بكري : الجماعات الإرهابية تقود حملة لتشويه اتحاد القبائل العربية    رئيس دفاع النواب يهنئ البابا تواضروس والأقباط بعيد القيامة المجيد    الغرف التجارية: مصر تستهلك 175 طنا من الرنجة يوميا.. وتراجع الفسيخ ببورسعيد ل190 جنيها    مراعاة للأغنياء.. الحكومة تؤجل ضريبة أرباح البورصة للسنة العاشرة    مجلس مدينة العريش يشن حملة لإزالة المباني المخالفة    نميرة نجم: أي قرار للمحاكم الدولية سيؤثر على الحراك بالولايات المتحدة    روسيا تعلن تدمير قاعدتين للمسلحين في سوريا    بعد التتويج ببطولة إفريقيا لسيدات الطائرة.. الزمالك يتأهل لمونديال الأندية    عمر وردة: تزوجت من فتاة جزائرية منذ شهور لكي استقر    صلوات وزغاريد وفرحة.. آلاف الأقباط يحتفلون بعيد القيامة بقنا| فيديو    مصرع سيدة صدمها قطار ب سوهاج    بعد شائعات الانفصال.. مها الصغير تستعيد ذكرياتها مع أحمد السقا في الجونة (فيديو)    دعمتم مناقشة هذا الأمر | رمضان عبد المعز يوجه الشكر ل المتحدة    عرض قطري.. أول تعليق من مستشار الرئيس على تأجير المستشفيات الحكومية    مختلف عليه..ما حكم أكل الفسيخ في الإسلام؟    محافظ القاهرة يشهد احتفال الطائفة الإنجيلية بعيد القيامة نائبا عن رئيس الوزراء    أسامة كمال يُحيي صحفيي غزة: المجد لمن دفعوا أعمارهم ثمنا لنقل الحقيقة    قرار من القضاء ضد ممرضة ووالدها بتهمة قتل عامل بالمقطم    قتل «طفل شبرا الخيمة».. أوراق القضية تكشف دور تاجر أعضاء في الواقعة    تعرف على شروط التقديم لمدرسة فريش الدولية للتكنولوجيا التطبيقية 2024-2025    وزير الخارجية الأسبق: نتنياهو لا يريد الوصول لاتفاق مع حماس    قصواء الخلالي: العرجاني وأسرته وأهل سيناء يتباهون بمشاركتهم في تنمية أرض الفيروز    71 مليار جنيه لقطاع التعليم المدرسي والجامعي خلال 24 /25    حكم الصلاة على الكرسي وضوابط الصلاة جالسًا.. اعرف الشروط والأحكام    بدء قداس الاحتفال بعيد القيامة المجيد في المنيا (صور)    لجين عبد الله تفوز بكأس أفضل سباحة في البطولة الإفريقية بأنجولا    أحمد موسى عن شم النسيم: «باكل فسيخ لحد ما يغمى عليا.. وأديها بصل وليمون»    طارق إمام للشروق: المعارض الأدبية شديدة الأهمية لصناعة النشر.. ونجيب محفوظ المعلم الأكبر    مطران إيبارشية أسيوط يترأس صلاة قداس عيد القيامة المجيد 2024    وكيل صحة القليوبية: استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل    تسويق مغلوط للأولويات سيكون له ما بعده..    بالصور.. أهالي قرية عبود بالفيوم يشيعون جثمان الحاجة عائشة    المقاولون 2005 يفوز على أسيوط بثلاثية في دوري الجمهورية للناشئين    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    سفير فلسطين في تونس: مصر تقوم بدبلوماسية فاعلة تجاه القضية الفلسطينية    غدا وبعد غد.. تفاصيل حصول الموظفين على أجر مضاعف وفقا للقانون    القس أندريه زكي يكتب: القيامة وبناء الشخصية.. بطرس.. من الخوف والتخبط إلى القيادة والتأثير    «صحة الفيوم»: قافلة طبية مجانية لمدة يومين بمركز طامية.. صرف الأدوية مجانا    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    لوبتيجي مرشح لتدريب بايرن ميونيخ    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 والثانوي الأزهري    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    ما حكم تلوين البيض في عيد شم النسيم؟.. "الإفتاء" تُجيب    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضد التصور الأسطوري للمرأة (1)
نشر في بوابة الأهرام يوم 03 - 01 - 2021


د. محمد عثمان الخشت
رأينا عبر خمس عشر مقالا حجم الأساطير في الأديان المختلفة عن الشيطان، وامتدادات تلك الأساطير في الثقافة التراثية الشائعة عند قطاعات من المسلمين بالمخالفة للعقائد النقية الواردة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة المتواترة، كما رأينا كيف أن الإسرائيليات والأحاديث الضعيفة والمكذوبة والحكايات الشعبية لعبت دورا كبيرا في كثير من كتب التراث وتجاورت مع العقائد الصحيحة.
وكان بالإمكان أن تتضاعف تلك السلسلة لمزيد من الأمثلة من كتب الخطاب الديني التقليدي على مخالفة الوحي النقي. وأتصور أنه ربما يكون ما أوردناه من أمثلة من كتب التيار الأشعري كافيا للتدليل على صحة ما نقوله من أن الخطاب الديني التقليدي في معتقداته عن الشيطان قد ابتعد في جانب منها عن القرآن الكريم والسنة المتواترة، واختلطت فيه المعتقدات الأصيلة بالمعتقدات التي ليس ليها أصل من الوحي الكريم.
ومن أسف فإن الخطاب الديني البشري التقليدي يخالف الوحي الكريم، وينسب للرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله وما لم يفعله، ومن ثم فإن التراث به الإيجابي وبه أيضا السلبي، والغريب أن قطاعات منا تصر على السير بكل عزيمة وراء السلبي، وتدافع عنه دفاعا مجيدا! إن المزايدة على الاحتفاظ بالتراث كله دون تمييز بين الإيجابي والسلبي، مغالطة كبرى، ودغدغة لمشاعر الغوغاء، واستدعاء لكل عصبية الألتراس، ما الفرق بين المهللين لهم وبين تهليل الألتراس في مباراة مفتعلة!.
مهما يكن من أمر، فإنه يمكن بداية سلسلة جديدة حول تصور آخر من التصورات الأسطورية التي لا تزال تحكم رؤيتنا بالمخالفة للوحي الكريم. وليكن تصورنا للمرأة؛ لأنه تصور متشابك مع تصورنا عن الشيطان! فمن أهم الملاحظات التي يمكن أن نخرج بها من السلسلة السابقة أن تلك الثقافة الأسطورية عن الشيطان اقترنت بتصور أسطوري عن المرأة؛ حيث تظهر المرأة لاعبا رئيسا على مسرح الشيطان!.
ولعل نص الغزالي الأخير من كتاب (إحياء علوم الدين) الذي عرضناه في المقال السابق يمثل أكبر مثال على ما نقوله، ويعد جسرا بين مقالات (ضد التصور الأسطوري للشيطان) ومقالات (ضد التصور الأسطوري للمرأة)، فالتصوران متشابكان تشابك بيتين للعنكبوت. وقد بدأنا في ذلك المقال ببيان حجم الأسطورة في تصور الغزالي، ونتابع في هذا المقال الذي نبدأ به سلسلة جديدة بقية التعليق على ذلك النص، والذي بدأ بالشيطان وانتهى بالمرأة كبطلين في مسرحية الشر! أو بلغة فن السينما: الشيطان هو البطل والمرأة هي البطل المساعد!
يستشهد الغزالي بكل بساطة على تصوره للمرأة بحديث يوجد بإسناده جهالة، أي بحديث يوجد بسنده مشكلة حقيقية تمنع التصديق بأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذا القول، ومع ذلك نسب إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال :«النساء حبائل الشيطان ولولا هذه الشهوة لما كان للنساء سلطنة على الرجال».والحبائل جمع حِبالة بالكسر، وهي المصيدة المصنوعة من حبال يصاد ويُؤخذ بها الصَّيد، وقال الحافظ العراقي: أخرجه الأصفهاني في الترغيب والترهيب من حديث خالد بن زيد الجهني بإسناد فيه جهالة. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة. وانظر المقاصد الحسنة للسخاوي بتحقيقي، وكشف الخفاء للعجلوني، ونصب الراية للزيلعي، ومسند الشهاب، والمغازي للواقدي، ودلائل النبوة للبيهقي، والمصنف لابن أبي شيبة، والبيان والتبيين للجاحظ، والدر المنثور للسيوطي.
والسؤال كيف يروج الغزالي في كتاب (إحياء علوم الدين) لحديث يوجد بإسناده جهالة، حديث لم يثبت أن النبي قاله، والخطورة أنه ليس قولا عاديا في مسألة جزئية، بل في حكم عام يشكل ويكون تصورا عاما للمرأة، وهو حكم خطير لأنه يشكل نظرة متدنية للمرأة ويجعلها موضع التحقير وفي مربع واحد مع الشيطان! هكذا مرة واحد يحكم على النساء (أمي وأمك، وابنتي وابنتك، وأختي وأختك، ومدرستي ومدرستك، وعمتي وعمتك، وخالتي وخالتك...)، أنهن حبائل الشيطان، إنهن أدوات الشيطان! ويجزم بأنه «لولا هذه الشهوة لما كان للنساء سلطنة على الرجال»، فهل الشهوة هي الرابط الوحيد بين الرجل والمرأة؟ هل يمكن اختزال العلاقات الإنسانية المتشعبة بينهما في علاقة جسدين؟ هل كان ما يربط الرسول بخديجة هو رابط جسدي فقط، أم أيضا روابط إنسانية متنوعة من طراز رفيع؟ هل كان يربط بين الرسول وأسماء بنت أبي بكر أي رابط سوى دعوة الحق؟ ألم يكن لها دور مفصلي في الانتقال من مربع الانحصار والوشْك والإيشاك على انتهاء الدعوة إلى مربع الانطلاق والانتصار؟ ألم يقل الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ( سورة الروم: آية21).
ألم يحتف القرآن بامرأة عمران الكريمة وابنتها الطاهرة مريم، (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ( آل عمران: 37).
أليست المرأة جزءا من الرجل عند مبدأ الخليقة البشرية، أليس كل الرجال جزءا من النساء أمهاتهن، وكل النساء جزء من الرجال أبائهن، ألم يجزم القرآن بأن بعضنا من بعض، (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (آل عمران: 195).
إن التصور العام الذي يطرحه القرآن لا يوجد فيه أي نص على حكم عام سلبي على النساء كنوع، بل إن الأحكام العامة التي يطلقها يشترك فيها الرجال والنساء كجنس بشري واحد، (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ). ثم يأتي الغزالي رحمه الله وغيره بحديث في إسناده جهالة ويحكم عليهن: (النساء حبائل الشيطان)! وهذا الحديث المنسوب بهذا السند المتهاوي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم متعارض بكل شدة مع المتن القرآن، بل ومع الأحاديث الصحيحة الثابتة عن الرسول. فهو حديث مردود سندا ومتنا، لكن نفرا من قادة الخطاب الديني التقليدي يستشهدون به ضد المرأة. ألسنا فعلا بحاجة إلى خطاب ديني جديد يرجع بنا إلى الوحي الكريم قبل أن تمتد إلى تفسيره ثقافات رجعية حملته بأساطير وموروثات اجتماعية جاهلية؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.