عبدالله عبدالسلام في العالم الذي رسمه الروائي البريطاني جورج أورويل بروايته الأشهر «1984»، ينسحق الفرد أمام حكومة خيالية تتحكم في كل حركاته وهمساته. تحسب عليه أنفاسه وأحلامه. هناك تعليمات عليه الالتزام حرفيًا بها. الرواية تصوير مخيف ومقبض لحياة يسيطر عليها الأخ الأكبر. الأدب العظيم يستشرف المستقبل ويتوقعه لكن نبوءة أورويل لم تتحقق بدولة شمولية بل فى وطنه وعلى يدى حكومة منتخبة ديمقراطيًا. كورونا جعل المستحيل واقعا. من يقرأ خريطة طريق حكومة جونسون لعودة الحياة لطبيعتها بنهاية يونيو المقبل، يصاب بالذهول من الإجراءات المتخذة خلال الشهور الماضية لمواجهة الوباء. لقد عاد الناس لترديد أسئلة عن أمور حرموا منها وكانوا يعتقدون أنها من صميم حريتهم بل حياتهم الشخصية، فإذا بالحكومة تمنعها أو تحد منها وتراقب وتعاقب من لا يلتزم بها. متى يمكننى زيارة والدتى بدار المسنين؟ ترد الحكومة: من 8 مارس المقبل، يمكن لأخ واحد (أو أخت) الإمساك بيدى أمه لكن سيتعين عليه إجراء اختبار كورونا وارتداء معدات الوقاية الشخصية. متى أستطيع الذهاب للمقهي؟ ليس قبل 17 مايو. ومتى أستطيع معانقة صديق؟ يرد وزير الصحة مات هانكوك: من منتصف مايو.. آنذاك ستكون معظم الفئات الضعيفة تلقت اللقاح. وفى أى موعد، سأشعر بالرمال بين قدمى على الشاطئ مرة أخري؟ الشواطئ سيبدأ فتحها من 17 مايو. سؤال آخر: استعرت كتبا من المكتبة القريبة من منزلى، متى أستطيع إعادتها؟ يمكنك ردها بدءًا من 12 أبريل عندما تفتح المكتبات مجددا. السؤال الأهم: متى يمكن للأسر الاختلاط بحرية؟ من الصعب تحديد ذلك، لو قلنا الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة، فسيكون موعدًا مبكرًا. هل كان بذهن أورويل أن يأتى وباء أخطر من الأخ الأكبر، ويجبر الحكومات على فرض هذه القيود، وأن يتقبلها الإنسان رغم كراهيته لها؟ صور أورويل الاختزال العمدى للغة، فهناك محو لكلمات وأفكار بعينها وما تجسده من مشاعر لتشويه الرؤية الحقيقية للعالم. أليس هذا ما فعله كورونا؟ ألم تختف كلمات مثل العناق والقبلات والتحية بالأيدي؟ ألم تتوقف اللقاءات الجماعية وتصبح الإقامة المنزلية فرض عين؟