لو قرأت كتابات والدى اليوم تجدينها كتابات معاصرة، وتناقش قضايا كثيرة وخطيرة، جميعهم كان عنده رؤية استشرافية لما هو حادث اليوم، أتذكر عندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل قال: "أهديها للأستاذ يحيى حقى، هو الذى يستحقها" ضحك والدى وقال: "أصله وجدنى أكبر واحد، أنا شيخهم" كان سعيدا بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وكان يقول: "نجيب محفوظ جعل كل كاتب يشعر بأنه حصل على هذه الجائزة" .
ماذا قال لك عندما وجهت له سؤالا عمن يستحق جائزة نوبل بعد نجيب محفوظ؟
قال: جائزة نوبل بعد ذلك ستأتى للعلماء، وكانت هذه النبوءة صحيحة، وفعلا حصل عليها د. أحمد زويل، كان يرى أن نجيب محفوظ رائد من الرواد الذين حصلوا على هذه الجائزة قولا وفعلا وفكرا، "ثلاثية نجيب محفوظ" كانت رائعة وكان يحيى حقى يقول عنها: لا يوجد كاتب عربى يستطيع أن يكتب مثل هذه الثلاثية، فعندما نقرأها نشعر بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
ما أهم المحطات فى عالم يحيى حقي؟
خروجه من القاهرة إلى صعيد مصر، وتحديدا منفلوط، لعب دورا فى تكوين شخصيته، وطبعا السيدة زينب شكلت وجدانه وفكره، بعد ذلك خرج كفرد مستقل بذاته إلى مكان يرى فيه أشياء لم يرها من قبل، كان دائما يقول: "رائحة الأرض لا أحد يشعر بها إلا إذا عاش بجوارها".
لذلك طالب بإدخال التكنولوجيا فى الزراعة؟
والدى كان مهتم بالأرض والفلاح، وإمتلك رؤية استشرافية فى كل المجالات المختلفة مثل الطب والعلم والسياسة، نظرا لكونه خريج مدرسة الحقوق العليا، الحقيقة أنا أنزعج كثيرا عندما أستمع إلى إعلاميين يتحدثون عن السيرة الذاتية ليحيى حقى، وأجدهم يقولون إنه خريج المعهد العالى للحقوق، وقتها لم يكن فيه معهد، بل مدرسة الحقوق العليا، وكان يدخلها علية القوم، للأسف عندنا فجوة بين الجيل الجديد والثقافة.
هل الإعلام مقصر فى حقه؟
لا... الحالة التى عليها البلد حاليا هى السبب، هناك كتاب كبار لا أحد يتذكرهم اليوم، ولدينا شعراء لا تأتى سيرتهم، كأن الشعر انطفأ من مجتمعنا، لذلك أرى أن المسيرة الثقافية والإعلامية تحتاج إلى وقفة.

كيف كان يرى التحولات التى طرأت على الشخصية المصرية؟
كان دائما يقول: إن الإنسان المصرى رغم التحولات التى تمر عليه عنده ذكاء بالفطرة.
كيف كان ينظر إلى المرأة؟
والدته كانت كل حياته ولم أجد أسرة تحب بعضها مثل "عائلة حقى" لم أجد يوما بينهم أى مشاكل من أى نوع، الأب كان يحترم المرأة ويقدرها، جدتى لوالدى درست فى الكتاب وحفظت القرآن وكانت تتذوق الشعر، ولعبت دورا كبيرا فى حياة والدي.
لمن كان يدين بالفضل؟
كان يدين بالفضل لصديقه العلامة "محمود شاكر" وكان أصغر منه، لكنه تعلم منه الكثير فى اللغة العربية.
هل من صديق كان يلجأ إليه وقت الضيق؟
محمود شاكر والسفير عثمان عسل كانا أقرب الأصدقاء إليه، وكان له أصدقاء شباب يحبهم، مثل صلاح معاطى ود.أحمد تيمور.
هل قرأ لك؟
طبعا قرأ لى رواية "اللقاء الثانى" وحضر معى تصوير حلقات المسلسل المأخوذ عنها.
متى قرأت له؟
قرأت له بعد وفاته، وأنا زعلانة جدا، وألوم نفسى كثيرا، لأننى لم أقرأه فى حياته، واكتشفت عالمه الإبداعى بعد رحيله.
هل تتذكرين النصائح التى كان يقدمها لك؟
كان دائما ينصحنى بأن أكون صادقة مع نفسي، كان الرياء مرفوضا فى حياته، وكان يقول تكلمى بمشاعرك، وعلمنى أن ثقافة الاعتذار مطلوبة.
كيف كان يرى مشاكل الأزهر والمثقفين؟
كان يدعو إلى تجديد الخطاب الدينى وتحدث عنه فى كتابه "خليها على الله" وبعض مقالاته.
كيف كان يستقبل النقد؟
كان يستقبل النقد برضا شديد قلت له "فيه كاتب قال إنك لم تكتب سوى قنديل أم هاشم" قال: لابد أن نتقبل النقد برحابة.
ماذا كنت تفعلين خلال اصطحابه لك إلى حى السيدة زينب؟
كنا نذهب لزيارة السيدة زينب ونقرأ الفاتحة ونذهب لأحد المطاعم لنتناول لحمة رأس ومخ وملوخية، فى سنواته الأخيرة وجدته يتخلى عن أكل اللحوم، ويهتم بالأطعمة النباتية.
ماذا عن طقوسه التى كان يمارسها بشكل يومى؟
كان يحب الذهاب إلى نادى هليوبوليس، ويحضر ندوات ويذهب للأوبرا حتى عام 1992، عمل أهم صالون ثقافى فى الأوبرا وكان يقدم فيه جيل الشباب.
كان يحب الليل جدا، ويفضل الكتابة فى الفجر، وقت شقشقة النهار، وكان يقول النهار يدخل تدريجيا، وكانت أغلب حواراته مع الصحفيين فى السابعة صباحا.
كان يتمتع بحس روحانى؟
فعلا لدرجة أن زوجته قالت: مات مبتسما لأنه كان متصالحا مع نفسه.
ما أبرز صفاته؟
كان يميل إلى روح الدعابة والضحك، وملكة السرد كانت موجودة فى كل حواراته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.