حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    عيار 21 بكام بعد الارتفاع الجديد؟.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 5 مايو 2024 بالصاغة    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    أسعار السمك اليوم الأحد 5-5-2024 بعد مبادرة «خليها تعفن»    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تتجاوز 76 مليون دولار في أبريل    عاجل.. رعب في العالم.. فيضانات وحرارة شديدة ومئات القتلى بسبب تغير المناخ    تظاهر آلاف الإسرائيليين بتل أبيب للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    أحمد مصطفى: نُهدي لقب بطولة إفريقيا لجماهير الزمالك    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    الأرصاد: انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة.. وشبورة مائية كثيفة صباحًا    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    مصطفى بكري: جريمة إبراهيم العرجاني هي دفاعه عن أمن بلاده    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    مختار مختار ينصح كولر بهذا الأمر قبل نهائي إفريقيا أمام الترجي    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    رئيس جامعة دمنهور يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقيقة “فتنة النساء" فى الإسلام.. المتشددون يُخضعون النصوص الدينية لمرادهم.. ووضع المرأة لديهم بات نموذجا لانفصال الشريعة عن الأخلاق والتمييز ضد المرأة.. وفتنة النساء عنوان نادر فى كتب التراث
نشر في اليوم السابع يوم 28 - 04 - 2013

كانت صدمتى كبيرة من حجم الكارثية فى قضية التحرش بمصر، فالشعب «المتدين بطبعه» هو الثانى على مستوى العالم فى التحرش، فثار فى نفسى تساؤل عما يحمل المتحرش على تلك الفعلة القذرة؟ أما لديه ذرة من ضمير أو مروءة؟ أردت أن أضع يدى على السبب البعيد لتحرش المتحرش، فوجدته بحسب إحدى الدراسات عن نفسية المتحرش يكمن فى سادية –استمتاع بالتعذيب– يعانى منها هذا المريض المسكين، وفى أسباب انتشار التحرش وسكوت المجتمع عنه وجدت بعضا من الإجابة عن سؤالى حول ضمير المتحرش، فكثير من التفسيرات الذكورية المتشددة والعدائية تجاه المرأة لبعض النصوص الدينية تعد من أهم المبررات الضميرية لهذا السادى الصغير، فبحسب الباحث حينما تكون المرأة شيطان وفتنة كما يروج المتشددون فى كتبهم وأحاديثهم الرائجة تحت عنوان «فتنة النساء»، تصير هى الملومة دائما.
أدهشتنى المعلومات وسقطت فى صمت عميق تملكنى فيه طيف اللوحة التى رفعتها تلك الناشطة فى المسيرة «أنا مش فتنة»، يرافقها صدى لصوت مدرسنا حينما شرح لنا فى الصف الثانى من الإعدادية الأزهرية حديث «تقبل المرأة فى صورة شيطان» فقال: «الشيطان ده بيبقى فى دماغك يا حمار أنت وهو، مش البنات ولا الستات اللى ماشيين فى الشارع» أعقبه صدى عال لضحكة جماعية من قلوب صافية، لتلاميذ لا يعبأون بشىء من هموم الحياة، وبعد قليل انهالت السؤالات تترا على عقلى، من أين لهم أن المرأة شيطان وفتنة؟ ما الذى تغير عما تعلمنا؟ هل الدين أم من يشرحونه ويفسرونه؟ ولماذا كل هذا الكم من الكراهية والحقد على المرأة؟
عدت متلهفا لكتب الأصول والتراث الإسلامى باحثا عن هذا العنوان «فتنة النساء» أريد أن أضع يدى على أول الخيط لهذا العنوان الذى ملأوا به حياتنا ضجيجا، فوجدت أول نتيجة للبحث فى سنن ابن ماجة (المتوفى: 273ه) حيث أفرد بابا أسماه «بَاب فِتْنَةِ النِّسَاءِ» أورد فيه ستة أحاديث، ثم أعقبه الترمذى (المتوفى: 279ه) «بَاب مَا جَاءَ فِى تَحْذِيرِ فِتْنَةِ النِّسَاءِ» أورد فيه حديثا واحدا ثم البيهقى (384-458ه) باب «ما يتقى من فتنة النساء» أورد فيه حديثين، وكانت السمة الغالبة على الجميع التكرار، وأورد ابن عبدالرزاق فى مصنفه بابا بعنوان (باب فتنة النساء) فيه حديث وأثر عن ابن عباس، وكان أهمهم باب عقده الإمام مسلم بعنوان «الافتتان بالنساء» بينما خلى البخارى والبقية من عنوان بهذا الشكل، وإن لم تخل من بعض الأحاديث السابقة وبعض المأثورات عن السلف، وكذلك خلت جل كتب الفقه على المذاهب الأربعة من عنوان مماثل.
على جانب آخر تجد العنوان حاضرا بقوة فى كل الكتب وبرامج الفتاوى والعظات فى العصر الحالى خصوصا عند السلفيين فأما أن يكون متصدرا أو ضمنا عنوان «فتنة النساء» سواء فى كتب العقيدة أو الشريعة أو الأخلاق، حتى بدا الأمر وكأن الدعاة المعاصرين قد اكتشفوا اكتشافا ضل عنه السابقون، وهو ما يثير تساؤلا حول سبب انتشار هذا العنوان فى الآفاق بهذا الشكل، بينما كان حضوره فى التراث بهذا الهزلان؟. وكان القاسم المشترك بين كل الموجود تحت العنوان لديهم الجزم بأن المرأة فتنة «وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم فى كثير من أحاديثه الرجال من فتنة النساء، وعظم أمرهن حتى جعل فتنتهن أشد الفتن وأشد المضرات» كما يقول الشيخ المنجد بينما تعاملت اللجنة الدائمة للإفتاء مثلا مع كون المرأة فتنة كقاعدة مسلمة تنطلق منها فى كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمرأة فاللجنة تتعامل مع الأسئلة المتعلقة بها باعتبارها سؤالات عن الفتنة لا أكثر، بمعنى أنه بات المنطق هل يجوز للفتنة أن تقود سيارة؟ وهل يجوز للفتنة أن تلقى السلام أو تصافح؟ وهكذا. وبالنظر فى أكثر ما كتب وقيل تحت هذا العنوان فى العصر الحديث تجده معتمدا على أربعة نصوص يتقافزون بينهم ويبدلون مواقعهم بحسب شدة عداء الكاتب أو المتحدث للمرأة، فيبدأ المتعصب العتيد بحديث (أن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان) والمتوسط اللطيف بحديث: (ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء) ثم (إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) ومن باب الاستئناس والاستكثار فى الأدلة يذيلون الأحاديث بقوله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} [آل عمران: 14] يتبعه عادة قال ابن كثير «يخبر تعالى عما زين للناس فى هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد»، وقال القرطبى: قوله تعالى: «من النساء» بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال».
والحق أن شخصا يدعى صلة بالعلم الشرعى يؤخر الآية القرآنية لحساب الأحاديث مهما كانت صحتها لهو شخص مغرض، فالهروب من القرآن وتفاسيره التامة المستقرة والوسطية فى أغلبها إلى الأحاديث التى تعددت وتشعبت تفاسيرها بحسب هوى كل فرقة ومذهب هو خروج من سعة النظرة الاسلامية لضيق النظرة المذهبية، يجعل كلام المتكلم حديثا مذهبيا محضا لا إيضاحا لشرع أو تفسيرا لدين، وتلك كارثتهم.
يقول الإمام الزمخشرى فى الكشاف: {زُيّنَ لِلنَّاسِ} المزين هو الله سبحانه وتعالى للابتلاء، كقوله : {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ} [ الكهف: 7 ] ويدل عليه قراءة مجاهد: «زَيَّنَ للناس»، على تسمية الفاعل. {حُبُّ الشهوات} جعل الأعيان التى ذكرها شهوات مبالغة فى كونها مشتهاة محروصاً على الاستمتاع بها. والوجه أن يقصد تخسيسها فيسميها شهوات، لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية». فالآية عند الزمخشرى فى جملتها موجهة للدعوة لتحقير وتخسيس –من الخسة– السعى الدائب بلا انقطاع وراء الشهوات لأن ذلك شأن البهائم لا البشر فضلا عن المؤمنين، ولا شك أن هذا البهيمى كما وصفه الزمخشرى حينما سيثار ويشتهى لن يكون لا للمرأة ولا غيرها دخل بذلك، فهو معدوم العقل ضعيف الإيمان سائر خلف حواسه أتبع نفسه هواها ولا دخل للمرأة فى شىء من ذلك كله ويكفى وصف الزمخشرى له بالبهيمية. ويفسر الإمام الرازى الآية بقوله: «قال المتكلمون: دلّت هذه الآية على أن الحب غير الشهوة، فالشهوة من فعل الله تعالى، والمحبة من أفعال العباد وهى عبارة عن أن يجعل الإنسان كل غرضه وعيشه فى طلب اللذات والطيبات، وقد أضاف تعالى ذلك إلى الناس، وظاهر اللفظ يقتضى أن هذا المعنى حاصل لجميع الناس»
فالآية بحسب نظر الرازى تحذير من الإفراط فى السعى وراء الشهوات الطبيعية وجعلها الهدف من الحياة ومن إعلاء الرغبات الجسدية فوق المستوى الذى خلقها له خالقها، حتى لا يتحول الأمر من شهوة عابرة لها وظيفتها الحيوية إلى حب منعقد، وأن الأمر عام لجميع الناس وليس للرجل وحده أو للمرأة وحدها، لذا فلا شاهد لكم فى الآية لتقحموها كدليل يبرر عنصريتكم.
وحتى كلام الإمام ابن كثير الذى يستشهدون به عادة فى تفسير الآية لا يراد منه ما يوهمون به قراءهم ومستمعيهم على الإطلاق، بل هو على العكس منه تماما، ولكن الاجتزاء من الصور والنصوص للوصول إلى غايات مسبقة هواية لدى القوم، يقول ابن كثير فى تفسيره: «يخبر تعالى عما زُيِّن للناس فى هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد»، ولنلحظ دقة التعبير عند ابن كثير «لأن الفتنة بهن» وليس فيهن، فالأمر يعود على المفتون بهن المبالغ فى ردات فعله تجاههن والمتصور أنهن أدوات متعة لا آدميات كاملات الأهلية، لهن مثل ما له وعليهن مثل ما عليه، ونكمل معه إذ يقول «وكما ثبت فى الصحيح أنه، عليه السلام، قال «مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء». وقوله، عليه السلام «الدُّنْيَا مَتَاع، وخَيْرُ مَتَاعِهَا المرْأةُ الصَّالحةُ،» وقوله فى الحديث الآخر: «حُبِّبَ إلَىَّ النِّسَاءُ والطِّيبُ وجُعلَتْ قُرة عَيْنى فِى الصَّلاةِ» وقالت عائشة، رضى الله عنها: لم يكن شىء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل إلا النساء».
كذا كان التوازن الشديد تجاه المرأة فى رؤية الإمام ابن كثير وتفسيره للآية فحينما استخدم حديث يوحى لأصحاب الفهم المعوج بأن المرأة فتنة كما ينقله عنه المتشددون ويقفون، أعقبه سريعا بأن النساء كن أحب الأشياء إلى الرسول الكريم، منذرا كل من يقرأ الحديث الأول أن يتحسس فهمه فنبيه لن يحب الفتن أبدا.
ويجهز الإمام الألوسى على هذا الفهم المنحرف للآية ومحاولة العبث بها لتبرير هؤلاء المتعنتين لعنصريتهم وكراهيتهم غير المبررة للمرأة فيقول: «والمراد أن الشهوات زينت فى أعينهم لنقصانهم فلا زينة لها فى الحقيقة من غير أن يكون هناك مزين» فأنتم المبالغون فى نظرتكم والمزينون لأنفسكم الفتنة بالمرأة لا المرأة، وذلك لنقصان العقل والإيمان فيكم فكان التزيين والافتتان منكم. وبمثل ذلك وبغير بعيد عنه، فسر الإمام ابن الجوزى ما رواه الإمام مسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِى صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِى صُورَةِ شَيْطَانٍ» قال: «أى إن الشيطان يزين أمرها ويحث عليها»، ويزيدنا الإمام الطحاوى الرؤية وضوحا فى مشكل الآثار فيقول بعد الحديث: «وجدنا مثل ذلك مما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله «إن الشيطان يجرى من بنى آدم مجرى الدم» إن الطحاوى يفسر الحديث بالحديث وكلاهما يشرح رؤية ابن الجوزى السابقة، فمن تمكن منه شيطانه الجارى منه مجرى الدم فى العروق وأصابه بزيغ فى تصوراته للمرأة، فهو المسؤول عن افتتانه بها، وليس المرأة كما يتوهم هؤلاء الكارهون لها ولدورها فى الحياة، وقال النووى «قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ: الْإِشَارَة إِلَى الْهَوَى وَالدُّعَاء إِلَى الْفِتْنَة بِهَا» فالفتنة بها هوى خبيث من المفتون والعهدة فى الافتتان تكون عليه لا عليه.
يشهد لهذا أنه فى أقوى عصور التاريخ الإسلامى وقتما كانت الحياة الموصوفة بالإسلامية –زعما ووهما– فى أوج قوتها وازدهارها وكان حضور المرأة فى المجتمع شديد الضعف، ظهر فى التراث الإسلامى دعاوى كثيرة لمفتونين آخرين تزين الشذوذ مع الغلمان والرجال وقد جاء إلينا فى ذلك كتب ورسائل وأشعار وأنثار كمفاخرة الجوارى والغلمان للجاحظ (ت 255 ه) وأمثاله وما فضائح بعض خلفاء بنى العباس التاريخية فى الشذوذ ببعيدة، ووصل الغى بهؤلاء المفتونين الشهوانيين المرضى مداه بتزيينهم مواقعة الحيوانات ولينظر الممتعض مما نقول «محاضرات الأدباء» –رغم جلال مؤلفه– وما حواه من شعر يزين مواقعة الكلاب، وهو ما أجبر الكثير من العلماء والفقهاء أمام هذا الغى المبين لتخصيص مساحات للحديث عن حرمة ذلك وعقوبته، فالفتنة ليست امرأة وإنما هى إنسان فارغ ضعيف مفتون جعل إلهه هواه وأسرته شهواته وبات مستعدا للافتتان ولو بكلب فلنعِ. ولله در الإمام مسلم حينما وضع حديث (مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) الذى أخرجه تحت عنوان «بَاب بَيَانِ الْفِتْنَةِ بِالنِّسَاءِ» ليؤكد من جديد أن الافتتان يكون بالنساء لا فيهن وحينما عمد الإمام النووى شرح حديث (إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) قال: «هكذا هو فى جميع النسخ فاتقوا الدنيا ومعناه تجنبوا الافتتان بها وبالنساء وتدخل فى النساء الزوجات وغيرهن» فلأن الفتنة فى المفتون لا المرأة يمكن أن تكون سبب الفتنة زوجته حليلته كما يقول الإمام النووى، فهو مريض جاهز للمبالغة فى تقييمه وردات فعله ضد أى شىء.
ثم.. ثم لقد ورد لفظى الفتنة والشيطان فى وصف العديد من الأشياء فى النصوص الشرعية، فلماذا ألصق بالنساء وحدهن وسار مع الركبان فى العصر الحديث حتى بات المرجع فى النظر لكل أنثى وسببا للتمايز الوهمى عنها، إن ذلك إن دل فانما يدل على فتنة تمكنت من قلوب ونفوس من ينظرون للمرأة هذه النظرة الدونية، يقول تعالى: «ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون» (الأنبياء 35) وقال: «واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم» (الأنفال 28) وروى أحمد والنسائى والترمذى وصححه الألبانى من قول النبي: «لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةٌ، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِى الْمَالُ» وأخرج البخارى عن «حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْفِتْنَةِ قُلْتُ أَنَا كَمَا قَالَهُ «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْىُ»، وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حَدَّثَهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فِى ظِلِّ حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِهِ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَادَ يَتَقَلَّصُ عَنْهُمُ الظِّلُّ، فَقَالَ: إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنِ شَيْطَانٍ فَلاَ تُكَلِّمُوهُ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ أَزْرَقُ فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَقَالَ : عَلاَمَ تَشْتُمُنِى أَنْتَ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ» رواه أحمد وحسنه الأرنؤوط، وفى حديث آخر رواه أحمد قال الرسول الكريم «الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَانِ» ووصف فيما رواه أحمد أيضا الرجل الذى يخبر عما يقع بينه وبين زوجته بالشيطان، فما الفرق؟
إن وضع المرأة عند المتشددين لينبئ عن انفصال الشريعة عن الأخلاق لديهم، فقد باتوا يلوون عنق النصوص ويجتزئون من تفاسيرها ما يخدم هواهم ويشفى غليلهم غير المبرر ضدها، ويظهرون الإسلام فى صورة بائسة من الازدواجية والتناقض، فالمرأة شيطان وفتنة بأقوال رسول الله ومكرمة ومصانة بأقواله أيضا «إنما النساء شقائق الرجال «استوصوا بالنساء خيرا «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى». لذا لنرى قطبا سلفيا كالإمام ابن القيم وقد خلى قلبه وعقله من أى اعتبارات غير الحقيقة وصفت نيته من أى أضغان كيف رأى حديث فتنة النساء؟ وهل هى وصف مرادف للمرأة كما نرى ممن يدعون الآن انتسابا لمنهجه؟
فقد تتبع الإمام ابن القيم فى كتابه إغاثة اللهفان معنى الفتنة فى نظرة شاملة يمتزج فيها فقه الأحاديث بالأخلاق الإسلامية حتى وصل إلى حديث فتنة النساء فوضحه فى انسجام وتماهٍ تامين بين أصالة العلم الشرعى ورقة الأخلاق الدينية إذ يقول:» قال تعالى «إنما أموالكم وأولادكم فتنة» قال مقاتل أى بلاء وشغل عن الآخرة وقال ابن عباس فلا تطيعوهم فى معصية الله تعالى، وقال الزجاج أعلمهم الله عز وجل أن الأموال والأولاد مما يفتنون به وهذا عام فى جميع الأولاد فإن الإنسان مفتون بولده لأنه ربما عصى الله تعالى بسببه وتناول الحرام لأجله، ويشهد لهذا ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب فجاء الحسن والحسين رضى الله عنهما وعليهما قميصان أحمران يعثران فنزل النبى صلى الله عليه وسلم إليهما فأخذهما فوضعهما فى حجره على المنبر وقال صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما.
ومنه قوله تعالى «وجعلنا بعضكم لبعض فتنة» فهذا عام فى جميع الخلق يمتحن الله بعضهم ببعض فامتحن الرسل بالمرسل إليهم ودعوتهم إلى الحق والصبر على أذاهم وتحمل المشاق فى تبليغهم رسالات ربهم وامتحن المرسل إليهم بالرسل وهل يطيعونهم وينصرونهم ويصدقونهم أم يكفرون بهم ويردون عليهم ويقاتلونهم وامتحن العلماء بالجهال هل يعلمونهم وينصحونهم ويصبرون على تعليمهم ونصحهم وإرشادهم ولوازم ذلك وامتحن الجهال بالعلماء هل يطيعونهم ويهتدون بهم، وامتحن الملوك بالرعية، والرعية بالملوك، وامتحن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء، وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالأتباع، والأتباع بالسادة، وامتحن الرجل بامرأته، وامرأته به، وامتحن الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين وامتحن الآمرين بالمعروف بمن يأمرونهم وامتحن المأمورين بهم. قال تعالى: «ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين» فالفتنة قسمت الناس إلى صادق وكاذب ومؤمن ومنافق وطيب وخبيث فمن صبر عليها كانت رحمة فى حقه ونجا بصبره من فتنة أعظم منها ومن لم يصبر عليها وقع فى فتنة أشد منها.
فالله سبحانه يفتن أصحاب الشهوات بالصور الجميلة ويفتن أولئك بهم فكل من النوعين فتنة للآخر فمن صبر منهم على تلك الفتنة نجا مما هو أعظم منها ومن أصابته تلك الفتنة سقط فيما هو شر منها فإن تدارك ذلك بالتوبة النصوح وإلا فبسبيل من هلك ولهذا قال النبى: ما تركت بعدى فتنة أضر من النساء على الرجال. فالعبد فى هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الأمارة وشيطانه المغوى المزين وقرنائه وما يراه ويشاهد مما يعجز صبره عنه ويتفق مع ذلك ضعف الإيمان واليقين وضعف القلب ومرارة الصبر وذوق حلاوة العاجل وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا وكون العوض مؤجلا فى دار أخرى غير هذه الدار التى خلق فيها وفيها نشأ فهو مكلف بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طلب منه الإيمان به».
فأين أنتم من فهم إمامكم يا عنصريون!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.